مجلة البعث الأسبوعية

الأســــد فــــي الصيـــن انتصـــار البـــر علــى البحــــــر!..

د. مهدي دخل الله

زيارة الأسد إلى الصين مفصل جديد مهم في استراتيجية التوجه شرقاً وتعزيز عملية انتصار البر البحر ، وهي عملية لسورية فيها دور واضح على الرغم من صغر حجمها الاقتصادي . حجم سورية السياسي مهم خاصة أنها الدولة الأولى التي امتلكت الجرأة على مواجهة الناتو في الميدان عامي 2006 و 2011 عندما لم يكن أحد يتجرأ ..

بدأ عصر سيطرة البحار بالأفول مع توجه واضح نحو استعادة ” العالم القديم ” لأهميته الاستراتيجية كمركز للأحداث الدولية . من المعروف أن هذا العالم القديم ، بقاراته الثلاث ، بدأ يفقد أهميته شيئاً فشيئاً بعد اكتشاف العالم الجديد ( الأمريكيتان واستراليا ) حيث ركزت بريطانيا واسبانيا والبرتغال على البحر كوسيلة أساسية للتواصل الدولي مع العالم الجديد ومع الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح ..

قبل ذلك ، كان العالم القديم متماسكاً عبر التواصل البري مع الأهمية القصوى للمركز ، الشام والرافدين ، الدولة الأموية وبعدها العباسية . وكان طريق الحرير يصل الصين بأوروبا وإفريقيا عبر المركز الشامي الرافدي . لكن سيطرة البحر وقواه البحرية تعاظمت بعد الحرب العالمية الأولى ، وبزوغ الولايات المتحدة كقوة مهيمنة على ” الحياة العالمية ” اقتصاداً وتجارة وسياسة ..

ولما كان الاتصال البري مفقوداً بين الأمريكيتين وباقي العالم ، تعاظمت أهمية البحار الاستراتيجية ، فنشأت القواعد البحرية ، وعززت أمريكا سيطرتها المائية لدرجة أن جيشها نفسه اسمه البحريـة الامريكيــة ( American Nevy ) . أيام سيطرة ” ثنائي القطب ” كان الاتحاد السوفيتي ، وهو قوة برية بحكم الجغرافيا ، ضعيفاً في البحار مقارنة مع الولايات المتحدة . وأيام القطب الواحد ، ازدادت هذه الهوة خاصة أن منفذ روسيا المهم نحو المياه الدافئة كان عبر البحر الأسود الذي سيطر الناتو على مداخله ( البوسفور والدردنيل ) ..

اليوم ، يبدو أن الصورة آخذة بالتغير نحو استعادة العالم القديم ، لأهميته واستعادة الطرق البرية دورها الأولي في التواصل العالمي . لا شك في أن الولايات المتحدة ستبقى قوة كبيرة بين القوى العالمية ، وأن البحار ستحتفظ بشيء من الأهمية ، إلا أن أمريكا والبحار يفقدان – خطوة خطوة – مركزيتهما في عملية التواصل الدولي .

المهم ، اليوم ، أن الأسد موجود في ” صف الكبار ” الذين يرسمون خارطة عالم طال انتظاره . وهو العالم الذي يستعيد دور العالم القديم ، عالم التواصل البري . لذلك فإن الآلام التي نعيشها اليوم بكل جوارحنا هي آلام الولادة ، ولادة واقع أفضل للجميع ، حيث ستنتهي فيه ” دكتاتورية المركز” لصالح تعاون وتواصل أكثر ديمقراطية وإنسانية ..

 

mahdidakhlala@gmail.com