مجلة البعث الأسبوعية

محاسبون قانونيون يطرحون أسئلة جوهرية تشكل عوائق حقيقية..! “الربط الاكتروني”..هل يحقق العدالة الضريبية ويوقف التهرب الضريبي فعلا وبشكل كامل..!؟

البعث الأسبوعية – قسيم دحدل

عديدة هي التساؤلات التي طفت على السطح، بعد أن تم إقرار تطبيق الربط الإلكتروني للفواتير على الكثير من الفعاليات الاقتصادية والصناعية..، ووفقا لتلك التساؤلات الهامة المتعلقة بحسن ونجاعة تنفيذ برامج الربط لناحية العدالة المالية في ما يتوجب على المكلفين سداده في الوقت الذي يتهم الربط الإلكتروني بإغفاله أو إسقاطعه أو عدم إمكانيته مراعاة واحتساب العديد من النفقات والتكاليف التي يطالب المكلفون باحتسابها حين تقوم الدوائر المالية بحساب وتحديد مبالغ أعمالهم المفترض تحصيلها، كون تلك النفقات والتكاليف تدخل ضمن تكاليف الأعمال والإنتاج، إلاَّ أنها لا تُحتسب..، أي أن الربط الالكتروني للفواتير، يستلزم تماما الاعتراف بالتكاليف والنفقات بجميع مبالغها ووفقا لسعر السوق المشتراة به..، لأن مبدأ الغنم بالغرم هو الذي يجب أن يتم اعتماده عند تطبيق هذا الأسلوب من العمل..

وهنا تطالعنا عقدة كيفية حساب التكاليف خاصة وأن المكلفين لن يعترفون بحقيقة أرقامهم الصحيحة، هذا من جهة أما من جهة ثانية فهناك أيضا ما لم يتم حسابه بشكل سليم حين لا يصرح المستورد عن حقيقة بياناته الجمركية وخاصة لناحية شفافية وصحة القيم للمواد المُستوردة، ما يعني أن الربط لن يكون قادرا على تحقيق الفوترة بأكمل صورها ومضامينها كما لن يستطيع وضع حد لحقائق البيانات والكلف الجمركية، ما يعني أن الخلل سيظل قائمة نتيجة لاختلاف الحسابات بين الدوائر المالية والمكلفين.

 

أسوء ما فيه..!

أكثر الخبراء في هذه التساؤلات التي يمكننا وصفها ب”العقدة”، هم من المحاسبين القانونين، الذين كان لهم العديد من التساؤلات والمأخذ على موضوع الربط الإلكتروني، إذ يقلون: إن  أسوء ما في الربط مع الدوائر المالية أنه يريد معرفة نصف المعلومة ولا يريد معرفة المعلومة كاملة، فالربط للمبيعات فقط أما المصاريف والمشتريات والكلف فغير مهم.

ولأن الدوائر المالية تعمل على الاستحقاق النقدي، وفقا لرأيهم، فهم يساءلون: هل سيتم إعادة النظر بالحسومات و تعديل الأسعار اللاحقة و الديون المعدومة ؟، وعليه فكيف سيصرح المكلف عن مصاريف الطرقات وبنزين المولدة وبنزين السيارات التي تم شراؤه من السوق السوداء..؟!. بعضهم وجد الحل بإمكانية المطالبة بتغيير النسبة ( النسبة التي تحسب في ضوئها رقم المبيعات) دون الدخول بهذه التفاصيل.

 

الأكثر غرابة..!

آخرون ذهبوا إلى الأعمق ملامسين شبهات الفساد، بقولهم: إن الأكثر غرابة من هذا كله هو: كيف سيصرح المكلف عن كلف المواد المستوردة والسعر الموجود في البيان الجمركي غير صحيح..!، معتبرين أن السؤال الأخير خطير جدا ويحتاج إجابة، لافتين إلى أن الرسوم الجمركية العالية جدا تجعل المستوردين يصرحون بأسعار مخفضة على البيان الجمركي؛ ولان الدوائر المالية ستعرف المبيعات لهذا البيان، فالسؤال: كيف سيتم إثبات تكلفة المستوردات..؟، مشيرن إلى أن المالية تعرف الأمر، لذبك فهي تعرف أن نتيجة الربط: “الدفع والصمت”..!!.

