ثقافةصحيفة البعث

عبد جميل قاشا في صالة زوايا

تُعرض حالياً في صالة زوايا للفنون الجميلة بدمشق أعمال الفنان الشاب عبد جميل قاشا الحائز على الإجازة في التصوير من كلية الفنون الجميلة في جامعة تشرين منذ عامين، وهو ابن النحات المعروف جميل قاشا الذي تُعرض أعمال معرضه حالياً في صالة كامل، فدمشق تحتفي بفن عائلة قاشا في اتجاهي النحت والتصوير الزيتي، فقد قدّم عبد أعمال بحثه الفني متخذاً من الدمية عنصراً أساسياً لموضوع المعرض نافذاً نحو كوميديا خاصة تتأرجح بين حالتها السوداء المستلبة كمفردة يقرّر مصيرها الآخرون، وبين حالها كمفردة من صناعة أخرى ذات غاية، المهمّ أن هذه الصورة قادرة على استيعاب حمولات الفنان الشاب الذي يميل نحو نزعة تعبيرية في خلق صورة ليست حيادية من جهة التأثير وليست طارئة وجديدة من حيث تقنية الخلق والتنفيذ، والأمر له مبررات كثيرة منها أن سلطة منتج الفن التعبيري خلال القرن قد أحدثت فارقاً كبيراً في توجهات الفن التشكيلي عموماً قلّما ينجو أحد من الذين يتبنون هذا المنحى من تأثير “مونش وسوتين ومروان قصاب باشي وايغون تشيلي.. وغيرهم من رواد التعبيرية الألمانية”، واللافت أن حدود التأثير متفاوتة إلا أن المتفق عليه كما يبدو أن طريقة الطرح والتنفيذ والتقنية قد تكون الجملة الأكثر بلاغة في هذا الجانب، وأن الأمر في حقيقة التعبير هو أبعد من سطح اللوحة والخامة وضربات الفرشاة النزقة، ويتعدّى ذلك إلى المكان الأكثر توتراً والأعمق بصرياً من حدود ما يتفق عليه عند صنّاع الصورة والرسامين الواقعيين.

فالتقانات المفتوحة على استخدام المواد المختلفة التي تتجاوز أدوات الرسم التقليدية قد منحت الفنان حرية جديدة تجعل من المشهد ربما أكثر فداحة ودهشة مولدة لأسئلة جديدة. وقد استخدم الفنان الشاب عبد قاشا عجينة “الفوم” الصناعية وهي مادة رغوية تتجمد بملامستها الهواء تتراكم بصيغة الفقاعات أو الفطر وتشكّل سماكات نافرة أكثر من المواد التقليدية وتستخدم في العزل وملء الشقوق والفراغات، كما استخدم الصلصال والقماش وعجينة الورق في تنفيذ بعض أعمال الدمى الصغيرة التي تمثل أحد جوانب هذه التجربة الواعدة والمجتهدة.

ينقسم المعرض إلى ثلاثة جوانب هي اللوحة المسندية والدمية كمشغولات نحتية والأعمال الغرافيكية المنفذة بالفحم، وقد التقت هذه الأساليب في موضوع واحد هو الكوميديا السوداء متمثلة في تلك الوجوه المنهوبة التي اتخذ منها الفنان موضوعه الأثير الذي قدمه، مستعرضاً إمكاناته في التصوير والنحت والرسم الغرافيكي، فقد قدّم عدداً من اللوحات من القطع المتوسط والكبير نسبياً نفذها على القماش، مؤكداً إمكانات واعدة تفصح عن مصور ملوّن وثري وشجاع في استخدام بعض الدرجات اللونية المكملة حيناً للعمل والمتناقضة قد تصل حدود الرسم الوحشي، وخاصة حين استخدامه درجات عالية من اللون الأخضر والأحمر والأصفر، مما جعل من العمل مهرجان ألوان وحيزاً لانفعالات الفنان الشاب التي نجح في ضبط توليفها في عديد من جوانب الأعمال الأخرى.

في جانب آخر من المعرض عدد من اللوحات المنفذة على الكرتون بتقنية الفحم، وقد بدا واضحاً تلك المسافة الدقيقة بين هواجس الفنان الذي يبحث عن تأكيد ذاته وتقديم منجز بحثه خلال السنوات السابقة والذي اختبر خلالها كلّ تقانات الرسم والتعبير.

ومن العافية أن يقتفي الفنان أثر من قبله ويتأثر بأعمالهم، وقد تُحسب لعبد قاشا هذه البداية ولا تُحسب عليه في دلالة على ذائقة صحيحة ومثقفة تلتقي عند هؤلاء، والمنتظر من هذا الفنان الواعد في المستقبل تأكيد الخصوصية والفرادة، وحسبي أنه ليس ببعيد عنها، وقد بدت علاماتها مدعمة بإخلاص هذا الشاب وحماسته في الدفاع عن قلقه المبدع للجمال.

أكسم طلاع