مجلة البعث الأسبوعية

الأحواض المائية( الهيدرولوجية المشتركة) حق مشروع وفق اتفاقيات دولية

دمشق –  حياة عيسى

عند الحديث عن الأحواض المائية( الهيدرولوجية المشتركة )بين سوريا وتركيا لاسيما “حوض الفرات” نؤكد على أحقية سورية في مياه النهر وذلك  وفق مؤشرين أساسين أولهما عدد الكيلومترات التي يمر بها النهر ضمن الأراضي السورية والتي تقدر  حسب بعض المراجع السورية( 680) كم، إضافة إلى احتياجات سورية من المياه وخصوصاً أنها تقع في المنطقة الجافة و شبه الجافة في النطاق فوق المداري، وهذا الموقع يحدد حجم الموارد المائية الموجودة بين سورية و الدول الأخرى.

تقاسم مياه

الدكتورة مريم عيسى أختصاص ( علم المياه ) بقسم الجغرافية جامعة دمشق بينت أنه تم الاتفاق بين سورية وتركيا و العراق في عام 1987 على تقاسم مياه حوض نهر الفرات وبالتالي عقدت عدة جولات بين الدول ممثلة بوزارة الموارد المائية بين الدول وتم الاتفاق على تقسيم مياه الحوض و منح سورية (500) متر مكعب في الثانية عند مدينة جرابلس، مقسومة إلى قسمين تأخذ سورية 42% منها وتأخذ العراق 58% أي يكون نصيب سورية من المياه (6627) مليون متر مكعب سنوياً،  وتمت المباشرة ببناء السدود( كسد الفرات وسد البعث وسد تشرين ) لاستخدامهم في تأمين مياه الشرب، توليد الطاقة الكهربائية بالإضافة لاستخدامهم في الإصلاح الزراعي والري، ولكن ضمن الإطار العام يجب أن تحصل سورية على حقوقها كاملةً وخصوصاً أنها  تقع في النطاق فوق المداري أي كمية الهطل قليلة مع وجود  زيادة سكانية كبيرة وتطور في المشاريع الزراعية وهي تحصل على نسبة 80% من نسبة المياه الموجودة وهذا مرتبط بطرق الري التقليدية، فعندما تم الاتفاق بين سورية و تركيا في المعاهدة على تقسيم المياه تعهدت تركيا بعد امتلاء سد(اتاتورك، وسد قره قايا”كركايا” وسد كيبان ) أن  تقوم تركيا بتعويض سورية بكمية المياه التي تحجز في السدود، علماً أن الأحواض “الهيدرولوجية المشتركة ” تخضع للعلاقات الدولية بالدرجة الأولى وللدولة ذات المنبع المتحكم بالمورد المائي، مع تأكيدها أنها لو طبقت القوانين الدولية لتقاسم المياه كما تم الاتفاق عليها لما حدثت المشكلات المائية التي عانينا ومازلنا نعاني منها.

أزمة المياه

وتابعت عيسى أن المعاهدة أنفة الذكر تم لاتفاق عليها في عام  1987 ولم توقع حتى عام 1994 في الأمم المتحدة وأصبحت سارية المفعول، علماً أن كافة  العلاقات مع تركيا لاسيما المتعلقة بالواقع المائي تخضع للعلاقات السياسية، حيث كان نصيب سورية من المياه العام الماضي (137) مليون مكعب وهي كمية قليلة كان من شأن التأثير على الوضع المائي في المدن التي تعتمد  في مياه الشرب على حوض الفرات  كمدينة(حلب، ديرالزور ، الرقة، الطبقة، البوكمال)، حتى الطاقة الكهربائية حيث تم التعرض لأزمة كبيرة، مما أدى إلى انعكاس الآثار السلبية لكمية المياه القليلة على الأراضي الزراعية وبالتالي انتشر الجفاف على الحوض بشكل كبير، لذلك لابد من إيجاد حلول دولية لها، لاسيما لدولة  واقعة في المنطقة الجافة وشبه الجافة وعدد السكان الكبير مع زيادة الاحتياجات للمياه، إضافة إلى التغير المناخي الذي أدى إلى ارتفاع درجة الحرارة وتناقص كمية الهطول فيها، الذي من شأنه التأثير على حجم الوارد المائي، لذلك يجب المطالبة بالحصول على أقصى كمية ممكنة من حقوق سورية من مياه الفرات بالدرجة الأساسية، وبالتالي الحصول على الحقوق الكاملة يؤدي إلى التطور الاقتصادي و الاجتماعي، وبناءً عليه تم الاتفاق مع وزارة الموارد المائية و تشكيل لجنة من قبل جامعة دمشق لربط الجامعة بالمؤسسات والوزارات وبالتالي ربط أي مشكلة من المشكلات المائية مع الجامعة بهدف إقامة أبحاث علمية للدراسات الهيدرولوجية،  وبالتالي تتعاون وزارة الموارد المائية بتأمين الداتا و البيانات المتعلقة بعناصر المناخ من هطل ودرجة حرارة ورطوبة ورياح وتأمين البيانات المتعلقة بالتدفقات النهرية الموجودة لإقامة دراسة متكاملة عن المشاريع الموجودة في سورية وترفد الجامعة بها، هذه الأبحاث تعتمد المنهجية العلمية التطبيقية ومن شأنها أن تساعد في التوصل لنتائج ممكن من خلالها معالجة المشكلات المائية الموجودة في سورية وخصوصاً أنها تعاني من أزمة مائية حقيقية.