وكنوع من المقارنة يقولون: سابقا قبل التحقق الالكتروني كانت الدوائر المالية تضع “رقم العمل” بشكل جزافي، أما اليوم وبعد الربط فستضع المالية نسبة “الربح” بشكل جزافي في ضوء رقم العمل المكشوف. إذاً أين العدالة ؟؟، وهنا يعلق الخبراء بالقول: إذا كان جزء من الأعمال خاضع لحسابات الإنفاق، إلاَّ أن الجزء الأخر يبقى غير مكشوف ويخضع للتقدير الجزافي..!

 

كيف لهم الكشف..؟

أحدهم كان مباشرا في سؤاله، مطالبا بالإجابة عليه وهو: إذا المكلف قام بالربط مع الدوائر المالية..، وقام بإصدار عشرة فواتير خلال يوم..، ولم يُدخل على الحاسب سوى خمسة. فما الجواب  في هذه الحالة؟. كان الرد : يكون المكلف: ” متهرباً ضريبياً” وسيتم ملاحقته بفرق الضريبة وهذا في حالك اكتشافها..!

ما سبق معروف وأكيد  (أي اعتباره متهرباً ويلاحق)، ولكن كيف سيتم اكتشاف الفاتورة المُخفاة..؟، لأن عدم المعرفة يعنى أن الربط الإلكتروني لم يوقف التهرب..!. نقطة يجب أخذها بعين الاحتمالية وتتطلب إيجاد الحلول لها، خاصة وأن التعويل على المستهلك النهائي ليقوم بذلك احتمال ضعيف جدا، أي أن يطلب فاتورة عند كل شراء ثم  يقوم بالتحقق من الفاتورة عبر البرنامج  وإخبار الدوائر المالية.

 

السرية المصرفية والتوقيت..؟!

الخبير في المحاسبة القانونية محمد ناصر حمو وبالنسبة لموضوع الخصوصية وسرية المعلومات المحاسبية، يقول: لا يجيز القانون في سورية وكل أنحاء العالم للدوائر المالية وحتى المصرفية الدخول على الحسابات وتفاصيلها ولا يعطي الحق لأي جهة الإطلاع على تفاصيل الحسابات، إلاَّ بأمر القضاء وفي حال وجود شكوى أو نزاع فمن واجب المكلف تقديم بيانه وقيوده ومن واجب الدوائر المالية الدراسة والتحقق من صحة المعلومات ومطابقتها مع المعلومات التي لديها.

وفيما يتعلق بتوقيت تطبيق الربط وتاريخه يسأل حمو: لماذا لا يتم تأجيل الربط بدءاً من 1-1-2023 لأن الربط إذا تم بتاريخ 31- 8-2022 فسيكون هناك فواتير سجلت وفواتير لم تسجل.

 

مشكلة في التسعير..!

كذلك يطرح جملة من التساؤلات التي تتناول عدة نقاط لا تزال بحاجة لإجابة وتوضيح ومنها: هل سيشمل القرار مكلفي الدخل المقطوع أم سينحصر بمكلفي الأرباح الحقيقية أم كبار ومتوسطي المكلفين ؟؛ وكيف يمكن استصدار فواتير مبيعات وهناك مشكلة حقيقية في التسعير بين السعر الحقيقي وسعر التموين وسعر المالية، لأن كل جهة تسعر على طريقتها الخاصة في ظل فوضى الأسعار وقوانينها؛ وهل يجوز استصدار فواتير مبيعات بدون أسماء زبائن ؟؛ ولماذا لا يشمل قرار الربط حساب المشتريات والتكاليف الثابتة والمتغيرة أيضاً مع الوزارة لكي تكون دراسة الوصول إلى الدخل الحقيقي شاملة ؟

 

لا يمكن التصحيح..!

