الناتو في قبضة واشنطن بالكامل
عائدة أسعد
بالنظر إلى المفهوم الأمني الذي تمّ تجديده وتبناه قادة منظمة حلف شمال الأطلسي في قمتهم الأخيرة في مدريد، من الواضح أن أكبر كتلة عسكرية في العالم مستعدة للسماح للولايات المتحدة بقيادة البشرية. ففي المخطط الذي يحدّد الأولويات والأهداف العليا للحلف للعقد القادم، تمّ تحديد روسيا على أنها التهديد الأكثر أهمية والمباشر لأمن الناتو، وبهذا التبرير يعمل الناتو على تأجيج نيران الأعمال العدائية بين روسيا وأوكرانيا بهدف إضعاف روسيا من خلال إطالة الأزمة الأوكرانية لأطول فترة ممكنة.
وتحقيقاً لهذه الغاية، يقوم العديد من أعضاء الناتو بتزويد أوكرانيا بالأسلحة، بما في ذلك مدافع الهاوتزر الثقيلة، وأنظمة الصواريخ المتقدمة، كما يسرّع التحالف أيضاً توسعه لعزل روسيا في القارة، بعد أن توقع الدول الثلاثين الأعضاء في الناتو على بروتوكولات الانضمام الخاصة بالسويد وفنلندا، وإرسال عروض عضويتها إلى عواصم الحلف للحصول على الموافقة التشريعية.
وبدلاً من النظر إلى الصورة الأكبر لسلام أوروبا واستقرارها، وبذل الجهود للترويج لوضع حدّ للأزمة الأوكرانية، يبدو القادة الآخرون عبر الأطلسي وكأنهم ابتلعوا رواية واشنطن، وهم الآن يؤيدون بفارغ الصبر جهود واشنطن لتفاقم القطيعة الأوروبية المتبقية مع روسيا، والحرب بالوكالة التي تشنّها ضدها في أوكرانيا.
لقد بات من الجليّ أن الولايات المتحدة هي المستفيد الوحيد مما يجري في أوكرانيا، وأن أكبر مكاسبها هو الوحدة الجديدة عبر الأطلسي التي تعزز قبضتها على الناتو. لذلك يمكن التوقع أنه مع تنفيذ المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو، سيكون هناك المزيد من المواجهة الجيوسياسية بدلاً من التصرف بمسؤولية لتخفيفها.
لقد بات من الواضح أن تكاليف هذه الرؤية الضيّقة الأفق تتزايد مع زيادة معاناة الناس جراء الأزمة الأوكرانية، وقد يكون الأمر كله في النهاية مرضياً لواشنطن، إلا أنه يجب أن يكون مقلقاً بالنسبة لتلك الدول التي تملك رؤية أكثر مدنية للعلاقات الدولية.