دراساتصحيفة البعث

الأمم المتحدة على طريق “العصبة”

هيفاء علي

تساؤل مشروع عن دور الأمم المتحدة يتبادر إلى أذهان الشعوب المظلومة التي تعرّضت ولا تزال للحروب والحصار والظلم من قبل القوى العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على مرأى ومسمع الأمم المتحدة التي تقف عاجزة عن فعل أي شيء، وتكتفي بإصدار بيانات الاستنكار والإدانة، والإعراب عن قلقها البالغ. هذه المؤسّسة الدولية لم تفعل شيئاً للقضية الفلسطينية، ولا لقضية الصحراء، ولم تفعل شيئاً للشعب السوري، ولا شيء فيما يخصّ الأزمة الليبية، فهل ستتبع منظمة الأمم المتحدة قريباً دور سلفها عصبة الأمم؟.

ثمّة ميول قوية لتصديق ذلك، خاصة وأنه تمّ تهميشها تماماً منذ بداية الحرب في أوكرانيا، فعندما يتعلق الأمر بالسلطات المعرّضة للخطر، يختفي صوت الأمم المتحدة تماماً، ويبقى الأقوياء هم من يعبّرون عن أنفسهم ويتحركون ولهم الحق في الكلام والأفعال وليس الأمم المتحدة. وللتذكير فقط، تأسست الأمم المتحدة في 24 تشرين الأول عام 1945 بمصادقة 51 دولة لتحلّ محل عصبة الأمم، وتتمثل الأهداف الأساسية للمنظمة في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، مع التركيز على حماية حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية، والتنمية المستدامة، وضمان القانون الدولي، ومن بين 197 دولة تعترف بها، هناك 193 دولة أعضاء.

تضمّ الأمم المتحدة الآن جميع دول العالم تقريباً، ومع ذلك، يمكن القول إن الآمال التي عُلّقت في البداية على هذه المنظمة عند إنشائها قد تبدّدت وأصابت العالم بخيبة أمل كبيرة. ومع وجود 5 دول أعضاء دائمين في مجلس الأمن مع الاحتفاظ بحق النقض، وهم الصين، الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، المملكة المتحدة، روسيا، تكون بعيدة كل البعد عن طريقة العمل الجماعي من أجل السلام العالمي مع الدول الأعضاء الأخرى. من جهة أخرى، يقع مقرها الرئيسي في منطقة مانهاتن، فضلاً عن تمويلها، الذي تنفق منه واشنطن الحصة الأكبر، ما يقود العديد من المراقبين إلى القول إن هذه المنظمة هي ملحق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة. فمنذ عدة سنوات، كانت الأمم المتحدة تعاني من مشكلات مالية وضعت موظفيها تحت الضغط، حيث نشأت هذه المشكلات من تأخر السداد من قبل الدول الأعضاء، والتي من بينها أكبر مدين هي الولايات المتحدة بأكثر من 60٪ من الإجمالي السنوي، ما يعني أن رواتب كبار مسؤولي الأمم المتحدة تعتمد جزئياً على التمويل الأمريكي، ومن هنا يجد المرؤوس صعوبة في إثارة غضب صاحب عمله.

قبل أيام، قرّر العجوز بايدن، الذي يجمع تحالفاً يضمّ أكثر من 50 دولة عضو في الناتو، التبرع بأسلحة جديدة لأوكرانيا، حيث ستساهم الولايات المتحدة بمبلغ 800 مليون دولار كمساعدات عسكرية: 600 دبابة، و500 نظام مدفعي، و600 ألف قذيفة، و140 ألف سلاح مضاد للدبابات، ما يعني أنه قرار مدروس لشنّ حرب عالمية ضد روسيا خارج أي إطار قانوني، وفي مواجهة الأمم المتحدة، التي تتمثل أهدافها الأساسية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، ولكنها لم تنبس ببنت شفة، تماماً كما سبق وغضّت الطرف عن ​​العراق وأفريقيا وأفغانستان، كما غضّت الطرف عن إرسال 4000 شاحنة محملة بالأسلحة، واستقدام آلاف المرتزقة من معظم أصقاع الأرض وإرسالهم إلى سورية لخوض حرب بالوكالة فيها على مدى أكثر من عشرة أعوام.

لقد كانت بعض هذه العمليات العسكرية الأمريكية، مباشرة أو سراً، ما أدى إلى شلّ الهيئة السياسية الدولية في مواجهة الولايات المتحدة. من ناحية أخرى، عندما يتعلق الأمر بنزاع في مالي أو النيجر أو الكونغو، ستفرض الأمم المتحدة وقف إطلاق النار بالقوة، وستنشر ذوي الخوذ الزرقاء لحفظ السلام، وهذا الأمر ليس سيئاً في حدّ ذاته، ولكنه يثير علامات الاستفهام في كل وقت؟!.