العرس الجماعي لجرحى الجيش في السويداء.. مبادلة الإخلاص بالوفاء
ليلة عرسهم لم تكن كغيرها من الليالي للشباب: سامر وسامي ويسار ورأفت، وهم الذين اعتادوا على الليالي التي يقضونها متجولين على الجبهات، وعلى أنغام صوت الرصاص، يجمعهم رابط واحد وهو حبهم للوطن، أما في “ليلة العمر” فكانت جولتهم مختلفة، وكذلك الأنغام، وما جمعهم فيها هو حب الوطن لهم الذي أدخلهم جميعاً في القفص الذهبي من بوابة العرس الجماعي الذي أقامته مؤسسة الشهيد في السويداء لعدد من جرحى الجيش والقوات الرديفة تقديراً لتضحياتهم في الدفاع عن الوطن، وذلك في الفندق السياحي بمدينة السويداء.
حالة متقدمة
العريس سامر الجباعي وجد في مبادرة العرس حالة رائعة من التكافل الاجتماعي جاءت في ذروة التحديات، وفي ظروف اقتصادية صعبة يعاني منها الوطن والمواطن، فجاءت مبادرة العرس لتكون شكلاً جديداً من التحدي عنوانه التكافل والوفاء، فيما وجد العريس يسار في العرس الجماعي شكلاً متقدماً من أشكال التعاضد الاجتماعي، خاصة أنه مختلف من حيث الشكل والمضمون، فهو يعكس مدى الاهتمام بجرحى الجيش العربي السوري، والسعي المتواصل لمساعدتهم والوقوف إلى جانبهم لمتابعة مسيرة حياتهم.
كوكبة من أبطال الجيش
عاشت العروس نيفين الحلبي أجواء حلمها الخاص بليلة زفافها التي أرادتها أن تكون ذات طابع خاص، وقد تحقق لها ذلك بحضور كوكبة من أبطال الجيش العربي السوري الذين بفضل تضحياتهم وصمودهم استطاعت أن تحتفل بيوم زفافها، وتوافقها الرأي العروس ماريا الجباعي التي أشارت إلى أن حفلات الزواج الفردية أصبحت مكلفة جداً، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وبالتالي فإن حفلات الزواج الجماعي تساعد الشباب بتحمّل تكاليف مراسم الأفراح، وتعطي للحفل رونقاً خاصاً وجمالية منفردة.
لمة فرح
إن لمة الفرح التي شهدها تراس الفندق السياحي لم تكن لمة عادية، بل مميزة جاءت لبلسمة جراح نزفت ملبية نداء الوطن كما يلبي المطر نداء الأرض العطشى، نزفت بإرادتهم وعنفوانهم وشموخهم، افتدوا الوطن بأجزاء من جسدهم، هم شهداء مازالوا أحياء يعيشون بيننا ويقاومون بجراحهم، بذلوا الغالي والنفيس ليحيا الوطن، فكانت اللمة بنكهة الانتصار.
تقليد سنوي
مديرة فرع مؤسسة الشهيد في السويداء غادة طليعة أشارت إلى أهمية الخطوة التي قدمتها المؤسسة عبر إقامة حفل الزفاف الجماعي، معتبرة إياها تكريماً لأبطال الجيش والقوات الرديفة، وتقديراً لتضحياتهم وما قدموه ليبقى الوطن عزيزاً شامخاً، لافتة إلى أن حفل الزفاف هو الأول الذي تقيمه المؤسسة، وسيكون تقليداً سنوياً.
وبيّنت طليعة أن أهمية الخطوة تكمن في مساعدة أبطال الجيش في الانطلاق نحو حياتهم الجديدة، وتأسيس أسرة، مع الإيمان المطلق أن هؤلاء الأشخاص الذين يحملون كل هذا الحب للوطن قادرون على تكوين أسر صالحة ستساهم مستقبلاً في رفد المجتمع بأشخاص فاعلين مبدعين، ولفتت طليعة إلى أن المبادرة تمت بالتعاون مع المجتمع المحلي في تقديم الدعم لهؤلاء الأبطال في ظل الظروف الصعبة، وتخفيف أعباء تكاليف الزواج عليهم.
