مجلة البعث الأسبوعية

البعث وتحدي تجديد الخطاب

د. خلف المفتاح

تجديد الخطاب الحزبي سؤال مهم ومشروع لجهة أنه ضرورة تستدعيها مسيرة عمل الحزب وقدرته على الاستمرار في قيادة السلطة والجماهير وامتلاك مشروع يتجدد ويتطور مع حاجات المجتمع وضرورات الحياة، إضافة لما يفرضه الواقع من تحديات فكرية واجتماعية واقتصادية وغيرها. ولعل ورود مسألة تجديد الخطاب الحزبي في حديث سابق للرفيق الأمين العام للحزب، بشار الأسد، لصحيفة “الوطن” السورية، أوجب علينا وضعه على طاولة الحوار والنقاش لتحديد معناه ودلالاته، وبالتالي نتعامل بفعل، وليس برد فعل على الشارع السياسي، علما أن تطوير وتحديث الخطاب الحزبي كان حاصلا لأنه يرتبط بموقع الحزب ودوره في قيادة البلاد، وأنه بالنتيجة يعبر عن سياساته وبرامجه وخططه الراهنة والمستقبلية ورسالته الحاضرة والمستقبلية. ولا بد من الإشارة إلى أن تطوير الخطاب الحزبي خطوة أساسية لصياغة خطاب وطني يشارك فيه السوريون على تنوعهم، خاصة بعد الأزمة وما تفرزه من تحديات ومسؤوليات، وهذا بلا شك يستدعي إلى جانب ذلك تطوير الأدوات والآليات، والأهم من ذلك الانسجام مع الخطاب على المستوى المؤسساتي في الحزب والدولة. ولعل تجديد الخطاب وتطويره يمنحه قوة دفع إضافية على فرض تحوله إلى إنجاز يلمسه الجمهور، وهذا يرتبط بتطوير سياسات الحزب التي من سمتها التطورية والاستجابة للواقع والتحديات، وهذا يحتاج إلى تسويقه وحسن تقديمه بأدوات جديدة لأن الأحزاب السياسية التقليدية لم تعد اللاعب الوحيد في الساحة الاجتماعية، فثمة تنظيمات مدنية وأهلية بدآت تجد مرتسمات وصدى وحضورا لها يتقدم على الأساليب النمطية الذي تقوم بها بعض الأحزاب التي لم تطور آليات وصيغ عملها وتواصلها التقليدي مع منتسبيها .

وبداية، لا بد لنا من تحديد المقصود بالخطاب الحزبي كمدخل للحديث عن تطويره. ولا شك أننا نقصد بالخطاب الحزبي خطاب حزب البعث العربي الاشتراكي الذي هو – من وجهة نظرنا – الرؤية والمشروع والرسالة التي تحملها مبادئه واستراتيجياته الراهنة والمستقبلية، ويعمل ويسعى لتسويقها ونشرها وتطبيقها على أرض الواقع من خلال مفاصل عمله وقيادته للمجتمع والدولة، وهي ما يتضمنه دستوره، وما ورد في وثيقته الفكرية “بعض المنطلقات النظرية”، ومقررات مؤتمراته وتوصياته والأفكار التي قدمها القائد المؤسس حافظ الأسد والرفيق الأمين القطري للحزب، السيد الرئيس بشار الأسد، والرؤى التي تطرحها قيادة الحزب ومفكروه، وهو بلا شك لا يمكن أن يكون خطابا دعائيا أو تأمليا أو رغبويا أو تعريفيا، لأن الحزب الذي يقود السلطة والشارع لا ينظر إلى جاذبية الخطاب وإنما إلى تحوله إلى إنجاز أو سلوك أو موقف، وهم من ذلك تمثله من مطلقيه، وهو كأي خطاب له فلسفة وإيديولوجيا ينتمي إليها ويعكسها في سياساته وبرامجه وهو خطاب قومي علماني تنويري تقدمي وإنساني واشتراكي الصبغة، ويتجه نحو خدمة الطبقات الكادحة وتحقيق العدالة الاجتماعية، فهو خطاب ينحاز للفقراء من عمال وفلاحين وصغار كسبة وعسكريين ومثقفين ثوريين، وهو خطاب منفتح باتجاه القوى السياسية والاجتماعية، ويؤمن بفكرة الشراكة، إضافة إلى أنه خطاب عربي النشأة والتكوين وقومي الفضاء وعابر للطوائف والمذاهب والأعراق، وغيرها من الانتماءات الضيقة، ويؤمن بفكرة المواطنة، وهذا واضح في دستوره، فالعربي من كانت لغته العربية، وحق الانتساب للحزب هو حق لكل مواطن يعيش في الوطن العربي بعيدا عن جذوره العرقية وغيرها.

