رأيصحيفة البعث

النصر إرادة شعب وقرار وطن

أحمد حسن

لم يكن غريباً أن يتزامن العدوان الصهيوني منذ يومين على بعض النقاط العسكرية في المنطقة الوسطى وعدوان العصابات الإرهابية المدعومة تركياً على قافلة عسكرية في الشمال السوري مع إعلان واشنطن عن عدوان اقتصادي جديد تلبّس لبوس “إعفاءات اقتصادية” من قانون “قيصر” المشؤوم لمناطق محددة، وبغطاء إنساني ظاهره “مساعدة الشعب السوري” وباطنه المساهمة في تأخير حلّ الأزمة السياسية وتعقيدها عبر تكريس أوهام “كانتونات” انفصالية والسيطرة النهائية على قرارها.

والحال فإن هذا التزامن في “عمل” أطراف العدوان لم يكن جديداً منذ أن وُضع قرار “الإركاع والاستتباع” على بلد رفض عام 2003 “إنذار” كولن باول الشهير موضع التنفيذ، فكانت محطة 2005 وما رافقها وتلاها، من محاولات سياسية و”قضائية دولية” كان لانكشاف تهافتها وفشلها في الوصول إلى غايتها النهائية أن دفع الجميع إلى كشف كل الأقنعة اعتماداً على لحظة آذار 2011، فتعرّى “الأشقاء” جرياً خلف “الصيدة”، وكشف “السلطان” عن وهمه باقتراب لحظة “أستاذية العالم” وتزعمها، ففتح بلاده، قواعد وممرات، لخليط إرهابي كانت مفارقته الكبرى في جمعه لأبناء الفكر الظلامي، تكفيراً وتمويلاً، وحماية “الكيان الصهيوني”، عسكرياً وطبياً!!..، ورعاية من يُفترض أنهم أبناء “جون لوك” و”جان جاك روسو” وسواهم من مفكري التنوير، في الوقت ذاته الذي كان فيه الراعي الأمريكي يشرع سيف عقوباته الاقتصادية الفاجرة والجائرة كسلاح دمار شامل بما لا يترك للشعب السوري من منفذ، كما اعتقدوا، سوى بوابة نفق الركوع المذّل.

ولأن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر كما يقال، انتقلوا إلى الخطة باء والقاضية بمنع قيامة سورية وتأجيلها إلى أبعد وقت ممكن. ذلك هو هدف الاعتداءات “الإسرائيلية” المتكررة، و”الغزوات” الأردوغانية المتلاحقة، وارتفاع نسبة رعاية واشنطن لـ”الكانتونات” الانفصالية وتسهيل سبل قيامها، وهو ما تؤكده الخطوة الأخيرة بإعفاء الجزء الذي رأت أنه دخل في طاعتها نهائياً، من بعض قيود قانون “قيصر” السيء الذكر، وفيما يبدو قولها بأن “هذه الخطوة لا تعزز أو تدعم أو تؤيد الحكم الذاتي في أي جزء من سورية” كـغطاء مشروخ لجريمتها الموصوفة، جاء تأكيدها بأنها “ملتزمة بشدة بوحدة أراضي سورية” بمثابة عبث صريح بعقل المتلقي وذاكرة المتابعين.

والحق فإن مسؤولية هذه الأطراف الثلاثة عما وصلت إليه الحال في سورية ليس خافياً على أحد، ولأن واشنطن هي القائدة الفعلية لهم، فمن المفيد إعادة التأكيد على أن دورها في “تدمير الإمكانيات الاقتصادية السورية ونهب ثرواتها من قطن ونفط وقمح وآثار” لا يحتاج إلى دليل، خاصة وأن الرئيس السابق دونالد ترامب باهى بذلك علناً حين قال إنه يأخذ، أي ينهب، “حصته” من النفط السوري، فيما واصلت مؤسسات بلاده “الخيرية” عملية تسميم فعلي لمورد حياة السوريين الأساس وهو القمح بتقديم صفقات بذار سام لهم كهدية من الوكالة الأميركية للتنمية، وهي “هدية” أكدت الفحوصات المخبرية أنها “مصابة بآفة النيماتودا المترافقة مع عفن السنابل البكتيري، وهي آفة خطيرة على بنية التربة وقد تسبب عقم شبه دائم فيها”.

ما سبق هو بعض مما يسمح المجال بإيراده من جرائم لهذا الفريق “الإرهابي” بامتياز، لكن السوريين، وعبر قوافل شهدائهم التي احتضنتها قرى سورية ومدنها، يكررون القول إن مصير هذا العدوان الحالي لن يكون إلا كسابقيه، فسورية “مصممة على هزيمة هذه المؤامرة الجديدة وكل القوى التي تقف خلفها”، وذلك قرار دولة وإرادة شعب يعرف أن النصر خياره الوحيد، وأن طريق يوسف العظمة لا زال مفتوحاً أمام أحفاده الذين لم يبخلوا يوماً بنصب دمائهم راية ومنارة لأهلهم القابضين على جمرة حياة مستمرة فوق ذات الأرض منذ أكثر من سبعة آلاف عام.