ويلفت إلى أنه وفي حال كان هناك خطأ مطبعي أو أي نوع من أنواع الخطأ، فلا يمكن تعديلها أو حذفها باعتبار خاصية التعديل والحذف ممنوعة بالحسابات التي تم ربطها مع الوزارة، فكيف ستتم المعالجة وما هي الإجراءات البديلة المقبولة لذلك؟.

وإذا تم الربط الإلكتروني مع الدائرة الضريبية هل سيتم قبول المدوَّرات في نهاية العام، فكيف سيتم قبول الإخراجات من المواد ولا يتم الاعتراف بالمدخلات أو حتى  ببضاعة أخر المدة لعدم وجود بطاقات صنف..!

وفي موضوع الاستعلام الضريبي سأل حمو:هل الرابط الإلكتروني مع الإدارة الضريبية سيخفف من زيارات قسم الاستعلام الضريبي، أن سيكون الاستعلام الضريبي كل يوم في المنشأة بذريعة أن قسم الاستعلام الضريبي لا علاقة لع بقسم الدخل وتأتي مهامه بأوامر ودراسات غير قسم الدخل؛ وهل سيعتبر الربط الإلكتروني هو التزام بالقرار 1462 وسيكلف صاحبه بنسبة أرباح معقولة أم لا دخل له بالقرار المذكور ؟.

وأخيرا تساءل عن ما الإعفاءات والمزايا التي ستمنح للمكلفين في حال تمت عملية الربط مع الوزارة ؟.

 

إنهاء للخلاف

الجدير ذكره أن وزارة المالية – الهيئة العامة للضرائب والرسوم تسعى لاعتماد الأتمتة والربط الشبكي مع كافة المكلفين، وذلك لإنهاء حالة الخلاف مع بعض المكلفين، وضمان حقوق الخزينة وحقوهم، إذ يتيح الربط الإلكتروني مع قاعدة البيانات في الإدارة الضريبية –وفقا للهيئة – تحديد رقم العمل بدقة، واستبعاد العامل الشخصي في تقدير الضرائب المستحقة.

وفي هذا الشأن، أكدت الهيئة أن فكرة إلزام بعض المكلفين بالربط الالكتروني مع الإدارة الضريبية من شأنه أن يسهم في تحديد القيم الضريبية المستحقة بناء على كافة المعلومات المدخلة من قبل المكلّف، مبينة أنه يتم حالياً تجربة الأمر على بعض القطاعات، حيث تم اختيار مجموعة من المكلفين، وسيتم التعامل معهم وفق الإمكانيات المتاحة، كما سيتم ربط كافة القطاعات تباعاً، مشددا على أهمية دراسة وتعديل في قيمة الغرامات والعقوبات لتكون رادعة لأي تجاوز.

 

تقريب وجهات النظر

وأوضحت الهيئة أن وزارة المالية ولجنة الإصلاح الضريبي، تعيد دراسة مواد التشريعات الضريبية لإعادة ترتيب بعض القضايا الأساسية، وتتم إعادة النظر بالمواد، فمثلا؛ تتم دراسة تعديل المعدلات الضريبية ومنهجيتها لتحقيق مستوى عدالة أعلى، بالتوازي مع دراسة لتعديل دراسة الحد الأدنى المعفى من الضريبة، سواء على الدخل أو الأرباح الحقيقية، منوهاً بأن العمل يهدف إلى تخفيض التهرب الضريبي للحدّ الأدنى، وتقريب وجهات النظر مع المكلفين، بالإضافة لتسريع العمل واختصار المدد الزمنية للإنذارات والتبليغات أو إنجاز التراكم الضريبي، منوهاً بأن الهيئة تسعى لتصل إلى مرحلة التدقيق والتكليف المباشر للبيانات في العام القادم.

كذلك تشمل الدراسات تحديد بعض المسؤوليات لمكلفي الضريبة بشكل أكثر وضوحاً، بالتوازي مع تعديل يتيح اختصار للمدّد الزمنية في عملية التكليف، يقابلها تعديل العقوبات والغرامات بحيث تكون منطقية ورادعة.

