الروبل الروسي الآن أقوى مما كان عليه قبل الحرب
البعث الأسبوعية- هناء شروف
في الأيام التي تلت العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا في شباط 2022 وبعد فرض الغرب عقوبات، انخفض الروبل مقابل الدولار الأمريكي سريعاً من حوالي 78 إلى 138 وهي حركة ضخمة في عالم “الفوركس” (العملات الأجنبية)، ومخيفة لأولئك الذين لديهم ثروات بالعملة الروسية.
منذ ذلك الحين، شُددت العقوبات ولم تُظهر الحرب أي بوادر على نهايتها لكن حدث شيء غير متوقع للروبل، فقد اعتقد العديد من المعلقين أن العملة الروسية ستستمر في الانهيار، لكن بدلاً من ذلك أصبحت الآن أقوى مما كانت عليه عندما بدأت الحرب، حتى بات الدولار الأمريكي يساوي الآن 57 روبل وهو أفضل سعر صرف منذ حوالي أربع سنوات. لماذا حدث هذا وماذا يعني ذلك للمستقبل؟.
روبل ما قبل الحرب
يتم تحديد سعر الصرف في أي بلد من خلال تدفقات رأس المال والتجارة، بمعنى آخر ما هي الأموال التي تتحرك داخل وخارج الدولة، وقيمة الصادرات مقارنة بالواردات. وبالنسبة للروبل عادة ما تكون التدفقات التجارية أكثر أهمية، لأن روسيا مصدر رئيسي للنفط، وأن سعر النفط مرتبط بالروبل، أي عندما يرتفع النفط يصبح الروبل أقوى. وبالفعل، إرتفع سعر النفط على نطاق واسع منذ النصف الأول من عام 2020 مما عزز قوة الروبل في الفترة التي سبقت الحرب.
ومع ذلك لم يرتفع الروبل خلال تلك الفترة بالقدر الذي يرتفع به عادةً عندما يكون النفط قوياً، ربما يكون هذا بسبب التغيرات في تدفقات رأس المال، وتحديداً الديون الحكومية الروسية. كما بلغت حصة المستثمرين الأجانب (غير المقيمين) في سندات القروض الفيدرالية حدا ًأقصى تاريخياً قدره 35٪ في آذار 2020، لكنها انخفضت إلى 18٪ قبل الحرب.
كان السبب تغييرات في قواعد الضرائب، حيث كانت مدفوعات الفائدة على السندات الحكومية الروسية للمستثمرين الأجانب معفاة من الضرائب حتى تم تمرير قانون في 31 آذار 2020 يفيد بأنهم سيبدأون في دفع 30 ٪ من 1 كانون الثاني 2021. وهنا تم لحظ أن الروبل بدأ في الانخفاض، حيث بدأ المستثمرون الأجانب بيع سندات بعد آذار 2020.
وهذا يفسر سبب ثبات الروبل على نطاق واسع بين ذلك الوقت والحرب، في إشارة إلى أن مبيعات السندات الحكومية أكثر من تعويض تأثير سعر النفط القوي. باختصار كان بيع السندات هذا بمثابة حجر رحى مؤقت حول الروبل مما جعله أقل مما كان يمكن أن يكون لولا ذلك. وبمرور الوقت سيقل هذا التأثير مما يمنح الروبل بعض الزخم الصعودي حيث يظل سعر النفط مرتفعاً.
بعد بدء الحرب
عندما انخفض الروبل إلى 138 مقابل الدولار الأمريكي في الأيام التي تلت الحرب في 21 شباط، كان هذا أدنى مستوى له على الإطلاق، وعلى عجل في 24 شباط أعلن البنك المركزي الروسي عن عدة إجراءات لدعم العملة، فقد حظرت التداول بالهامش، وهو عندما يقترض المستثمرون الأموال لتحقيق رهانات أكبر بكثير في الأسواق مما يمكنهم تحمله، وهذا يعني أنهم لا يستطيعون مفاقمة الضرر الذي يلحق بالروبل من خلال المراهنة بشدة على أنه سيتراجع أكثر. كما استخدم البنك المركزي احتياطياته الأجنبية لشراء الروبل في أسواق العملات للمساعدة في دعم السعر. ومع ذلك استمر الروبل في الانخفاض مما يشير إلى أن التحركات لم تكن كافية.
كان أحد الأسباب هي حزمة العقوبات الغربية التي كانت غير متوقعة، ويمكن القول إنها الأشد قسوة على الإطلاق، بما في ذلك تجميد 60٪ من الاحتياطيات الدولية لروسيا البالغة 643 مليار دولار في 27 شباط. هذه الحزمة حدّت بشدة من وصول البنك المركزي الروسي إلى أصوله في الخارج وقدرته لتعزيز الروبل.
ثم لجأ البنك المركزي في 28 شباط إلى مجموعة جديدة من الإجراءات:
- فرض ضوابط على رأس المال من خلال حظر جميع التعاملات مع غير المقيمين وكافة عمليات تداول الأسهم.
- ارتفاع حاد في سعر الفائدة الرئيسي الروسي من 9.5٪ إلى 20٪.
- تحديد 10000 دولار أمريكي (7،972 جنيه إسترليني) شهرياً للتحويلات التي يقوم بها المقيمون إلى حسابات بنكية في الخارج.
- تحديد 10000 دولار أمريكي لعمليات السحب بالعملات الأجنبية.
- يتعين على المصدرين استبدال 80٪ من أرباحهم من النقد الأجنبي في غضون ثلاثة أيام.
بعد شهر من ذلك، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضاً على مرسوم خاص يطالب الدول غير الصديقة بدفع ثمن الغاز الروسي بالروبل.
شرح الارتفاع
إن أحد أسباب تعزيز الروبل هي القيود المفروضة على التداول بالهامش، وعلى المستثمرين الأجانب، مما يعني أن أحجام التداول كانت أقل بكثير من المعتاد. كما ساعدت القاعدة التي تجبر المصدرين على تبادل الأرباح الأجنبية والتحرك الجزئي لبيع الغاز بالروبل في تعزيز العملة الروسية.
وهناك عوامل أخرى لا علاقة لها بالبنك المركزي الروسي لعبت دورها، إذ ظل سعر النفط قوياً بعد أن انخفض من ذروة أعلى بقليل من 130 دولاراً أمريكياً للبرميل في منتصف آذار إلى حوالي 100 دولار أمريكي بعد بضعة أسابيع، ثم وصل خام برنت إلى حوالي 120 دولاراً أمريكياً. كما تقلصت واردات روسيا بسبب نزوح الشركات الأجنبية والعقوبات الغربية، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع فائض الحساب الجاري (قيمة الصادرات مطروحاً منها الواردات) إلى أعلى مستوى تاريخي مما يعزز العملة.
من المحتمل أن يستمر هذا الخلل في الميزان التجاري لبعض الوقت، وهو ما قد يكون أحد الأسباب التي دفعت روسيا إلى تخفيف بعض قيود شهري شباط وآذار. انخفض سعر الفائدة الرئيسي الآن إلى 9.5٪ وهو نفس السعر عندما بدأت الحرب، وسمح بالتداول بالهامش مرة أخرى وقد اختفت قاعدة “الفوركس” بنسبة 80٪، بحيث يمكن للمقيمين الآن تحويل ما يصل إلى 50000 دولار أمريكي شهرياً إلى حسابات بنكية أجنبية مثل الصين. بعبارة أخرى لدى روسيا غطاء للانتقال إلى وضع مالي أكثر من طبيعي بسبب العقوبات الغربية.