رسالة محبة
يشكّل العرس الجماعي مناسبة ذات قيمة إنسانية وأخلاقية في رسالة للعالم أن الشعب السوري بات اليوم متفرداً في كل المجالات ذات الطابع الاجتماعي، وبالرغم من كل المعاناة والصعوبات والتحديات والحصار والظرف الاقتصادي الصعب، فإن الشعب السوري ليس فقط يتجه إلى ميدان التكافل والتراحم، وإنما يحافظ على مسيرة حياته في كل جوانبها، وفي مقدمتها الجوانب الاجتماعية، وفي هذا السياق يقول رشيد سلوم عضو مجلس الأمناء في مؤسسة الشهيد: إن العرس هو رسالة للعالم بأن سورية ستبقى العائلة الواحدة المتحابة على الدوام في وجه من أراد تشتيتها، ولذوي الجرحى ولرفاق السلاح على الأرض السورية بأنهم أبناء أصيلون من حق المجتمع احتضانهم، ورسالة عظيمة أيضاً من السيدات السوريات اللواتي قررن ارتباطهن بالجرحى, وأن سورية لا بد منتصرة بإرادة أبنائها، فكان رد المجتمع بمثل هذه المبادرات التي تعزز تماسك المجتمع وتلاحمه، وتقدم درساً في التماسك الاجتماعي، وصورة مشرقة عن عظمة الشعب العربي السوري.
في القلب
إن فكرة العرس الجماعي خطوة إيجابية تعتبر من أفضل الحلول العصرية لمواجهة الغلاء الذي اجتاح كل نواحي الحياة، لأنها تحقق الاحتياجات بتكوين الأسرة، وإنجاب الأطفال، إلى جانب الاستقرار النفسي والاجتماعي، باعتبار الزواج مطلباً أساسياً وضرورة اجتماعية، ويقول هنا وائل المحيثاوي عضو المكتب التنفيذي في مجلس محافظة السويداء الذي حضر ممثّلاً للمحافظ: إن المشاركة الرسمية والأهلية ومن مختلف أطياف المجتمع في هذا العرس الجماعي أكدت أن الجريح هو في قلب كل مواطن سوري، وجميعنا معنيون به.
وأكد المحيثاوي أهمية الحفل في تعزيز روابط التعاون والتآخي بين أفراد المجتمع، وتحطيم الحواجز الاجتماعية من خلال التشارك في اللجان الميدانية العاملة في مجال تحضير وتجهيز مراسم الزواج وحفلات الزفاف، والإسهام في إعداد كافة الأمور المتعلقة به، وكذلك الجو الأسري الذي يخلقه بين المشاركين، وانعكاس ذلك على المجتمع مستقبلاً.
رد الدين
ليس هناك أجمل من الكلمات التي قالتها الممرضة ربيعة شقير الملقبة بأم الشهداء والجرحى: “كم كنتم رائعين أغلى وأعظم أبطال، وكم كانت فرحتي بكم كبيرة أنتم يا من ضحيتم وقاتلتم بكل بسالة لنعيش بعزة وكرامة على أرضنا، وكم كانت فرحتي كبيرة بوجود أصدقائكم الجرحى الذين نوّروا الفرح بحضورهم الجميل: “هذول نحنا يا بشر.. نحنا الشمس.. نحنا النور.. نحنا أبطالك سورية.. نحنا الأمل للجيل الجايي.. نحنا عنوان الكرامة والأصالة”.
هذه الكلمات قد تختصر الكثير من المعاني والدلالات التي يحملها العرس الجماعي لجرحى الجيش، حيث كانت المبادرة مبادرة رد الوفاء بالوفاء، ورد الدين من مجتمع ما نام على دين، فكيف إذا كان الدائن قدم جزءاً من جسده، لا شك أن الدين غال والوفاء كبير.
رفعت الديك