 

غير معقول

وفيما يخص القرارات الأخيرة لوزارة المالية التي وصفها البعض بالتحصيل والجباية، كقرار إلزام المحامين والأطباء ممن يزاولوا مهنتهم في منازلهم بضريبة على نشاطهم الفعلي، بيّنت الهيئة أنه من غير المنطق وجود شريحة من قطاع معين تدفع ضرائبها، كونها تمارس عملها بشكله النظامي؛ بينما يعمل آخرون بذات القطاع ويبرر لهم عدم دفع أية ضريبة تحت ما يسمى الظروف الاقتصادية لبيئة عملهم، علماً بأنهم يحققون دخلاً وأرباحاً، تستوجب تحصيل الضريبة، فالقانون يجيز تكليف أي مكلف يزاول عمله، كون الضريبة تحتسب على الأرباح والدخل الفعلي.

 

تدرسها وتناقشها..

وأكدت الهيئة أن التعديل يطال رسم الإنفاق الاستهلاكي، إذ يتم  دراسة إجراء بعض التعديلات لتصبح أكثر وضوحاً، وحلّ بعض الإشكاليات المتعلقة بعمل المكلفين، موضحة أن رسم الإنفاق الاستهلاكي يكتنفه إشكاليات عدة كاقتطاع الرسم من الزبون أو المستهلك كخطوة أولى وتوريده للهيئة الضريبية ثانياً، والعمل موكل للمكلف ووكيل الهيئة، ولذلك تسعى الهيئة لعملية ضبط واسعة للمكلفين، كما تدرس الهيئة مطالبات جميع المكلفين، حيث يتم رفعها للجنة المختصة المعنية لمناقشتها  ليصار إلى اعتماد المقترحات واستكمال الإجراءات المتعلقة بشأنها.

 

كبار ومتوسطي المكلفين

هذا وكان أخر قرار أصدرته هيئة الضرائب و الرسوم القرار رقم 706/ق.م، حيث ألزمت فيه كلا من المكلفين أصحاب المنشآت الصناعية بقسمي كبار ومتوسطي المكلفين لدى مالية محافظة دمشق، والمكلفين أصحاب المنشآت الصناعية بقسمي كبار ومتوسطي المكلفين لدى مديرية محافظة حلب والمكلفين أصحاب المنشآت الصناعية في منطقة الشيخ نجار، والمكلفين أصحاب المنشآت الصناعية بالمدينة الصناعية في منطقة حسياء لدى مديرية مالية حمص، باستخدام آلية الربط الإلكتروني للفواتير المصدرة.

واعتبرت الهيئة المكلفين بالضريبية على الدخل من فئة الأرباح ممارسو المهن الصناعية والوارد تعدادهم أعلاه ملزمين باستخدام آلية الربط، بهدف تحديد مجموع الإيرادات الإجمالية لأعمالهم وأرباحهم الصافية الخاضعة لهذه الضريبة (ضريبة الأرباح الحقيقية)، ذلك وفقا لأحكام قانون الضريبة على الدخل رقم 24 لعام 2003 وتعديلاته لاسيما المادة رقم 7 منه، وبحيث يتم اعتماد رمز الاستجابة السريعة QR  على كافة فاتورة صادرة، والربط مع قاعدة البيانات المركزية للإدارة الضريبية.

وبحسب القرار، يترتب على المكلفين استخدام أحد البرامج المحاسبية المعتمدة لدى الإدارة الضريبية، بمسك السجلات المحاسبية وإصدار الفواتير بشكل إلكتروني، ويمنح المكلفين مهلة محدد لغاية 31- 8 -2022 لتطبيق الإجراءات المحددة.

وعدل القرار المدة المحددة بالمادة رقم 3 من القرار رقم 644/ق.م تاريخ 1-6-2022 المتعلقة بالمكلفين أصحاب المنشآت الصناعية بالمنطقة الصناعية في عدرا لتصبح لغاية 31- 8 أيضاً.

 

 

Qassim1965@gmail.com