أخبارصحيفة البعث

الهند تحيي عيد استقلالها الخامس والسبعين باحتفالات عمّت شبه القارة

البعث – وكالات:

أحيت الهند اليوم عيد الاستقلال الخامس والسبعين باحتفالات عمّت معظم أرجاء شبه القارة الهندية حيث رفع العلم الهندي في جميع الولايات.

وفي العاصمة نيودلهي رفع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي العلم على القلعة الحمراء الشهيرة بحضور عدد كبير من كبار المسؤولين ورؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية.

وأكد مودي في كلمة له حرص حكومته على تحقيق تطلعات الشعب الهندي والتصدّي للتحدّيات الصعبة التي تواجه البلاد.

وحثّ مودي الشباب على القيام بدورهم تجاه بلدهم وقال: “الهند سوف تحقق طموحاتها وتصبح دولة متقدمة خلال الخمس والعشرين سنة القادمة”.

ونالت الهند استقلالها عن الاستعمار البريطاني في عام 1947 وأعلنت كجمهورية في السادس والعشرين من كانون الثاني 1950.

 

الهند قارة كاملة في دولة

ولابدّ من الحديث عن عمق حضارة وادي السند الهندية التي تمتدّ إلى سبعة قرون، حيث كانت الهند منذ نحو ألفي عام تساهم بثلث الناتج العالمي، وخلال العصور الوسطى شهدت العديد من الإمبراطوريات المجيدة والحضارات العظيمة المنتشرة عبر ملايين الأميال تحت حكم الأباطرة المستنيرين.

وفي الربع الأخير من الألفية الماضية تعرّضت الهند لتأثير شركة الهند الشرقية لمدة قرن تقريباً خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. بعد ذلك أجبر تمرّد الجنود الهنود في عام 1857 البريطانيين على وضع الهند مباشرة تحت التاج البريطاني لمدة تسعين عاماً أخرى، حيث كان يشار إليها غالباً باسم “جوهرة التاج البريطاني”.

وقبل مغادرة الهند بشكل نهائي قام البريطانيون بتقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين في ثلاثة أقسام.. الهند وباكستان الغربية وباكستان الشرقية “بنغلاديش حالياً”.

وكان عدد سكان الهند آنذاك 330 مليوناً وكان الناتج المحلي الإجمالي 2.7 تريليون روبية هندية أي فقط 3 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي، وهكذا فالبلد الذي كان يمثل ثلث الناتج العالمي لألفي عام قد جفّ على يد أسياد الاستعمار.

وشهدت الهند المستقلة سبع عشرة انتخابات برلمانية حرة ونزيهة مع خمسة عشر رئيساً للوزراء أمسكوا بزمام الأمور، حيث ساهم كل منهم في نمو واستقرار وتنمية الأمة الهندية ومجتمعها واقتصادها.

وفي السنوات الخمس والسبعين منذ الاستقلال تفاوضت الهند على رحلة صعبة وغادرة في بعض الأحيان مليئة بخمس حروب 1948 و1962 و1965 و1971 و1999 وتواجه تكرار الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والمجاعات والجفاف والأوبئة.

شهدت الهند تطوّراً ملحوظاً في قطاعات مختلفة كالزراعة والصناعة والخدمات، ونجت من جائحة مدمّرة نادرة لـ كوفيد 19 في هذا القرن وانكمش اقتصادها بنسبة 7.3 بالمئة في السنة المالية 2020-2021 وقد يكون من العزاء أن هذا الانكماش كان أقل من الاقتصادات الكبرى الأخرى.

ويبلغ عدد سكان الهند نحو 1.1 مليار نسمة، مع تعدّد كبير في الأعراق والأديان، وفي وقت الاستقلال توقع الكثيرون أن الهند سوف تنقسم إلى أجزاء على أساس الطائفة والعقيدة والقبيلة واللغة والثقافة وما إلى ذلك، لكنها ظلت موحّدة وأقوى من أي وقت مضى.

وفي الهند الآن ثورة هادئة تجري في مجال التكنولوجيا والرقمنة والابتكار بقيادة الشركات الهندية الشابة التي أعطت حملة الاعتماد على الذات زخماً لها.

وفي عام 2011 كان لدى الهند 55 مليارديراً بثروة تراكمية قدرها 256 مليار دولار أمريكي كانت تعادل 13.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للهند. وبعد عشر سنوات في عام 2021 أصبح في الهند 140 مليارديراً بثروة تراكمية 596 مليار دولار أمريكي تعادل 19.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي وقت الاستقلال كانت الهند سادس أكبر اقتصاد في العالم.

