مجلة البعث الأسبوعية

المخرج لؤي شانا: اتكأتُ على فكرة “موت موظف” لكنني نسجتُ عالماً آخر

البعث الأسبوعية-أمينة عباس

استقبل جمهور دمشق مسرحية “موت موظف” للمخرج لؤي شانا بترحاب كبير حين عرضها مؤخراً على خشبة مسرح الحمراء، وهي المسرحية التي سبق للمخرج تقديمها في مدينة اللاذقية منذ أكثر من عشرين عاماً وحازت حين عرضها في أحد المهرجانات الدولية على عدة جوائز، فأي سر يكمن في نصها الذي كتبه تشيخوف عام 1880؟

*مرة أخرى “موت موظف” على خشبة المسرح. فلماذا العودة إليها اليوم؟

**قدمتُ هذا العرض في العام 1999 لمدة 45 يوماً على خشبة مسرح المركز الثقافي القديم في مدينة اللاذقية  بمشاركة عدد من الممثلين المحترفين وعدد كبير من الهواة، وكان بعضهم يقف على خشبة المسرح لأول مرة، وحقق العرض نجاحاً كبيراً وقد أردتُ إعادة تقديمه في دمشق بحكم إقامتي الحالية في دمشق، والسبب الأهم أننا خرجنا من حرب مدمرة شُنت على سورية، وكانت حرباً مخيفة أخافت الكبير والصغير، إضافة إلى ما أثارته من مخاوف أخرى فيما بعد، وخاصة في مرحلة الحرب الاقتصادية الخانقة وحالة الخوف والهلع في ظل الظروف والأزمات المتتالية التي نعيشها اليوم. من هنا شعرتُ أن هذا العرض يجب أن لا يموت لأنه حقق حضوراً وشارك في مهرجان دولي ونال جوائز، ولأنه يعالج مسألة الخوف الذي بات مشكلة أساسية في المجتمع السوري وهو خوف من المجهول والأزمات ليدعو العرض إلى عدم الخوف في ظل المخاوف الكثيرة التي تحيط به والتأكيد على ضرورة مواجهة المصاعب بشجاعة لأن الخوف من الممكن أن يوصل إلى الموت المادي أو المعنوي، وبالتالي لا بد من مواجهة الحياة ومصاعبها بشجاعة وبلا خوف للخروج من مخاوفنا.

*ما الذي اختلف بالنسبة لك كمخرج بين عرض الأمس وعرض اليوم؟

**لكل عرض خصوصيته، ويجب أن لا ننسى أن تغيير الممثلين يؤثر في تغيير المزاج العام للعرض، وكذلك على صعيد الأداء، وحتى أنا استطعت في هذا العرض أن أطور فيه بعض المَشاهد وبعض التوجهات والحالات، لذلك قُدم العرضُ بمزاج مختلف وبأداء مختلف من قبل الممثلين الذين قدموا حساً مختلفاً أيضاً، لذلك يمكنني القول أن عرض اليوم ذا طابع يختلف عن العرض السابق مع الحفاظ على جوهر العرض والإشارة إلى أن ألق العرض بين الأمس واليوم لم يتغير، فالاختلافات بسيطة، ولكن ما هو مؤكد أنه عرض ممتع ينتمي إلى الكوميديا السوداء وكوميديا الموقف، وأسعدني جداً أن جمهور دمشق تعاطى مع العرض بإعجابٍ كبير، دون أن أنكر أن ظروف العرضين مختلفة، فالظروف الصعبة اليوم هي سيدة الموقف، وقد تكون ظروف الإنسان السوري الصعبة سبباً من أسباب الإقبال على هذا العرض وعلى الكوميديا فيه تحديداً لأنه يعبّر عنه ويتحدث بلسانه عن قضايا تهمّه وتمسّه ولا يستطيع التعبير عنها ببساطة.

*”موت موظف” قصة وليست نصاً مسرحياً؟ فما الذي يغري المخرجين فيها بشكل عام؟ وما الذي أغراك فيها بشكل خاص؟

**”موت موظف” قصة قصيرة لتشيخوف، كتبها عام 1880 وعالج فيها مشكلة الخوف عند الإنسان بطريقة رائعة، ولفت انتباهي لهذه القصة أن الكاتب كان غير تقليدي بكتاباته، فهو شاهد بعض الكتّاب الذين يلقون اللوم على الطبقة القوية المتحكمة، أما هو فقد ألقى اللوم في معظم قصصه على الطبقة البسيطة المستسلمة، محاولاً استفزازها لتأخذ موقفاً ضد الظلم الذي تتعرض له، وهو في “موت موظف” ألقى اللوم على موظف بسيط مستكين لتكون مقولة القصة والعرض كذلك “علينا أن لا نخاف وأن نواجه الواقع بشجاعة فنحن من نصنع الخوف بداخلنا الذي إن تصاعد فسوف يقتلنا”.. لقد أُعجبت بالفكرة وأسلوب تشيخوف في التعبير عنها، فتشيخوف بأدبه يلامس دوماً الحسّ الإنساني ويغوص في أعماق النفس البشرية، وهذا ما أغراني لخوض المغامرة، مع الإشارة إلى أنني جسدتُ من نصه المشهد الأول فقط، وتتالت خمس لوحات لا علاقة لها بالقصة، وعندما قدمت النص للجنة قراءة النصوص وكانت مؤلفة من الأساتذة د.نبيل الحفار، محمد الماغوط، ممدوح عدوان، أذكر أن د.الحفار بعد الموافقة على النص أكد لي أن ما جاء في نصي كان تأليفاً آخر لأنني اتكأتُ على فكرة “موت موظف” لكنني نسجتُ عالماً آخر.

