رغم التحذيرات ..انتشار متزايد للأراكيل وارتفاع كبير في الفاتورة الاقتصادية والصحية ؟!
البعث الأسبوعية
تعددت أشكالها واختلفت أحجامها وتنوعت نكهاتها أما رائحتها التي تعبق بها أزقة الشام القديمة التي غصت بالمقاهي فتأسر أنفاس عشاقها .هي الأركيلة أو (الشيشة) التي لم تعد يقتصر وجودها على المقاهي فحسب إنما دخلت اليوم كل منزل وأصبحت طقساً اجتماعياً يمارسه كل أفراد الأسرة من الكبير إلى الصغير وأصبحت صناعة نفس الأركيلة فن لا يتقنه إلا محبوه وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة بأن التدخين يضر بالصحة ويسبب أمراض السرطان إلا أن ظاهرة تدخين الأركيلة تجتاح العالم بشكل غير مسبوق عموماً وفي سورية خصوصاً ودون أي حساب للعواقب مما يستدعي قرع ناقوس الخطر والبحث في أسباب انتشار هذه الظاهرة وإدراك مخاطرها للحد منها ما أمكن.
البداية
بدأت قصة تعلق قصي بالأركيلة بعد تجربته الأولى في الخامسة عشرة من عمره عندما كان ينتهز فرصة انتهاء والده من الأركيلة وخلوده إلى النوم ليأخذها خلسة إلى سطح المنزل كما قال لنا خوفاً من غضب والده الذي كان يمنعه من تدخينها ولكن ذلك لم يشكل عائقاً أمامه فقد كان يشعر بمتعة كبيرة عندما يدخن ثم بدأ يخرج مع أصدقائه إلى المقهى كل يوم لتدخين نفس أو اثنان. وعلى العكس تماماً ساهمت أم ماهر بإدمان ابنها 19 عام على الأركيلة التي لا تفارقها لا ليلاً ولا نهاراً فهي تستيقظ على نفس وتغفو على آخر وتحدثت لنا عن إدمانها على الأركيلة بعد أن فقدت زوجها خلال الأزمة وبقيت مع ابنتها لمى وابنها ماهر الذي لم تجد غيرهما أصحاب في جلستها ولم تستطع منع ماهر من تدخين الأركيلة الذي دفعه الفضول لتجربة ما تدمن عليه والدته والتي لا ترى بدورها مانعاً من تدخينه الأركيلة للترويح عن نفسه في ظل عدم القدرة على التسلية خارج المنزل أما سمر فلم تعرف طعم الأركيلة إلا بعد دخولها الجامعة فصديقاتها مدمنات على الأركيلة وما إن ينتهي دوامهن في الجامعة حتى يذهبن إلى المقهى للاستمتاع بنفس أركيلة في رحاب الشام القديمة.
للتباهي والتفاخر
وعن رأي الشباب ونظرتهم للفتاة التي تدخن الأركيلة عبر هشام 30 عام عن استهجانه لرؤية الفتيات يدخن الأركيلة خصوصاً في المقاهي وقد أصبحت أعداد الفتيات اللواتي يرتدن المقاهي لتدخين الأركيلة يفوق عدد الشباب ويضيف هشام بأنه يلاحظ تباهي الفتاة وتفاخرها بقدرتها على تدخين الأركيلة ويجري تنافس بينهن أحيانا على الأكثر قدرة بسحب الدخان ثم نفخه ليشكل سحابة دخان تغطي الطاولة بمن فيها وهذا مشهد لا يليق بفتاة من وجهة نظر هشام في حين اعتبر عمر” متزوج” تدخين الفتاة للأركيلة سواء في المقهى أو المنزل أمراً عادياً جداً مع انفتاح المجتمع السوري ويحق لها الاستمتاع بالترفيه وتجربة ما تريدوتتحمل مسؤولية أفعالها وتحدث عمر عن إدمانه هو وزوجته على الأركيلة وأصبحت عادة يومية وطقس يعيشه الزوجان كل يوم مساءً بعد خلود أطفالهما للنوم.
