“فزعة” المجاهد حسين رضوان منحوتة بازلتية توثق بسالة أبناء السويداء
البعث الأسبوعية-رفعت الديك
على مدخل مدينة السويداء من جهة الغرب تتربع منحوتة بازلتية تمثل رجلاً يخرج من قلب الصخر شاهراً سيفه الضخم متقدماً لنصرة إخوانه في السلاح هي منحوتة تمثل “فزعة” المجاهد حسين مرشد رضوان كما يقول الفنان النحات فؤاد نعيم، صاحب هذا العمل الذي يقول أنه “تصوُّر لحالة قتالية (فزعة) لمقاتل متأهب راكض لنجدة إخوانه في ساحة القتال، يلبس لباساً شعبياً لأبناء المنطقة: البالوش (الحذاء البدائي المصنوع من الجلد أو بقايا إطارات السيارات) والشروال المحلي والقنشية “لباس بين المعطف الطويل والجاكيت” التي طيرها الريح نتيجة سرعته، كما يرتدي على رأسه الحطة والعصبة، وللعصبة دلالاتها الأكثر عمقاً في الحياة العملية، هؤلاء هم (مرقعو العبي) لا تخدمهم العمامة أو العقال فالعصبة أكثر ثباتاً، كما أنها أكثر زهداً، فهذا المقاتل لا يأبه بالموت في سبيل الذود عن حياض وطنه ونصرة إخوانه.
عمق فني
وحول المنحوتة يقول نعيم “إن الثوار الذين حاربوا الاستعمار ودافعوا عن هذا الوطن لم يأخذوا حقهم كاملاً، بل كاد الزمن أن ينساهم، وحسين مرشد رمزاً من رموز الثورة السورية الكبرى وأحد أركانها، كما أنه كشخص يمثل الإنسان الجبلي بكل المقاييس الجسدية والروحية والفكرية إنه رجل قوي البنية شديد البأس ذو مواصفات غير عادية توحي لك بعمل فني ناجح”.
وبين “نعيم” أنه حاول بهذا العمل تصوير الحالة القتالية في ساحة المعركة للمجاهد الذي يلبس لباساً شعبياً لأبناء منطقة جبل العرب ويرتدي على رأسه الحطة والعقال في مشهد يدل على أن هذا المقاتل الذي ينتمي إلى المجتمع المحلي ببساطته لا يأبه بالموت في سبيل الذود عن حياض وطنه، مشيراً إلى أن هذا العمل الفني الذي استغرق إنجازه أكثر من سنة ونصف السنة نفذ من صخرة واحدة من البازلت القاسي ما يجعله أكثر رسوخاً واستقراراً من العمل التركيبي.
وحول اختيار السيف ليحمله المجاهد بدل المسدس، كونه اشتهر بأنه صاحب الرصاصة الأولى في الثورة السورية الكبرى، التي أطلقها من مسدسه على ضابط الاستخبارات الفرنسي (موريل) أجاب:
“لا يقدم المسدس عمقاً فنياً ومعنوياً للعمل، فالسيف كان رمزاً للمقاتل العربي منذ الأزل، وحتى أثناء الثورة السورية الكبرى قاتل الكثير من مجاهديها بالسيف، أما من الناحية الفنية فالسيف يعطيك فهماً مختلفاً لواقع العمل.
إنه حل تشكيلي بامتياز فالخط المنحني للسيف يوضح دلالات النص الأدبي للعمل، كما أن السيف يُرى من مسافة بعيدة، بينما لا يُرى المسدس سوى كتلة صماء قد لا تستطيع تمييزها إلا من مسافة قريبة ولا تحمل معنى سامياً كما السيف”.
أما ملحقات العمل الأخرى فنجدها على القاعدة: بقايا دولاب عجلة وسبطانة مدفع محطم وضعها الفنان خلف المقاتل ليقول لنا أن هذا المجاهد قد تجاوز شوطاً كبيراً من المعركة ولا زال منتصراً مخلفاً وراءه حطام أعدائه.
