استمرار ارتفاع الأسعار بالتوازي مع تقاذف بالمسؤوليةبين النفي والصد والرد..المواطن هو الحلقة الأضعف والسكر يكشف المستور..!.
البعث الأسبوعية – محمد العمر
ارتفاعات سعرية طالت جميع المواد الغذائية وغير الغذائية لم يسبق لها مثيل في ظل تقاذف التهم والمسؤولية بين حلقات ثلاث “التاجر – المواطن–الحكومة”.. ارتفاعات لم تجد من يوقفها، البعض قال عنها:”إنها فقاعة صابون”، والبعض الآخر يحاول شرعنتهاوالقبول بها كأمر واقع عبر قرارات حكومية اتصفت بالمستعجلة وغير الحكيمة، وهناك من ربطها بأزمة عالمية وليست محلية.. كل ذلك في وقت تذهب به الحكومة لتخفيف حد الوطأة قليلاً على المواطن وتطمأنه بانفراجات قريبة كما حدث مع وصول التوريدات من المشتقات النفطية التي ستعيد الأمور لنصابها والأسعار إلى وضعها، ولكن للأسف لم ينفرج شيء من هذا القبيل الى الآن.!.
وصلت الأسعار لمستويات قياسية فقد تجاوز سعر كغ السكر الـ5000 ليرة بعد أن كان قبل نهاية شهر تموز بحدود الـ4000 ليرة في أسواق دمشق، ووصل سعر كغالمتة إلى 20 ألفاً في ضواحي دمشق، في حين كان يباع بحدود الـ16 ألف ليرة، يأتي ذلك وسط ضعف الرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص، ووصول التضخم بالأسواق الى نسب كبيرة في ظل عدم قدرة كثير من العائلات على تأمين احتياجاتها، ليضحي أدنى قيمة لتأمين ما تحتاجه عائلة مكونة من خمسة أشخاص حوالى 1.5 مليون ليرة سورية شهرياً..!.
ياسر إكريم عضو غرفة تجارة دمشق وصف ارتفاع الاسعار بالأسواق اليوم بفقاعات الصابون فارتفاعها لا مسوغ له خاصة أن سعر الصرف مستقر نسبياً وما انتابه من تغير فهو طفيف جداًولا يؤثر على أسعار السلع، لكن ما حصل هو عدم توفر بعض المواد مثل السكر والزيت والمتة بشكل جيد ما أدى بالنتيجة لارتفاع أسعارها، معوّلاً على وجود عقودلتوريد المواد الغذائية، لكن الأسعار برأيه ما زالت مرتفعة ربما لان انعكاسات هذا الاتفاق لم تظهر بعد في الاسواق.
والمفاجأة أن هناك من التجار من وضح لنا استغرابه وتبرير ما يجري في ظل دوامة الأسعار المهلكة التي لم تشهدها البلاد منذ فترة طويلة،فالصراعات الدولية والتوترات الجيوسياسية والاقليمية حسب زعمهم كان لها تأثيرها المباشر على ما يجري اليوم، فالسكر والرز وبقية الحبوب والزيت ارتفع سعرها عالمياً وليس لدينا فقط، بالتالي كان انعكاس ذلك جلياً على أجور الشحن والنقل والتوريد من الخارج، فكانت هذه الاسعار قاسية على كاهل المواطن، وهذا ما يفسر حسب قولهم تأخير شحن مادة الرز من جهة والعقوبات الاقتصادية كإيجاد شحن المواد من جهة أخرى.
واستغرب رئيس اتحاد غرف التجارة أبو الهدى اللحام من نظرة الاخرين للتاجر على أنه هو السبب بما يحدث من ارتفاعات، موضحاً ان اتحاد غرف التجارة بالتعاون مع التجارة الداخلية سياسته وهدفه الأساسي تخفيض الأسعار والبيع بالسعر المناسب لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين، مشيراً الى أن ما نشهده اليوم هو طفرة بالأسعار ولاسيما بالمواد الغذائية بسبب قلة المحروقات وارتفاع التصنيع والتوريد، وارتفاع أجور النقل عالمياً خاصة أن أجور شحن الحاوية تصل بعض الأوقات لما يعادل سعر المادة المستوردة ما يعني مضاعفة الكلفة للمنتج.
