مجلة البعث الأسبوعية

“مصنع آزوفستال” حكاية من نوع آخر.. هل حصلت موسكو على الصيد السمين؟

البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي

ربما يكون قد انتهى بالفعل زمن الاستثمار الأطلسي لقضية المدنيين المحتجزين في مصنع آزوفستال في مدينة ماريوبول، الذين كانوا على الأرجح دروعاً بشرية استخدمهم المتطرّفون الأوكرانيون ليكونوا سفينة النجاة لهم عند اقتحام القوات الروسية لهذا المصنع المحصّن الذي كان على الأرجح أيضاً أحد المختبرات البيولوجية التي يديرها البنتاجون على الأراضي الأوكرانية.

فقد اعتقدت الإدارة الأمريكية أن السيناريو الأخطر في هذا الموضوع وهو اقتحام القوات الروسية له وقتل كل من فيه، ربما يكون أفضل سيناريو لأنه يمكن أن يدفن جميع الأدلة على وجود خبراء البنتاجون في هذا المكان، إلى أن جاء أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بالعدول عن اقتحام المصنع والاكتفاء بحصاره من الخارج، الأمر الذي وضع البنتاجون في حرج من أمره، وذلك أن التخلّص من هذه الأدلة القاتلة لن يتم عبر هجوم روسي على المصنع، وبالتالي راحت الإدارة الأمريكية عبر آلتها الدعائية تسوّق لإمكانية استخدام الجيش الروسي أسلحة نووية تكتيكية للتخلص من مأزق مزعوم وقع فيه الجيش الروسي في أوكرانيا، علماً أن القيادة العسكرية الروسية أكدت غير مرة أن العملية في أوكرانيا تتم حسب الجدول المخطط لها، وأنه لا وجود لكل ما يسوّق له الإعلام الغربي من وقوع الجيش الروسي في مأزق قاتل في مكان ما، وأن الرئيس الروسي إذا لم يتمكّن من كسب الحرب في أوكرانيا فإنه ربّما يضطر لاستخدام السلاح النووي لتأمين الانتصار في هذه الحرب.

في حقيقة الأمر كان الغرض من الدعاية الأمريكية حول إمكانية استخدام روسيا السلاح النووي في أوكرانيا، هو التغطية على الأدلة والوثائق التي وقعت في أيدي السلطات الروسية حول قيام الإدارة الأمريكية بتطوير أسلحة بيولوجية خطيرة بالتعاون مع البنتاجون في مختبراتها في أوكرانيا، فقد تعاقدت وزارة الدفاع الأمريكية مع وزارة الصحة الأوكرانية، للقيام بإعادة تأهيل محطات الطاقة النووية العائدة للاتحاد السوفييتي السابق، ووضعها تحت يد وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير برنامج خاص بالأوبئة والأمراض السارية في هذه المختبرات، وتم بالفعل نشر وثائق تؤكد أن جهاز الاستخبارات الأمريكي “سي آي إيه” أشرف هو الآخر على برنامج من هذا النوع على الأراضي الأوكرانية، وأكدت اعترافات بعض الجنود الأوكرانيين الأسرى أن هذه الأبحاث كانت تُجرى على الجنود الأوكرانيين والسكان المحليين، فضلاً عن أدلّة أخرى تؤكد أن عملية نشر الأوبئة في المدن الروسية القريبة من هذه المختبرات كانت تتم باستخدام الطيور.

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن المعامل البيولوجية الأمريكية على الأراضي الأوكرانية كانت “تطوّر أسلحة بيولوجية بشكل أساسي”.

وقال: إن روسيا قد حصلت، في سياق العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا على أدلة موثقة على أن مكونات الأسلحة البيولوجية قد أنشئت بشكل أساسي “في مناطق مجاورة لحدودنا مباشرة”.

كذلك أكد المندوب الروسي في مجلس الأمن فاسيلينيبينزيا أن بلاده تنوي رفع تحقيق في مجلس الأمن ضمن إطار الاتفاقات الدولية في الأنشطة البيولوجية العسكرية في أوكرانيا، مضيفاً: إن موسكو “جمعت كميات ملموسة من المواد تشير بشكل واضح إلى مخالفة الولايات المتحدة لمعاهدة حظر الأسلحة البيولوجية والسمية”.

ولعل أوضح الإشارات إلى أن الإدارة الأمريكية تستخدم الحديث عن استعمال روسيا سلاحاً نووياً تكتيكياً في أوكرانيا للتغطية على نشاطها المشبوه هناك، ما جاء على لسان المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، تعليقاً على ما تنشره صحف أمريكية مرموقة بشأن استخدام روسي مزعوم لهذه الأسلحة.