المشكلات المائية

كما أوضحت عيسى أن المشكلات المائية في سورية بعضها طبيعية وبعضها بشرية وبعضها سياسية فالمشكلات الطبيعية لها علاقة بموقع سورية الفلكي و الجغرافي، الذي ينعكس على قلة الهطل وبالتالي هناك مساحة كبيرة من سورية كمية الهطل فيها من 100 – 200 ملم وهناك مساحات من المنطقة الغربية المواجهة للساحل السوري كمية الهطل فيها جيدة ولكن لدينا فترة زمنية محددة  لها وفصل الشتاء يأتي معتدل وممطر ولكن هناك أكثر من ستة أشهر هي جافة ودرجة الحرارة فيه مرتفعة وبالتالي نحن أمام أزمة، كما يمكن القول نحن أمام المشكلات البشرية التي تتعلق بزيادة عدد السكان المتعلقة  بزيادة الاستهلاك وبشبكات نقل مياه الشرب ومشكلة الزراعة والكمية الكبيرة التي تحتلها والتي تقدر بحوالي 70% من كمية المياه الموجودة وكذلك مشكلة تلوث المياه سواء المجاري المائية أو السدود مع وجود مشكلة في عدم وجود محطات لمعالجة الصرف الصحي، والتي كانت موجودة في محطة عدرا ولكن بعد الحرب على سورية في السنوات الماضية  توقفت، وعدم الفصل بين شبكة مياه الشرب و المياه التي تستخدم استخدامات أخرى، وهناك تتعلق بالعوامل السياسية وهي الأحواض( الهيدرولوجية المشتركة) بين سورية و الدول المجاورة كحوض الفرات، بالتزامن مع وجود مشكلة بين تركيا و العراق والمتمثلة بحوض دجلة الذي يتاخم الحدود السورية بحوالي 25 كم، حيث تم توقيع اتفاقية بين سورية والعراق وتركيا لاستفادة سورية من مياه دجلة بما يعادل مليار و250 مليون متر مكعب لسقاية 150 ألف هكتار وتم العمل على تفعيل الاتفاقية في عام 2003 لضخ المياه إلى سورية، ولكن الحرب أدت إلى توقف المشروع وعدم الاستفادة منه، علماً أن سورية لها علاقات أخرى

مع الدول المجاورة بالأحواض ( الهيدرولوجية المشتركة) مع لبنان بحوض العاصي وقد تم الاتفاق أكثر من مرة على بناء سد في المنطقة ولكن لم يتم الوصول إلى البدء بالتنفيذ لما خطط له مطلقاً، إضافة إلى الاستفادة من مياه النهر الكبير الجنوبي الذي ينبع من سورية ويصب في خليج عكار، ولكن لم تحدد كمية المياه الواردة من الدولة اللبنانية إلى سورية، وهنا يجب أخذ كافة الإجراءات اللازمة لحل هذه المشكلة، إضافة إلى وجود مياه مشتركة مع الأردن فيما يتعلق بحوض اليرموك وهناك عدة اتفاقيات وقعت في عام 1994 لتقاسم مياه النهر وبالتالي تقاسم مياه سد الوحدة واستفادة سورية 75% منه للشرب، لذلك لابد من المطالبة  بالحصول على الحقوق كاملةً من مياه حوض الفرات ومياه نهر دجلة بشكل كامل، وذلك وفقاً للقانون الدولي المتعارف عليه في اقتسام المياه بين تلك الدول.

الأمن المائي

أما بالنسبة للموضوع الذي يتعلق بالأمن المائي، فقد أوضحت عيسى أن الأمن المائي هو التوازن بين الموارد المائية المتاحة والموارد المائية المستخدمة وعلى مستوى سورية هناك عجز مائي كبير لأن الموارد المستخدمة أكثر من الموارد المتاحة وبالتالي يتم الاعتماد على تعويض العجز عن طريق ضخ المياه الجوفية “الآبار” مع الإشارة إلى أن الضخ المستمر للمياه الجوفية يؤدي إلى استنزافها وانخفاض منسوب المياه الجوفية وتلوثها، علماً أن المياه الجوفية معروفة على مستوى العالم هي “احتياطي ” يتم اللجوء إليه في وقت الحروب والأزمات، كذلك الأمن المائي يؤدي إلى الأمن الغذائي فعندما تتوفر المياه يتحقق الأمن الغذائي بزيادة المساحات المزروعة فيكون هناك أمكانية كبيرة في التوسع بالزراعة وإنتاج محاصيل زراعية كبيرة وبالتالي سد الفجوة الغذائية الموجودة، مع الإشارة إلى أن سورية  كانت تتمتع بالاكتفاء الذاتي قبل الحرب ولكن الحرب الحاصل في السنوات الماضية أدت إلى انعدام الأمن الغذائي لذلك عند توفر المياه يتم إعادة التوازن و الأمن الغذائي وإنتاج المحاصيل الزراعي.