كما لم يجد عضو غرفة التجارة دمشق محمد الحلاق أيضا أي مسوغ لارتفاع هذه الأسعار خاصة أن عوامل ارتفاع الاسعار تجتمع سوية في خانة واحدة ومنها العبء الضريبي والارتفاع الكبير في حوامل الطاقة ونفقات اليد العاملة وتكاليف الإنتاج والتي أدت الى ارتفاع الأسعار بعد أن زادت وأثرت بشكل لا يستهان به على السعر الاسترشادي للمادة المباعة.
وجهة نظر!
الخبير الاقتصادي مروان زنبوعةأكد أن هناك بعض التجار من يلجأ للأسف إلى استغلال رفع الدعم ورفع الأسعار لتعويض خسائره، ويمكن القول:إن الأسعار ارتفعت وحلقت بعد بدء مفعول قرارات الاستبعاد من الدعم الحكومي، والحقيقة كان هناك ارتفاع غير مقبول قبل صدور القرار لكن بعد استبعاد شرائح وفئات خرجت الاسواق عن السيطرة أكثر وارتفعت الاسعار بنسبة ٥٠ بالمئة، فالتاجر رفع سعره بعد الاستبعاد والطبيب والمحامي كذلك والمهن الحرة،ولجأ البعض من التجار لتبرير الرفع بالشحن والنقل وحوامل الطاقة، كما طال مواد الفروج والبيض وغيرها من المواد المنتجة محلياً، معتبراًأن المواطن هو الخاسر الوحيد، فارتفاع سعر أي مادة في السوق ستكون بالمحصلة فوق قدرة المستهلك على الشراء في ظل رواتب وأجور ضعيفة،وبالتالي ما سيؤدي إلى كساد المادة وعدم تصريفها، وبالنهاية إغلاق المنشأة..!
بينما نفى عضو لجنة تجار ومصدّري الخضار والفواكه بدمشق محمدالعقاد أن يكون هناك أي تأثير لقرار الاستبعاد من الدعم الذي شمل نسبة من التجار على أسعار الخضار والفواكه، مؤكداًأن الأسعار اليوم بشكل عام غير معقولة وغير منافسة، مشيراً إلى أننا نشهد اليوم طفرات بالأسعار ولاسيما على المواد الغذائية بسبب ارتفاع أجور النقل وقلة المحروقات عالمياً وارتفاع التصنيع والتوريد وغيرها، ومن ناحية ارتفاع الخضراوات قال العقاد:إن التوريدات إلى السوق المركزية ضعيفة بنسبة متدنية، حتى إن أسعار مبيع الخضار لا تكاد تغطي تكلفتها في ظل سعر تكلفة مازوت لليتر الواحد لا يقل اليوم عن 5 آلاف ليرة سورية.
وذهب غيره ليجد أن الدعم لابد من الوصول لمستحقيه بشكل مدروس ،لكن قرار الدعم عن بعض التجار خلق نوعا من الانعكاس على الاسعار ورفع التكلفة على المنتج ، وهذا ما أكده الحلاق حين دعا إلى رفع الدعم عن الجميع وتقديم الأولوية للمستحقين، لأن هناك شرائح لا تستحق باعتبار أن أوضاعها جيدة خاصة التجار من الفئة الرابعة متوافقاً الحلاق مع فكرة الاخرين أنه ليس كل الناس يحتاجون إلى الدعم.
استنتاج منطقي..!
