دراساتصحيفة البعث

فضيحة جديدة تجعل بريطانيا أضحوكة العالم

عناية ناصر

في الوقت الذي يشعر فيه العالم بقلق متزايد بشأن أزمة اللاجئين العالمية التي تفاقمت مؤخراً بسبب الصراع الروسي الأوكراني، أصيب الكثيرون بالذهول من الخطة التي أعلنت عنها حكومة المملكة المتحدة من أجل ردع المهاجرين غير الشرعيين من عبور القناة الإنكليزية في قوارب صغيرة، حيث سيتمّ وفق الخطة البريطانية “السحرية” نقل طالبي اللجوء جواً لمسافة تزيد عن 6000 كيلومتر إلى رواندا، ووضعهم في مراكز احتجاز أثناء معالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم.

وفي هذا الشأن دفعت بريطانيا لـ رواندا مبلغاً أولياً يُقدّر بـ156 مليون دولار كخطة تجريبية مدتها خمس سنوات، لكن هذه الخطة أثارت انتقادات واسعة على الفور في كلّ من بريطانيا وأماكن أخرى، حيث وصفت منظمات ونشطاء حقوق الإنسان هذا المخطط بأنه “غير إنساني” و”قاسي” وباهظ الثمن وغير فعال.

حتى الآن تعارض المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشدة تصدير المملكة المتحدة للجوء، مشددةً على أن الأشخاص الفارين من الحرب والصراع يستحقون التعاطف، ولا ينبغي مقايضتهم مثل السلع ونقلهم إلى الخارج. وبدلاً من قيام المملكة المتحدة بدورها في معالجة أزمة الهجرة واللاجئين العالمية بصفتها من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، يبدو أنها تستخدم كلّ الإجراءات والسياسات الممكنة لمتابعة وتعظيم مصلحتها الذاتية، متخلية عن مسؤولياتها ومعاييرها الأخلاقية.

والمفارقة أن الدول الغنية والمتقدمة قادرة دائماً على التنصل من مسؤولياتها والتزاماتها، حيث تمّ إبرام هذه الصفقة بشكل سريّ بين بريطانيا ورواندا، ما يعني التزام المملكة المتحدة بحماية اللاجئين في دولة أفريقية ولكن ليس على أراضيها. هل يعتبر هذا النوع من “التقسيم الدولي للعمل والتعاون” ابتكاراً عظيماً؟ وهل ينبغي التصفيق لقوة رأس المال؟.

على ما يبدو أن هذه الصفقة لا تظهر أي تعاطف مع الضعفاء، ولا تحترم الإنسانية، لأن ترتيبات النقل وإعادة التوطين هذه لن تؤدي إلا إلى تضخيم وزيادة المخاطر والمصاعب التي يواجهها اللاجئون. ووصف عضو في البرلمان البريطاني هذه الخطوة بأنها “إنشاء خليج غوانتانامو البريطاني”. ومع ذلك، لا ينبغي أن يتفاجأ أحد بموقف الحكومة البريطانية عندما يتعلّق الأمر بسياسات الهجرة “العدائية”. ومثال على تلك السياسة هي فضيحة “ويندراش” التي بدأت بالظهور في عام 2017 عندما تمّ احتجاز المئات من مواطني الكومنولث خطأً وترحيلهم وحرمانهم من حقوقهم القانونية.

الجدير بالذكر أن الكثير منهم وُلد كرعايا بريطانيين ووصلوا إلى المملكة المتحدة قبل عام 1973، وخاصة من دول الكاريبي كأعضاء في “جيل ويندراش”. لكن على الرغم من العيش والعمل في المملكة المتحدة لعقود من الزمان، قيل للكثيرين، وبسبب تشريع سياسة “البيئة المعادية” التي تمّ الإعلان عنها من قبل الحكومة في عام 2012، إن تواجدهم هناك لم يكن قانونياً بسبب نقص الأوراق الرسمية المتعدّدة لإثبات حقوق الإقامة. ونتيجة لذلك فقدوا وصولهم إلى السكن والرعاية الصحية والحسابات المصرفية ورخص القيادة، حتى أن العديد منهم وُضعوا في مراكز احتجاز المهاجرين، ومُنعوا من السفر إلى الخارج وهُدّدوا بالترحيل القسري، بينما رُحل آخرون إلى بلدان لم يروها منذ أن كانوا أطفالاً!.

لقد أثارت الفضيحة إدانة واسعة النطاق لإخفاقات الحكومة وفشلها، مع مطالبات لإصلاح جذري لوزارة الداخلية وسياسة الهجرة في المملكة المتحدة. من هنا لم تكن فضيحة “ويندراش” مصادفة، بل نتيجة حتمية لسياسات تهدف إلى جعل الحياة مستحيلة لمن ليس لديهم الأوراق الثبوتية الصحيحة، وتقليل هجرة غير البيض من الكومنولث. وبالنسبة للمتضررين جراء فضيحة “ويندراش”، لم يتمّ تحقيق العدالة لهم بعد، إذ تستمر حكومة المملكة المتحدة بانتهاج مسار سياسة الهجرة “العدائية”.

في تموز 2021، طرح مشروع قانون الجنسية والحدود من قبل وزارة الداخلية باعتباره “يقدم الإصلاح الأكثر شمولاً منذ عقود لإصلاح نظام اللجوء المعيب”. ومع ذلك، لاقى مشروع القانون انتقادات شديدة، وتدقيقاً متكرراً، وتعديلات عديدة. ووفقاً لـ سيوبان مولالي، مقرّر الأمم المتحدة الخاص المعنيّ بالاتجار بالبشر، وخاصة النساء والأطفال، لقد فشل مشروع القانون في الاعتراف بالتزام الحكومة بضمان حماية الأطفال المهاجرين وطالبي اللجوء، ويزيد بشكل كبير من مخاطر عديمي الجنسية، في انتهاك للقانون الدولي.

إن خطة المملكة المتحدة ليست بأي حال من الأحوال علاجاً مبتكراً لأزمة اللاجئين، بل صفعة في وجهها ويجعلها أضحوكة العالم، ويذكّر مرة أخرى بنفاق البلدان الأنكلوسكسونية.