مجلة البعث الأسبوعية

بين الشرقين الصيني والروسي.. الرسائل واضحة

طلال ياسر الزعبي

جاءت زيارة السيد الرئيس بشار الأسد للصين بدعوة رسمية من الرئيس الصيني شي جين بينغ، على متن طائرة رئاسية صينية خاصة، لحضور حدث رياضي هو دورة الألعاب الآسيوية، لتؤكّد عمق العلاقة التي تجمع بين البلدين، والقواسم المشتركة التي تجمعهما على الساحة الدولية، حيث تعزّزت الصداقة بينهما في مواجهة الوضع الدولي المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين على حدّ قول الرئيس الصيني، بينما أعرب الرئيس الأسد عن تطلّعه لدور بكين البنّاء على الساحة الدولية رافضاً كل محاولات إضعاف هذا الدور عبر التدخل في شؤون الصين الداخلية أو محاولات خلق توتر في بحر الصين الجنوبي أو في جنوب شرق آسيا، مشيراً إلى أن سورية وأوكرانيا وبحر الصين الجنوبي جميعها ساحات لإشغال الدول في معارك جانبية.

ووصف السيد الرئيس زيارته للصين بأنها “مهمّة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكّل اليوم عالم متعدّد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار”، متمنياً أن تؤسّس “لتعاون استراتيجي واسع النطاق وطويل الأمد في مختلف المجالات” بين البلدين.

وقبل نحو عشرة أيام زار الزعيم الكوري الديمقراطي كيم جونغ أون روسيا بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مستقلاً قطاره المصفّح وقاطعاً الحدود براً بين البلدين، أثناء انعقاد منتدى الشرق الاقتصادي بمدينة فلاديفوستك الروسية، وزار عدداً من المواقع العسكرية وتعرّف على سلاح الطيران الاستراتيجي الروسي وصواريخ “كينجال” وفرقاطة “المارشال شابوشنيكوف” التابعة لأسطول المحيط الهادئ الروسي، بينما أعلنت مؤسسة “روس كوسموس” الفضائية الروسية عن استعدادها لتنظيم رحلة فضائية لرائد فضاء من كوريا الديمقراطية، حيث دوّن أون عبارة في المحطة الفضائية الروسية: “مجد روسيا التي أنجبت أول مستكشفي الفضاء سيبقى خالداً”، ووصفت وسائل الإعلام الكورية الديمقراطية الزيارة بأنها “غيّرت الوضع السياسي العالمي بشكل كبير”.

وقد أعرب أون لنظيره الروسي عن استعداده للعمل على “خطة لـ 100 سنة” لبناء علاقات قوية ومستقرة طويلة الأمد والدفاع عن “عدالة دولية حقيقية”، ما بعث رسائل عديدة أثارت قلق الغرب الذي رأى فيها انتكاسة مزدوجة سواء بالنسبة لعزل روسيا أم بالنسبة للحدّ من قدرات بيونغ يانغ العسكرية والفضائية.

وأهم ما تمّت مناقشته بين الزعيمين إنشاء “مثلث لوجيستي”، يتكوّن من خط سكك حديدية، وميناء، ثم طريق إلى الصين، وهو ما يمكن أن يلغي جميع العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ، فضلاً عن ربط الصين بروسيا براً انطلاقاً من كوريا الديمقراطية، وهذا ما ترجمه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقوله: روسيا لن تسمح بعقوبات على كوريا الديمقراطية بعد اليوم.

الرسائل التي أطلقتها الزيارتان متقاربة إلى حدّ كبير، فالقطار الذي استقلّه الزعيم الكوري الديمقراطي يشير إلى أن بيونغ يانغ ليست معزولة عن العالم بفضل شبكة المواصلات التي تربطها بروسيا والصين معاً، ومجالات التعاون بين روسيا وكوريا الديمقراطية مفتوحة على جميع الصعد العسكرية والفضائية والاقتصادية، كما أن الطائرة التي أقلّت الرئيس الأسد إلى خانجو تؤكّد أن البعد الجغرافي لن يكون عائقاً أمام التعاون الاستراتيجي بين البلدين الصديقين، وخاصة أن سورية تقع في نهاية طريق الحرير القديم، وهي طرف مؤثّر في مبادرة الحزام والطريق، ولا يمكن القبول بقطع هذا الطريق من أيّ طرف كان، أو الالتفاف على المبادرة الصينية.

وبالنظر إلى الهجمة الشرسة التي تعرّضت لها كل من الزيارتين من أذرع الغرب الإعلامية، يبدو واضحاً أن الغرب تلقّف جيّداً هذه الرسائل، حيث نعت الزيارتان أحلام الغرب في إطباق الحصار على كل من البلدين، كما أسّستا لنوع من التشبيك الاقتصادي والسياسي بين هذه الدول على الساحة العالمية، وأكّدتا أن موسكو وبكين ليستا في وارد التخلّي عن حلفائهما.