ما يحدث اليوم من ارتفاعات شاقولية لأسعار السكر على سبيل المثال يشبه إلى حد كبير ارتفاعات مادة الفروج من عدم القدرة على ضبطها على الرغم من طمأنة وزارة التجارة الداخلية للمواطن بعودة الاسعار قريباً لهاتين المادتين،وأن ما جرى لارتفاع السكر حسب قول دائرة العلاقات العامة بالوزارة هو أن هذه المادة تخضع لأسعار البورصة العالمية وهناك أجور الشحن والحصار المفروض على سورية،كل هذه الأسباب أدت إلى ضعف التوريدات في الفترة الماضية متوقعة الوزارة حسب المعطيات بانخفاض سعر مادة السكر في الأيام القليلة القادمة بعد وصول التوريدات الجديدة.
لكن بات من الواضح حسب قول مراقبين:إن التسعيرة الجديدة للسكر التي أصدرتها وزارة التجارة الداخلية بـ4400 للسكر الأبيض المعبأثم خفضتها إلى ٣٩٠٠ ليرة، قد كشف المستور من قبل رجل أعمال حين قال:إن التكلفة لوصول السكر الى الميناء هو أقل بكثير ليكون الكلام مغاير لحسابات التجارة الداخلية، مما يقودنا إلى الاستنتاج أن الأسعار التي تحدث بالأسواق هناك من يرشدها ويشرعنها،سيما بعد أن كان السكر منذ عامين بـ500 ليرة للكيلو الواحد ليصل اليوم لسعر ٣٩٠٠ ليرة، وأنه بمجرد أن صدرت اللائحة الاسترشادية في الجمارك للمواد السكر والزيت والرز مؤخراً حتى اختفت المواد وخاصة السكر، فليس مصادفة حسب قولهم أن تخرج وزارة المالية بقرار اللائحة الاسترشادية لمواد السكر والرز والزيت في 24 تموز وتختفي هذه السلع فجأة بنفس اليوم وتباع بأسعار قياسية، فأصبح السعر الاسترشادي لزيت دوار الشمس الخام بألف وخمس مائة دولار أمريكي للطن الواحد، وزيت النخيل الخام بـ1300 دولار للطن الواحد، ومادة السكر الأبيض بـ600 دولار أمريكي للطن، حيث أن الجمارك وفق قول اقتصاديين تعمل على احتساب الرسوم على المستوردة بموجب السعر الاسترشادي لها، كما تعمل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على السعر الاسترشادي في احتساب بيانات التكلفة لتسعيرها مختلف المواد قبل طرحها في السوق.
مطلب حق..!
للدلالة.. لا يوجد هناك مادة غذائية أكثر وضوحاً هي اليوم من الارتفاع الصاروخي لمادة الفروج التي تصل هي وأسعار البيض لأرقام فلكية لم تشهدها الأسواق من قبل وهي سابقة من نوعها بهذه القيمة السعرية،فصحن البيض يصل لأكثر من 16 ألف ليرة سورية، ومتوقع حسب قول التجار أن تصل إلى 20 ألف ليرة سورية، وهذه المادة بالذات كشفت حقائق كثيرة عن الجهة المعنية بهذه الفوضى السعرية،لنشهد اليوم تبادل بالاتهامات بين التجار والمربين وحماية المستهلك التي هددت مؤخراً بأن أي زيادة في أسعار المواد الغذائية تعرض صاحبها للعقوبات وفق المرسوم رقم 8، لكن الغريب هذه التهديدات لم تجلب نتيجة،فأحد المربين للفروج قال لنا: من سيعوضنا عن خسائرنا، فنحن أيضا أرباب أسر ولدينا أطفال ومجرد تعويض الدولة لناهو وعود وكلام لا أكثر…!
وبين هؤلاء وهؤلاء، والتقاذف بالمسؤولية، والصد والرد، تبقى الأسواق بلا ضابط ليكون هناك من يبدي تشاؤمه وقلقه من تواصل الارتفاعات بشكل كبير ودون هوادة في ظل تسعيرة وزارية رسمية لا أحد يعمل بها من جهة، وتدني الدخل وضعف الأجور من جهة أخرى والبقاء بالتالي من استمرار دوران المواطن بحلقة مفرغة لا جدوى منها ..!