وفي عام 2021 احتفظت بنفس الترتيب الذي لا يعني الإنجاز مع تضاعف عدد سكان الهند بأكثر من أربعة أضعاف.

وأصبحت الهند وجهة استثمارية مفضّلة حيث حصلت على أعلى تدفق سنوي للاستثمار الأجنبي المباشر الذي بلغ 83.57 مليار دولار في السنة المالية 2021-2022 على الرغم من الوباء.

وأصبحت برامج الكمبيوتر والأجهزة هي القطاع المتلقي الأول لتدفق حقوق الملكية الأجنبية المباشرة بنسبة 25 بالمئة، ما يشير إلى أن الهند تحتل مكانة بارزة بالنسبة للمستثمرين مع انتقال الثورة الصناعية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي إلى مدار أعلى.

ولأول مرة وصلت الصادرات الهندية من السلع والخدمات إلى أكثر من 600 مليار دولار خلال 2021-2022 على الرغم من المشكلات العالمية وقيود العرض بسبب الوباء والحرب الأوروبية الآسيوية المستمرة.

وعلى الرغم من كل ذلك لا يزال لدى الهند عدد كبير من السكان يعيشون تحت خط الفقر ولا يستطيع القطاعان الرسمي وغير الرسمي استيعاب العدد الكبير من الشباب المتعلمين الذين يتخرّجون في الكليات، كما تظل العوامل الخارجية والداخلية تطارد مؤسسة السياسة في جهودها لتحقيق معدل نموّ إجمالي للناتج المحلي من رقمين وهو ما تحتاج إليه الهند الآن.

ومع ذلك فإن الهند تتمتع أيضاً بالعديد من المزايا كمتوسط عمر أقل من 30 عاماً وحكومة قوية تتمتع بالتركيز وسوق متنامية وشباب هندي مبدع.

سياسياً ومع انقسام العالم إلى تكتلات سياسية كان هذا الأمر صعباً مع تقسيم العالم إلى خصوم الحرب الباردة، ولم يكن بإمكان الهند المشاركة فيها ولم تقف الهند بل ساعدت في تحرير عدد كبير من الدول المستعمرة وخلقت طريقاً ثالثاً بقوة أكثر إنصافاً بشكل “حركة عدم الانحياز” لخدمة المصلحة الوطنية وقضية السلام والتنمية وخاصة للعالم النامي والمتخلف، وأصبحت نصيرة لحقوق المظلومين في المحافل الدولية أثناء قيامها بالتزاماتها بصفتها جهة فاعلة دولية مسؤولة وصوتاً للعقل.

وبرزت الهند أيضاً كقوة نووية وفضائية ذات مصداقية في العالم بوجود أدوات تستخدمها من أجل المصلحة العالمية.

وتطالب الهند بمكان في مجلس الأمن الدولي بناء على أوراق اعتمادها وفي الوقت نفسه تواصل لعب دور القيادة العالمية كصوت للبلدان النامية سواء كان ذلك حول حقوق الملكية الفكرية للقاحات أو في مفاوضات منظمة التجارة العالمية بشأن صيد الأسماك والزراعة وإصلاح المؤسسات المتعددة الأطراف، كما أن الهند تعدّ في صدارة الجهات التي تحارب تغيّر المناخ.. وكان “التحالف الدولي للطاقة الشمسية” و”ائتلاف البنية التحتية المقاومة للكوارث” و”صحة كوكب واحد” مبادراتٍ أطلقتها الهند مع المجتمع العالمي ومن أجله حيث ظهرت كأول المستجيبين في حالات الأزمات من الكوارث الطبيعية إلى الجائحة.

ومن خلال التركيز الواضح على التعددية وأسبقية ميثاق الأمم المتحدة تتنقل الهند في سياستها الخارجية والأمنية بكرامة وثقة حيث تعمل مع شركاء متنوعين عبر مجموعات مختلفة مثل الرباعي ومجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة العشرين والإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ حيث باتت محوراً وتوفر لها سياسة الجوار وعلاقاتها نقطة ارتكاز فعالة للشراكات المتبادلة المنفعة.

ومع ظهور نظام عالمي جديد من الاضطراب والانتقال، فإن الهند أبدت استعدادها لتولي دور قيادي خلال الأعوام الـ25 المقبلة مع نظام حكم قوي واقتصاد أقوى وسياسة خارجية فعّالة تتسم بالقوة موجّهة نحو تحقيق نتائج جيدة عالمياً.