وسائل للترفيه
لا شك بأن الحرب الخانقة التي أرهقت السوريين وحرمتهم من وسائل الترفيه ومن إمكانية التنقل وارتياد النوادي والمنتزهات فرضت وسائل بديلة يمكن من خلالها الترويح عن النفس ومنها الأركيلة التي تعد احد تلك الوسائل التي استخدمت للتسلية فأصبحت عادة أدمن الكثيرون على ممارستها على صعيد أفراد الأسرة في المنزل أو الأصدقاء في المقهى ويؤكد هنا الدكتور في علم الاجتماع سليمان عبود على أن تدخين الأركيلة بالنسبة للشباب والفتيات في عمر المراهقة وسيلة لإثبات ذاتهم وهي ملجأ للخروج من حالة الملل والإحباط والاكتئاب التي تسود المجتمع السوري بشكل عام وان تدخين الأركيلة حالة وهمية يخلقها المدخن نفسه ويشعر بان تلك الحالة التي يعيشها تنسيه همومه وتريح أعصابه لكن الأركيلة في الحقيقة لا تقوم بشيء إلا إيذاء الجسم وان انفتاح المجتمع السوري ودخولنا في عصر التقنيات الحديثة وما نشاهده على القنوات الفضائية من سلوكيات وتصرفات تؤثر دون شك في شخصية الشباب وتدفعهم للتقليد الأعمى وتجربة تلك الأفعال دون إدراك مخاطرها وان إقبال الفتيات على تدخين الأركيلة وارتياد المقاهي هي نتيجة حتمية لكل ما نشاهده ونسمعه وهو سعي من الفتاة ذاتها لكسر القيود والقول بأنها موجودة وتتساوى مع الشاب في كل ما له وما عليه ويضيف عبود بأن دور الأهل في ظل الأزمة كان سلبياً يقوم على إباحة كل شيء لأولادهم بحجة أنهم متعبون وضاقوا ذرعاً من هذه الأزمة فلا مشكلة بالترويح عن النفس بأي وسيلة لو كانت مضرة في ظل عدم توفر وسائل أخرى ودعا عبود إلى ضرورة إجراء كل فرد لعملية تقييم وتقويم لسلوكه وأفعاله وإدراك مساوئ وفوائد أي فعل قبل الإقدام عليه حتى نتجنب ما لايحمد عقباه .
مواد ضارة
إن احتراق مكونات نفس الاركيلة الذي يدخنه الشخص والمؤلفة من المعسل والمواد المنكهة والمادة الحافظة الغليسرين تشكل مواد ضارة يؤدي استنشاقها المتكرر مع مرور الوقت إلى الإصابة بعدة أمراض كما أفاد الدكتور منصور البحري الاختصاصي بأمراض الأطفال والرضع أهمها سرطان الرئة والتحسس الصدري والزكام المتكرر وتزداد الخطورة عند استنشاق الأطفال ذلك الدخان فتكون سرعة إصابتهم بتلك الأمراض أكثر فضلاً عن تأثير الأركيلة على لون الأسنان واللسان وانتقال الجراثيم والبكتريات من البرابيش التي تنتقل من فم إلى آخر ومن المياه الملوثة التي لا يتم تبديلها بشكل دائم وفي السياق ذاته ذكر تقرير منظمة الصحة العالمية أن مدخن الأركيلة حينما يدخنها في جلسة لفترة ساعة، فإنه يستنشق نحو 200 ضعف كمية الدخان الذي يستنشقه مدخن السيجارة الواحدة، وأن استخدام الفحم الطبيعي أو الصناعي في إحراق المعسل أو التبغ، هو أمر في حد ذاته يحمل مخاطر صحية تفوق تلك التي تنتج فقط عن إشعال التبغ مباشرة في السجائر. ذلك أن الاستنشاق بخرطوم الأركيلة يشفط الدخان الناجم عن حرق المعسل ويشفط أيضاً الغازات والمواد الكيميائية السامة الناتجة عن احتراق قطع الفحم وتحتوي تلك القطع من الفحم المحترق على قائمة من الغازات والمواد الكيميائية، وهذه المواد تكون بلا شك أسوأ عند استخدام أنواع الفحم الصناعي. ولا يوجد أي إثبات علمي على أن أي إضافة أو تعديل لتركيب جهاز الاركيلة سيتسبب في تخفيف أضرارها الصحية.وهنا ينصح البحري بالابتعاد عن عادة تدخين الاركيلة لتلافي مخاطرها التي قد تتسبب بالموت وخصوصاً الشباب اليافعين لتبقى رئتهم نظيفة ونقية وخصوصاً بالنسبة لمن هم في طور النمو ويجب على الأهل متابعة أطفالهم ومنعهم من تدخين الأركيلة مع شرح أضرارها وتجنب التدخين في المنزل خصوصاً مع وجود الأطفال .