وهو خطاب فيه الثابت والمتحول، ويرتبط بظروف البلاد والمجتمع وحاجاته للتطوير، لذلك يمكننا الحديث عن محتوى الخطاب وفق شروط تطور تجربة الحزب في سورية، فخطاب ما قبل الثورة هو خطاب ركز على تسويق أهداف الحزب ومواقفه، وخاصة الوحدة العربية ومحاربة المشاريع الخارجية وقضية فلسطين وقضايا التحرر، أما خطاب ما بعد ثورة أذار وحتى قيام الحركة التصحيحية فهو خطاب إيديولوجي ركز على تمكين الطبقات الكادحة اقتصاديا ومجتمعيا وتغيير الخريطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في سورية بما ينسجم مع إيديولوجية الحزب، مع التأكيد على الصراع الطبقي وتعزيز سلطة الحزب في الدولة والمجتمع ومواجهة القوى الرجعية داخليا وخارجيا. أما الحركة التصحيحية التي قادها المؤسس حافظ الأسد فقد جاءت بخطاب يمكن وصفه بخطاب التصحيح، حيث كان خطاب الواقعية السياسية والانفتاح على القوى السياسية الوطنية، خطاب الوحدة الوطنية بدل الصراع الطبقي، ومفهوم وصيغة التضامن العربي بدل التقسيم الوظيفي (رجعي وتقدمي)، وخطاب التعددية السياسية والاقتصادية، خطاب دولة المؤسسات الدستورية، والانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية. وعلى صعيد الأهداف التاريخية للحزب، وهي الوحدة والحرية والاشتراكية، فقد كان خطابا نقديا لفكرة الوحدة والتفاعل بين الأهداف مع مقاربة واقعية لفكرة الوحدة العربية بتجاوز طبيعة النظام السياسي؛ وشكلت الكلمة المهمة للقائد المؤسس حافظ الأسد، في الموتمر القومي الثاني عشر عام ١٩٧٥، تحولا أساسيا في نظرة الحزب لآليات تحقيق أهدافه اتسمت بالعملانية والواقعية، بعيدا عن عصاب إيديولوجي يعيش عالما حالما بعيدا عن الواقع، وقد أثمرت تلك الواقعية في تعزيز مكانة سورية العربية والإقليمية والدولية، وفتح آفاق واسعة للتضامن العربي، والدفع باتجاه هدف الوحدة العربية .

وبعد رحيل القائد المؤسس، دخلت سورية فضاء متجددا حمل مشروعا فكريا مستمدا من من فكر البعث وأدبيات التصحيح، مضافا إليه رؤية تطويرية ونقدية لصيغ وآليات العمل ومقاربة الأفكار بعقلانية ومنهج تحليلي علمي حمله السيد الرئيس بشار الأسد، ويمكن وصفه بأنه خطاب التطوير والتحديث أكد على مسألة أن البعث هو طريقة تفكير وذهنية وليس تمترسا جامدا حول عناوين فكرية، فلا بد من نقد الواقع بهدف تطويره وهذا يستدعي توسيع المشترك السياسي والتعددية الاقتصادية والإعلامية والانفتاح على القوى السياسية الصاعدة واستيعابها في فضاء ديمقراطي يجدد في الحوض السياسي الذي عانى من الانسداد والتكلس مع مساحات واسعة لحرية صحافة وإعلام خاص ووطني، ويمكن وصف خطاب التطوير والتحديث بأنه :

– خطاب الانعتاق من الحزبية إلى الوطنية فالحزبي الجيد هو هو المواطن الجيد.

– خطاب الانفتاح على المجتمع المدني.

– تبني اقتصاد السوق الاجتماعي على قاعدة أن القطاع العام هو مصلحة اجتماعية وليس إيديولوجيا.

– الربط بين العقيدة والمصلحة.

– الالتزام هو سلوك والتزام بقصايا الناس والتركيز على الدور الاجتماعي والخدمي للحزب.

– العلاقة بين الحزب والسلطة تحكمها المصلحة العامة والتنمية.

