وحدة الثقافة في مواجهة خلاف السياسة
د. مهدي دخل الله
بعيداً عن القمم السياسية للأنظمة العربية بدأت في دمشق أمس قمة ثقافية تَشارك فيها القيادات الثقافية والأدبية لاثنتي عشرة دولة عربية في إطار مجلس اتحاد الكتاب والأدباء العرب ..
وعلى الرغم من أن السياسة وقممها تملأ الآذان صراخاً وتحتل القسم الاكبر من اهتمام وسائل الإعلام , إلا أن القمة الثقافية تبدو أكثر أهمية , لا لأن السياسة مرتع خلاف والثقافة سهل تشارك وتفاعل فحسب , وإنما لأن مجال الثقافة في الكينونة التاريخية للأمم أكثر أهمية من مجال السياسة ..
أولا – السياسة محصورة في إطارين ضعيفين , فهي فن الممكن , وهي كذلك حبيسة قطاع الممارسة , أي أنها أسيرة اللحظة التاريخية وظروفها . أما الثقافة فتهتم بالكشف عن جوهر الوجود ، وكما كتب ابن رشد (( كشف معنى الجوهر )) . هذا يعني أن الأمر يتعلق ببنية الوعي وليس بمجرد التعامل مع الظروف المتغيرة ، والوعي يتصف بالديمومة و الاستمرار .
ثانياً – أضعف ما في العرب سياساتهم وأقوى ما عندهم ثقافتهم . لولا قوة هذه الثقافة لاختفى من القاموس العالمي شيء اسمه العرب , ولتحولنا شعبياً ووجودياً إلى مجموعات صغيرة متناثرة , كما هو وضعنا اليوم في مجال السياسة ..
ثالثاً – إن المقاومة السياسية تقتصر على جزء قليل من العرب في محور المقاومة , بينمــا (( المقاومة الثقافية )) حاضرة في وعي الإنسان العربي العادي ، لذلك فهي واسعة تشمل الملايين من العرب . الواقع يشهد أن الدول التي طبّعت مع العدو سياسياً تأكد فشلها في التطبيع شعبياً أي في مجال الوعي المحدد ثقافياً ..
رابعاً – من وجهة نظر تاريخية يستطيع العرب الصمود إن انهزموا سياسياً , سلاحهم في ذلك ثقافة متماسكة ومتجذرة في جوهر وجودهم . بالمقابل فإن أي هزيمة في مجال الثقافة ستقضي علينا تماماً .
خامساً – أعداؤنا أقوى منا في مجال السياسة والقوة العسكرية والاقتصادية , لكنهم أضعف منا في مجال الثقافة , خاصة الصهيونية . تُبنى ثقافة الصهاينة على أنهم (( شعب الله المختار )) أي أنهم (( فوق )) المنطق الإنساني , وهذا تسميه أنثروبولوجيا الثقافة ” مضاد الثقافة ” (( Anticulture )) , لذلك لا يمكن للثقافة أن تتصالح مع مضاد الثقافة حتى لو تمت المصالحة السياسية ..
المشكلة الحقيقية أن الثقافة العربية أقوى من العرب , فهي قوية ومتجذرة في الوجود أكثر مما هم راغبون , لذلك نرى تقاعساً في مجال الاهتمام الثقافي , خاصة أن المثقفين لديهم عقدة نقص تجاه السياسيين .. والمهم اليوم أن تنجح قمة دمشق الثقافية في وضع برنامج عملي محدد , ذي معايير قابلة للقياس , وأن تتابع تنفيذ هذا البرنامج , كما أشار الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب في كلمته أثناء افتتاح (( القمة )) .
mahdidakhlala@gmail.com