مجلة البعث الأسبوعية

البطاقات الملونة حالة انضباطية ضرورية في كرة القدم… والبطاقة الخضراء أخر تطوراتها

البعث الأسبوعيّة-سامر الخيّر

كل من يحب كرة القدم يلمّ بكافة تفاصيلها سواء الفنية أو اللوجستية، لكن قلة منهم يعرفون أن الصورة الحالية للرياضة الأكثر شعبية مرت بالكثير من التغييرات والتطورات حتى استقرت على شكلها الحالي، ومن هذه التطورات إدخال الكروت الملونة (الأحمر والأصفر) إلى اللعبة في قرار وضع ضوابط كثيرة ساهمت في حل مشاكل وخلافات كانت تحدث في كل مباراة تقريباً، ومنذ سبع سنوات أدخل كرت جديد بوظيفة جديدة هو الكرت الأخضر ورغم ندرة إشهاره إلّا أن الغرض منه لا يقل أهمية عن أشقائه، واليوم سنتعرف على هذا الغرض إضافةً إلى استعراض بدايات استخدام البطاقات الملونة واستخداماتها.

ففي عام 1966 كان عضو لجنة الحكام في الاتحاد الدولي لكرة القدم المدرّس الإنكليزي كين أستون، الذي دخل التحكيم عام 1960، قد اضطر في عدة مواقف للتدخل إلى جانب حكام المباريات في كأس العالم، لمساعدتهم في تهدئة اللاعبين، وقد تبادرت إليه فكرة الكروت الملونة خلال قيادته السيارة، من خلال مراقبته للإشارة الضوئية، حيث يكون الضوء الأصفر للتنبيه والأحمر للوقوف، وهذه الألوان لا تحتاج إلى لغة يستخدمها الحكم بل سيفهمها الجميع، وقرر عرضها فوراً على الفيفا ليتقرر اعتماد البطاقتين رسمياً في مونديال المكسيك عام 1970،وتتطور بعدها بمرور الزمن وتراكم التجربة التحكيمية في كرة القدم، لغة متكاملة لتوضيح قرارات الحكام للاعبين دون اللجوء لاستعمال الكلمات.

ومن أشهر المباريات التي كانت سبباً رئيساً في تفكير أستون بالكروت الملونة، ما يعرف بموقعة سانتياغو التي حدثت أثناء منافسات مونديال 1962، وتحديداً في 2 حزيران بين تشيلي المضيفة وإيطاليا في العاصمة التشيلية سانتياغو، وتعتبر من أكثر المباريات عنفاً في تاريخ كأس العالم لكرة القدم، في لقاء انتهى بفوز المنتخب التشيلي بنتيجة بهدفين دون رد، ويرجع سبب هذا التوتر إلى الهجوم الشنيع الذي شنته الصحافة الإيطالية على تشيلي وتنظيمها للبطولة، حيث قام الصحفيان الإيطاليان انطونيو شيريللى وكورادو بيزينيللى، بالكتابة عن فشل تشيلي في استضافة منافسات كأس العالم لكرة القدم 1962 وأن تشيلي لا تستحق تنظيم البطولة بسبب فقرها وجهلها وجشع تجارها وتخلف شعبها، ما آثار غضب وحفيظة جماهير تشيلي، خاصة أن سبب هذا الاستعداد غير الكامل يرجع إلى زلزال فالديفيا 1960 والذي يعتبر أقوى زلزال حدث في تاريخ البشرية.