*تضم المسرحية عدداً كبيراً من الممثلين الجدد، فهل كانت مشاركتهم بالنسبة لك مغامرة؟

**اعتدتُ في كل عروضي المسرحية الاعتماد على مسرحيين شباب هواة، وكثير من هذه العروض ضمت عدة أجيال مسرحية كما في “موت موظف” سابقاً واليوم، ولا أخفي أنه كان لا بد من إقامة ورشة عمل مكثفة لهؤلاء الهواة، وبعضهم يقف على خشبة المسرح لأول مرة لأشكل لهم أرضية ومخزوناً فنياً وثقافياً ليتعاطوا مع المسرح بجدية وأخلاقية عالية وموهبة متفردة، وكانت سعادتي لا توصف حين لاقوا استحسان الجمهور الذي صفق لهم كثيراً بعد أن لفتوا الانتباه، رغم أن بعضهم يقف على خشبة المسرح لأول مرة، وأعتقد أن هذا إنجاز آخر للعرض يضاف إلى تحقيقه النجاح الكبير، وأسعى دوماً في كل عرض الكشف عن مواهب جديدة من الشباب الهواة.

*كيف وجدتَ رد فعل الجمهور على المسرحية؟

**رد فعل جمهور دمشق الذي رافقنا لمدة أسبوعين كان غير متوقع لجميع المشاركين في العرض، ولا أنكر أننا توقعنا نجاح العرض، ولكن ما شاهدناه ولمسناه من جمهور دمشق فاق كل التوقعات، فقد تلقف الجمهور العرض بطريقة رائعة جداً وأقبل عليه وصفق له طويلاً، وأكثر ما لفتني أن الجمهور كان مع انتهاء العرض يتوافد إلى الكواليس ليناقش معنا تحليلاته وتقييمه لما شاهده.

*ما الذي يحدد خياراتك كمخرج مسرحي؟

**ما يحدد خياراتي هو مشروعي المسرحي الذي أعمل عليه منذ تخرجي من المعهد العالي للفنون المسرحية وحتى الآن والذي يضم مجموعة من الأعمال كان القاسم المشترك بينها أنها تعنى بالإنسان وما يعانيه بهدف التأكيد على أن الإنسان هو البوصلة بآماله وأحلامه، وبالتالي فإن كل ما يعنيه هو ما يحدد توجهاتي في أي نص أريد أن أتصدى له إخراجياً.

*غاب العديد من المهرجانات المسرحية، فكيف انعكس  غيابها على واقع المسرح برأيك؟

**كان للمهرجانات المسرحية حضور كبير ولافت في مدينة اللاذقية، وكان لي الشرف أنني أسستُ مهرجان الكوميديا المسرحي الذي استمر لست دورات متتالية، وكان مهرجاناً دولياً استضفنا فيه عدة مسرحيات مميزة من عدة دول عربية وأجنبيّة (إيطاليا-فرنسا-تونس) وكان تقام على هامشه معارض لفن الكاريكاتير، وكرَّمنا فيه أسماء كبيرة كدريد لحام، رفيق سبيعي, ناجي جبر، عمر حجو، حسام تحسين بك.. كما أقمنا في اللاذقية العديد من المهرجانات التخصصيّة التي لم تكن موجودة في باقي المحافظات كمهرجان المونودراما، إضافة إلى مهرجانات أخرى مختلفة توقف معظمها بسبب الحرب، وقد أثر هذا التوقف مع غياب مهرجان دمشق المسرحي على الحالة الثقافية لأن هذه المهرجانات بما كانت تضمه من ندوات كانت تصقل المخزون الثقافي والمعرفي للمسرحيين، وبالتالي أنا مع عودة هذه المهرجانات حين تتهيأ الظروف المناسبة لتحقيق أهدافها، فإقامة المهرجان ليس غاية بحد ذاته وإنما بهدف خلق حالة تنافسية بين العروض وعقد الندوات التي من شأنها أن تصقل المخزون الثقافي والمعرفي للمسرحيين.

*أسستَ تجمع القباني للفنون المسرحية منذ سنوات في مدينة اللاذقية، فأي نتائج حققها هذا التجمع؟

**في العام 2004 أسستُ مع مجموعة من الفنانين الزملاء تجمع القباني للفنون المسرحية، ومنذ لحظة تأسيسه وحتى الآن لم يتوقف عن إقامة النشاطات والفعاليات، ومن أهم إنجازاته كانت مهرجان الكوميديا المسرحي الدولي ومهرجان سينما الأطفال ومهرجان الأطفال المسرحي، والكثير من الدورات التأهيلية التخصصية في تصميم الإضاءة والأزياء ودورات في التمثيل، وهي دورات مستمرة، كما أنتج التجمع عدة عروض مسرحية شاركت في مهرجانات محليّة وعربيّة.