– إطلاق الحوار داخل الحزب وصولا للحوار مع القوى السياسية.

– التركيز على العمل المؤسساتي والشفافية في السلوك.

– مقاربة الفساد برؤية تحليلية.

– التركيز على الشباب كقوة تغيير في المجتمع.

– مقاربةً أفكار الحزب مقاربة واقعية وإعادة تفعيل الحياة الديمقراطية داخل الحزب من خلال المؤتمرات والانتخابات الدوريةً.

– تكريس ثقافة المعايير والرقم في حياة المؤسسات الحزبية والسلطوية.

– طرح الأفكار الجديدة وتجديد القديم وتحديثه.

– الفكر الديمقراطي هو الأساس أي الثقافة الديمقراطية وليس فقط المؤسسات.

– التنمية المتوازنة بين الأقاليم وبين الريف والمدينةً.

– الدفع بالقيادت التي تحمل أفكار الحزب التطويرية لتكون المنفذ لها في المؤسسات فالعبرة ليست بعدد ممثلي الحزب وإنما بكفاءتهم .

– خطاب الانفتاح على التيارات الدينية غير المتطرفه (إسلام بلاد الشام).

وإضافة إلى ما تقدم، فقد اتسم خطاب التطوير والتحديث بتركيز واضح على الآليات والأدوات والنتائج، وبقدرة فائقة على تحويل المجرد إلى محسوس، واعتماد أدوات القياس في المردود وعقلنة الخطاب الحزبي والربط بين الفكر والممارسة، والابتعاد عن النمطية في التفكير والأداء على مستوى المؤسسات الحزبية والسلطوية، واعتماد المعايرة الموضوعية في اسناد المسؤوليات، أو الإعفاء منها. وانطلاقا من قاعدة أن الخطاب الحزبي يرتبط بالظررف السياسية والاحتماعية والاقتصادية، كان لا بد من حديث عن خطاب الأزمة، وهو السياق الطبيعي بالنظر إلى الظروف التي تمر بها البلاد من عدوان خارجي وإرهاب منظم. وهنا تجدر الإشارة إلى خطاب الأزمة الذي يمكن وصفه بأنه ركز على النقاط التالية :

– أن ما حدث كان بفعل خارجي وارادة غير وطنيةً.

– أنها موامرة معدة مسبقا.

– أن ما يجري هو إرهاب موصوف.

– الوعي الوطني هو الأساس في مواجهة مشروع الفتنة وإخماده وإفشاله.

– رفع المنسوب الوطني وأن الحرب حرب الوطنيةْ بمواجهة الشرذمة والتفكيك.

– تعميق الإصلاح كمطلب جماهيري، وكذلك توسيع دائرة الحوار الوطني.

– تحديد رؤية وطنية لحل الأزمة والتمسك بالثوابت الوطنية.

– أن المصالحة الوطنية مصلحة وطنية وسياق أساسي في المواجهة والانتصار.

– الحوار السوري السوري طريق وحيد للحل والانفتاح على المبادرات.

– تكريس وتعزيز فكرة التنوع السوري على كل المستويات.

– إطلاق الطاقات الوطنية والمنظمات غير الحكومية.

– مواجهة محاولات تشويه صورة سورية الحضارية وصورة الحزب وتحميله مسؤولية ما جرى مع تنكر لإنجازاته والهجوم على الفكرة القومية والسعي لإخراجها من التداول ومحاولة الفصل ما بين الوطني والقومي. وهنا، تصبح مهام الحزب والقوى القومية تظهيرا لجوهر الفكرة السورية الحضارية والفكرة الوطنيةً كمدماك أساسي في مقاربة الفكرة القومية والدفع باتجاهها بصورة عملية، لأنها ضرورة وحاجة ومصلحة للجميع وليست ترفا أو رومانسية سياسية .

ونختم بالقول إن تطوير الخطاب الحزبي هو مسؤولية وطنية يشارك فيها الجميع، سواء كانوا قوى سياسية أو فعآليات وطنية لأن تحديات ما بعد الأزمة تستدعي جهدا وطنيا صادقا وعالي الوتيرة يضع المصلحة الوطنية في المقام الأول، مع إدراك الجميع أن الدماء التي ضحى بها السوريون كانت دفاعا عن ترابها وسيادتها وكرامة شعبها، وليس دفاعا عن حزب أو جماعة، أو أي مكون ما تحت وطني .