أما البطاقة الخضراء فتعود فكرتها إلى العام 2015، حيث فكر مجموعة من الحكام الطليان في ابتكار شيء مشابه للمكافأة، لتعزيز الأخلاق الحميدة وتشجيع اللاعبين على المبادرة والاعتراف بالخطأ، على اعتبار أن البطاقات الصفراء والحمراء للعقوبة على العنف وسوء الأخلاق في المباراة، وككل فكرة جديدة واجهت انتقادات ومخاوف، فقد رجح كثيرون أنها ستزيد من تعقيد كرة القدم، وأول ظهور معروف للبطاقة كان في دوري الدرجة الثانية الإيطالي، في المباراة التي جمعت بين فريقي فيتشينزا وإينتلا، وحصل عليها اللاعب كريستيانو جالانو بسبب إخباره الحكم بأن الركلة الركنية التي احتسبها لمصلحته ليست صحيحة، وقتها صرح أندريا أبودي رئيس رابطة الدوري الإيطالي أن هناك من أساء فهم البطاقة الخضراء، فهي تحمل قيمة رمزية فقط، دون أن يترتب عليها أي قوانين أخرى، وإلا سيضطر الاتحاد الدولي لتغيير قواعد اللعبة، وأوضح أن الفكرة ناتجة عن لجنة القيم والأخلاق.

وتكمن أهمية البطاقة الخضراء في التركيز على زيادة السلوك الإيجابي بدلاً من التركيز فقط على التقليل من السلوك السلبي، ما يساهم في تنمية الروح الرياضية لدى اللاعبين وتحفيزهم على الظهور بأفضل صورة ممكنة للحصول عليها.

لكن هناك استخدام آخر مغاير لهذه البطاقة ظهر في الظهور الأول الفعلي لها من قبل أحد حكام بطولة كأس العالم لكرة القدم للأقاليم “كونيفا” في العاصمة الإنكليزية لندن، وهي بطولة كرة قدم دولية للدول غير تابعة للفيفا مثل الأقاليم والدول غير المعترف بها بالبطولة، واستعمل الحكم وقتها البطاقة مرتين خلال المباراة التي جمعت فريقي بادانيا ضد توفالو، وأشارت البطاقة الخضراء إلى الإجراء التأديبي الشمولي، وتعني أن اللاعب الذي يستحق البطاقة عليه مغادرة الملعب مع إمكانية استبداله بلاعب بديل إن كان متوافراً، كما أن اللاعب الذي حصل على البطاقة لا يستبعد من المباراة القادمة لفريقه.

ويأتي هذا الاستخدام نتيجة الجدل الذي أثاره استخدام البطاقات الحمراء على مدار التاريخ وأحقيتها في استبعاد لاعبين عن أرض الملعب وحرمانهم من المباريات التالية لفريقهم بسبب غضبهم لأسباب مبررة أو غير ذلك، خاصةً إن كان ذلك في آخر عشر دقائق من وقت المباراة، من أجل ذلك، كان لا بد من إيجاد حل بديل عن البطاقات الحمراء يكون مناسباً للعقوبة لكن أقل ضرراً على اللاعبين، حيث تُستعمل البطاقة الخضراء لمعاقبة اللاعبين لكن بوتيرة أقل قسوة من الحمراء.

وربما يكون الاستخدام الثاني أكثر واقعيةً وتأثيراً من الأوّل الذي يبدو غير ذي أهمية فعلية على أرض الواقع، رغم أن أغلب الحكام في الدوريات الكبرى لا يملكون كروتا خضراء ورقية، إلا أنها تكتب في تقارير المباريات ويتم مكافأة اللاعب الأكثر حصولاً على الكروت الخضراء في نهاية الموسم.

لذا تبقى الكرة في ملعب الاتحاد الدولي للعبة، رغم عدم وجود ما يوحي بإقرارها كقانون ثابت في الكرة، إذ لم ياتي على لسان الفيفا ومسؤوليها أي تصريح أو تسريب يفيد بأنه يجري دراسة فكرة البطاقة الخضراء، لكن بما أن الفكرة طبقت فمن المؤكد أن هناك من يراقب نتائجها في الاتحاد الدولي، ومن الممكن أن ترفع البطاقة الخضراء في حال أقرت من قيمة مسيرة اللاعب الاحترافية، مثلما تقلل البطاقات الحمراء والصفراء من قيمة مسيرة بعض اللاعبين، وطبعاً هذا الأمر إذا كان الغرض منها المكافأة وليس العقوبة المخففة عن البطاقة الحمراء.