دراساتصحيفة البعث

آسيا ليست جنة للقوى الغربية

عناية ناصر

لم يخفِ الرئيس الأمريكي جو بايدن عداءه تجاه الصين خلال زيارته الأخيرة لليابان، واستمر في تنفيذ ما يُسمّى بإستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ. في الواقع، هذه الاستراتيجية ليست سوى نسخة من سيطرة القوى البحرية الغربية على المحيطات، واحتواء البلدان الواقعة على حافة القارة الأوراسية، وتنفيذ السياسات الاستعمارية في جميع أنحاء آسيا، بمعنى أنه استمرار تاريخي لتوسع القوى الغربية في آسيا.

بدأت طموحات الولايات المتحدة التوسعية في منتصف القرن التاسع عشر، وبعد حرب الأفيون عام 1840، سعى التجار الأمريكيون لطلب فوائد من الصين، ثم كانت هناك “معاهدة السلام والصداقة والتجارة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإمبراطورية الصينية” مع حصول الولايات المتحدة على الحقوق نفسها التي كانت تتمتع بها المملكة المتحدة. كانت مملكة هاواي دولة ذات سيادة تقع في وسط المحيط الهادئ، وصلة وصل إلى الولايات المتحدة عبر المحيط الهادئ إلى آسيا. وفي عام 1893، قام مشاة البحرية الأمريكية بانقلاب للسيطرة على هاواي، وفي عام 1898، ضمّت الولايات المتحدة هاواي.

في عام 1944، عادت الولايات المتحدة إلى الفلبين، وبعد الحرب العالمية الثانية، سيطرت الولايات المتحدة على جميع طرق الحركة البحرية الرئيسية تقريباً في المحيط الهادئ والمحيط الهندي. ولطالما اعتمد التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة على الجغرافيا السياسية، حيث قال الجغرافي البريطاني هالفورد ماكيندر ذات مرة: “من يحكم أوروبا الشرقية هو الذي يحكم القلب، وهو الذي يحكم العالم”.

في شباط الماضي، أصدر البيت الأبيض تقريراً بعنوان “إستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ للولايات المتحدة”، يزعم فيه أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ من شمال شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، إلى جنوب آسيا وأوقيانوسيا، بما في ذلك جزر المحيط الهادئ –كما تعتقد الولايات المتحدة- تواجه تحديات متزايدة من الصين، وأن تنامي قوة الصين هو التحول من القوة البرية إلى القوة البحرية، مما يمثل تحدياً لهيمنة الولايات المتحدة على القارة الأوراسية.

اقترحت اليابان فيما مضى مغادرة آسيا والانضمام إلى أوروبا، مستخفة بالارتباط بجيرانها الآسيويين، ولكنها بدلاً من ذلك اتبعت الاستعمار والنزعة العسكرية، وضمّت شبه الجزيرة الكورية، واحتلت تايوان، وهي أرض صينية. كما شكلت تحالفاً عسكرياً مع ألمانيا النازية، وغزت الصين وجنوب شرق آسيا، ونافست الولايات المتحدة على الهيمنة في منطقة المحيط الهادئ. بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت اليابان تابعة للولايات المتحدة، وحوّلت سياستها المتمثلة في “مغادرة آسيا والانضمام إلى أوروبا” إلى “مغادرة آسيا والانضمام إلى الولايات المتحدة”. في مواجهة صعود الصين، أخذت اليابان زمام المبادرة في اقتراح استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ ومفهوم الآلية الرباعية بين اليابان والولايات المتحدة وأستراليا والهند، والتي تبنتها الولايات المتحدة لاحقاً.

وللحدّ من التنمية البحرية للصين، من الطبيعي أن تتحالف اليابان والولايات المتحدة، وهما دولتان تنافستا بضراوة من أجل الهيمنة على المحيط الهادئ. لكن من منظور التفكير الجيوسياسي للولايات المتحدة واليابان، يعتبر صعود الصين تحدياً غير مسبوق لهيمنة الدول البحرية الغربية على مدى القرون الخمسة الماضية، وهو تحدّ للسيطرة الأنغلوساكسونية على الوضع السياسي في أوراسيا في القرنين الماضيين، وكذلك مثّل تحدياً لمكانة اليابان المتفوقة في شرق آسيا في المائة عام الماضية.

يشير مصطلح “المحيطين الهندي والهادئ” الذي ذكرته الولايات المتحدة واليابان إلى دول في جنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا، وشمال شرق آسيا. لقد تمّ غزو هذه البلدان من قبل الدول الأنغلوسكسونية واليابان، كما مرت الصين بتجربة مؤلمة من الغزو. إن استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ التي اقترحها المستعمرون السابقون هي محاولة لتقسيم آسيا وتدمير البيئة السلمية من أجل تجديد الهيمنة على الدول الآسيوية، وكان هدفهم النهائي هو قمع الصين ومنع نهضة آسيا. وهي  تكشف عن النية السيئة للولايات المتحدة في الحفاظ على هيمنتها واستخدام دولة آسيوية لقمع دول آسيوية أخرى. إنه تكرار للتاريخ حيث تحاول الدول الأنغلوسكسونية الحفاظ على هيمنتها البحرية والسيطرة على آسيا. إن آسيا ملك للشعوب الآسيوية، وهي لم تعد جنة للقوى الغربية، وأن أي استراتيجية لإحداث الانقسام وتخريب تنمية آسيا ووحدتها محكوم عليها بالفشل.