اقتصادصحيفة البعث

قولوها صراحة: “هناك ما يمنع”!!

قسيم دحدل

عقدة التمويل، والإدارات المترهلة، وعدم التطوير لقطاعنا الصناعي العام، هي باعتقادنا ثلاثية الأثافي التي أُبتليت بها مؤسّسات وشركات وزارة الصناعة، والمحزن جداً أن هذه الأثافي ليست وليدة الأزمة ومن نتائجها، بل هي ما قبل الأزمة وبعقود.

ورغم اعتراف الحكومات المتعاقبة بتلك الأثافي، ومحاولاتها العرجاء تصحيح وتحديث بنيان وهيكلية وإدارة هذا القطاع (وأد قانون إصلاح القطاع العام الصناعي أيام حكومة العطري ونائبه الدردري..)، حيث كان المأمول إعادة الاعتبار والسمعة والريادة بامتياز، بعد أن وصلت بعض مؤسّساته وشركاته ليكون لها علاماتها التجارية المتفرِّدة على مستوى المنطقة والإقليم (شركة بردى مثلاً)، إلاَّ أن شيئاً لم يتغيّر سابقاً ولا لاحقاً، وعلى ما يبدو لن يكون هناك اختراق جوهري يُمكِّن هذا القطاع من النهوض في الآجل القريب!

لا يبدو..!! إذ لا نزال نقرأ التصريحات المتتالية، وأحدثها يردّد الأخبار القديمة ذاتها، وحرفياً، كمثل “طرح أكثر من ٣٨ منشأة للاستثمار، وأن العروض قيد الدراسة، ولا تزال الوزارة تستقبل كافة العروض ليتمّ اختيار الأفضل لتحقيق الطموح المطلوب، وأنه لم يتمّ التوقيع والموافقة لأي منها بعد..”!

ليس هذا فحسب، بل إن “الوزارة تعمل على إعداد سياسات صناعية لإعادة الشركات للعمل، بالتوازي مع إعادة النظر في نشاط تلك الشركات من حيث الجدوى لعملها من خلال تغيير منتجاتها ونشاطها لمجال آخر أكثر جدوى اقتصادياً”!.

والمصيبة فعلاً أن يكون هناك اعتراف وخطير أيضاً من وزارة الصناعة نفسها بـ “أن منتجات القطاع العام تتمتّع بثقة المستهلك وجودة عالية، كمنتجات سيرونكس وبردى ومنتجات حوش بلاس، لكن قدرتها على المنافسة تنخفض من حيث الأسعار كونها تلتزم بالمواصفات القياسية التي تزيد التكاليف المالية، بينما تنتشر منتجات بمواصفات وجودة أقل في ظلّ غياب الرقابة على الأسواق، الأمر الذي انعكس سلباً على منتجات القطاع العام الملتزم بالمواصفات والجودة..”!

كلّ هذا الواقع المكرّر يدفع المتابع للتساؤل: ما المانع الحقيقي المستتر الذي يحول دون امتلاك قطاعنا العام أسباب نهوضه وريادته..؟! لا تقولوا لنا العقدة بالتمويل، إذ يكفي أن نعرف كمّ الأموال المجمّدة في مصارفنا العامة، لندرك أنه ليس من الأسباب وأولها!

وإذا ما سلّمنا جدلاً بـ “عقدة التمويل”، فالسؤال الذي يفرض نفسه فرضاً: ألم تستطع المؤسّسة العامة للتبغ – مثلاً لا حصراً – وهي التي تكاد تحتكر السوق المحلية من عقود، ولم تخسر يوماً، وإنما رابحة بامتياز دوماً، أن تطور وتحدّث خطوط إنتاجها لتكون قادرة على إنتاج – مثلاً – سجائر حمراء “سْليمْ”، تماشياً مع متطلبات السوق ورغبات الزبائن، أو على الأقل تحسين صناعة سجائرنا الوطنية الموصوفة تبوغها بأنها الأنظف والأجود؟!.

وما المانع الحقيقي، من أن يطوّر قطاعنا الصناعي العام صناعة البطاريات – على الأقل – لتحقيق اكتفاء سوقنا منها، علماً أن المليارات أُنفقت على استيرادها خلال أزمة الكهرباء المستدامة؟!

تساؤلات قد تتعدّد ولا تنتهي، ففي كلّ تفصيل تقبع شياطين التعطيل لهذا القطاع الأمل، الذي ودون مبالغة لو قُدّمت له احتياجاته وأُمّنت متطلباته، لشكّل إلى جانب قطاع زراعتنا جناحي ورافعة اقتصادنا الوطني فعلاً.

بصراحة.. نرى أن التمويل يمكن أن يُتاح إذا ما كان هناك إحداث صناديق استثمارية قطاعية، توظف فيها مدخرات الأفراد العقيمة، سواء كانت عملة صعبة أو عملة وطنية، إلى جانب المكدّس من مليارات في بنوكنا العامة وحتى الخاصة، لكن هناك ما يمنع… فقولوه صراحة!! لأن الاعتراف بداية جادة للإصلاح.

Qassim1965@gmail.com