فقد استهجنت زاخاروفا مجيء مثل هذا الحديث على لسان السياسيين الذين يُفترض أنهم لا يفقهون شيئاً أصلاً في هذا الشأن، ما يعني أن الحديث جيء به لغرض سياسي ربما كان تخويف الداخل الأمريكي، وختمت استنتاجها بالقول: “كل ذلك يدفع إلى التفكير فيما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تختلق الذرائع من المعلومات التي تجهزها من أجل الاستناد إليها لبعض الاستفزازات التالية. لكنها هذه المرة بالفعل ستكون استفزازات نهاية العالم”.

لكن زاخاروفا ذاتها عادت لتكشف في سياق متصل عن أدلة جديدة على تنفيذ واشنطن أنشطة بيولوجية عسكرية في مختبرات بيولوجية على الأراضي الأوكرانية بدعم من “البنتاغون”.

وجاء في التقرير الذي عرضته أن شركتي “Black and Veatch” و”CH2M Hill” التابعتين لوكالة الدفاع المعنية بخفض التهديدات “DTRA Defense Threat Reduction Agency” في “البنتاغون” (وهي الوكالة الرسمية لدعم القتال لمكافحة أسلحة الدمار الشامل والتي تشمل المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والمتفجرات القوية)، قد انتهكتا المادتين الأولى والرابعة لاتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتكديس الأسلحة البيولوجية والسمّية وتدمير تلك الأسلحة.

وأشارت زخاروفا إلى أن 30 معملاً أوكرانياً في 14 قرية شاركت في أنشطة تهدف إلى تعزيز الخصائص المحفزة لأمراض الطاعون والجمرة الخبيثة والكوليرا وغيرها من الأمراض الفتاكة.

كذلك تم العثور على مسيّرات مزودة بحاويات ومعدات لرش التركيبات على أراضي منطقة خيرسون. وخلال التجارب، فقط في مختبر خاركوف، مات حوالي 20 جندياً أوكرانياً، ونقل 200 آخرون إلى المستشفيات.

وتم أيضاً إثبات حقائق إجراء اختبارات للمنتجات البيولوجية التي يحتمل أن تكون خطرة على مرضى مستشفيات الأمراض النفسية في خاركوف. وتم الحصول على أدلة للاستخدام المتعمّد للعامل المسبّب مرض السل في عام 2020، لإصابة سكان مقاطعة “سلافيانوسيربسكي” في جمهورية لوغانسك الشعبية، من خلال أوراق نقدية مزيفة.

وأكدت زاخاروفا أن الذين يصلون إلى دول الاتحاد الأوروبي من أوكرانيا يتم اختبارهم أولاً لمرض السل، وذلك أنهم “يعرفون ما كانت تفعله هياكل (الناتو) هناك”.

وبالتالي فإن زاخاروفا ربما حاولت الإيحاء من خلال ذلك الحديث على الضفتين، أن طرح مسألة استخدام روسيا للسلاح النووي في أوكرانيا إنما أريد منه على وجه الحقيقة التغطية على الأدلة والوثائق التي وقع عليها الجيش الروسي في المواقع العسكرية الأوكرانية، من أن الولايات المتحدة قامت بشكل نشط باستخدام هذه المواقع والمختبرات لإجراء تجارب خطيرة لأسلحة بيولوجية كانت تطوّرها على الأراضي الأوكرانية، وذلك لنشر الأمراض والأوبئة في الأراضي الروسية المتاخمة لهذه المواقع.

وإذا أخذنا ذلك التصعيد الإعلامي الخطير ضدّ الجيش الروسي كلما اقترب من أحد هذه المناطق الحساسة فإننا نستطيع القول: إن مصنع “آزوفستال” يمكن أن يكون ورقة مثالية بأيدي الروس لتقديم أدلّة حسية على تورّط الإدارة الأمريكية في مثل هذه النشاطات، وخاصة أن ضابطاً أوكرانياً رفيعاً تحدّث مطوّلاً عن تورّط وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” بأنشطة خطيرة من هذا النوع على الأراضي الأوكرانية، فضلاً عن تأكيد رئيس جمهورية دونيتسك دينيس بوشيلين أن المعلومات الأولية تشير إلى وجود مرتزقة أجانب بين النازيين الذين استسلموا بعد محاصرة القوات الروسية لهم في مصنع آزوفستالبماريوبول، لافتاً إلى أن “6 مسلحين قتلوا في آزوفستال أثناء محاولتهم تفجير مستودعات للذخيرة قبل الاستيلاء عليها”، وذلك طبعاً ربما يؤكد أن عملية التفجير هذه كان الغرض منها إخفاء أدلة معينة موجودة في هذه المستودعات.

وإذا كانت المعلومات المتوفرة إلى الآن تؤكد أن المصنع بالفعل كان فيه عدد من المرتزقة الأجانب بينهم خبراء غربيون، فإن فرضية حصول روسيا على كنز سمين في هذا المصنع ستكون المحرّك الأساسي لكل التصعيد الغربي في المرحلة المقبلة، وأنه كلما شدّدت روسيا الخناق على الغرب في هذا الجانب، يقوم الأخير باختلاق أزمات جديدة للتغطية على سلوكه الوحشي في أوكرانيا.