وعودة إلى العمل فنياً، يلاحظ أن أجزاءه وتفاصيله ليست صقيلة وناعمة، تشعرك بأن العمل لم يكتمل بعد، مع علمي أن أجزاء أخرى من الصخرة تُركت كما هي اعتقاداً مني أن الفنان يريد إبراز هوية الصخرة الأصلية، لقد كنت موفقاً في الجزء الثاني من ملاحظتي.
وهنا يقول نعيم “إن تنعيم العمل وصقله يجعل مني حرفياً ولست فناناً، إن ترك بعض الأجزاء غير المتممة هو لصالح المادة التي أعمل عليها والعمل نفسه في آن. أنا أختار في أعمالي صخرة ما وأعمل عليها كما هي، وقد يكون لشكل الصخرة دور في تكوين العمل، لذلك علينا أن نترك أجزاء من شكل الصخرة ذاتها لنخرج بعمل ملون، بعكس العمل المنفذ على كتلة مقصوصة في المعمل على شكل مربع أو مستطيل محدد الأبعاد، وتكون النتيجة عملاً ذا لون واحد، وهنا يموت العمل”.
وحول رسالة نعيم التي حملها العمل يقول: “أعتقد أنني قدمت عملاً له ملامح محلية وتاريخية في آن، لقد نُفذت أعمال تتعلق بتاريخ المحافظة، لكني أعتقد أنها كانت بأفكار مستوردة من الخارج، فأن ترى فارساً يمتطي صهوة جواد شامخ منتصب على رجليه، تشعر أنك رأيت هذا المشهد في أماكن عديدة في دول شتى، أو أن ترى نصباً لثائر واقف وقفة رسمية مرتدياً عباءته وكأنه يتهيأ لاستقبال ضيوفه، مشاهد عادية مكررة لا توحي لك أنك تتحدث عن تاريخ أمة، لقد حاولت في عملي أن يعيش المشاهد التاريخ من خلال واقعة حية عاشتها المحافظة تمثل جزءاً من تاريخها، تمثلها هذا المنحوتة”.
ويلفت الفنان إلى أنه استعان في إنجاز هذا العمل بعدة صور للمجاهد “مرشد” إضافة لعدد من اللقاءات مع أحفاده للوصول إلى تصور قريب من تكوينه الجسدي من حيث الوجه والتكوين العام الأمر الذي ساعده على تنفيذ عمل ذي ملامح محلية وتاريخية في آن معاً يعيد المشاهد لهذا العمل إلى مرحلة تاريخية مجيدة من النضال ضد الاستعمار عاشتها المحافظة وسورية عموماً إبان الثورة السورية الكبرى عام 1925.
انتماء وارتباط
ويروي العمل النحتي الذي يبلغ ارتفاعه 225 سم وبعرض 140 سم وبطول أفقي 200 سم قصة المجاهد مرشد ببعدها التاريخي والوطني في التصدي للمستعمرين حيث أطلق الرصاصة الأولى على الضابط الفرنسي موريل في 7 تموز 1925 وكان واحداً من المجاهدين الأبطال الذين حملوا الوطن في قلبهم وقارعوا الاحتلال العثماني ومن بعده الفرنسي حيث ارتبط اسمه بمعارك الثورة السورية الكبرى التي خاضها أبناء جبل العرب إلى جانب إخوتهم في مختلف المحافظات السورية ضد المستعمرين لنيل الاستقلالـ يقول الباحث التاريخي كمال الشوفاني إن أهم ما يميز العمل خصوصية المكان والإنسان معاً، فقد نُفذ العمل من صخرة بازلت، عنوان الجبل، وقد خرج منها أحد أبطالها ليمثل هذا انتماء وارتباطاً بهذه الأرض.
وقد نُفذ العمل من صخرة واحدة دون ملحقات فبدا العمل أكثر رسوخاً واستقراراً من العمل التركيبي، ومعلوم أن العمل في كتلة واحدة يحتاج إلى دقة وتركيز، فالخطأ غير مسموح به ولو مرة واحدة.
يذكر أن الفنان فؤاد نعيم من مواليد السويداء 1955.خريج قسم النحت في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1981.