مجلة البعث الأسبوعية

قلعة حلب تنادي: أستحق فعاليات أرقى لبلادي

غالية خوجة

“هذا وجه الأرض وجهي إن في الأرض غضب، صار طعم النصر أشهى في رصاصك يا حلب، وأسودٌ لا تلين من عرين للعرب، أخضر العينين رفرف في سمائك يا حلب”، بكلمات هذه الأغنية نفتتح استطلاعنا حول الفعاليات الفنية التي تقام في قلعة حلب والتي وجدت آراء بين مؤيد ومعارض ورافض، فكيف ننشط السياحة ونصون التراث في آنٍ معاً؟ وأين مهرجان القلعة الذي نتوقعه أن يكون مثل مهرجان المحبة- مهرجان الباسل باللاذقية مثلاً؟ ولماذا لا تقام حفلات للطرب الأصيل والتراثي والأغاني الوطنية؟ ولماذا لا نستضيف المطربة ميادة حناوي وأمثالها في قلعتنا؟ وما دور الجهات الثقافية والفنية ومنها اتحاد الكتّاب العرب ووزارة الثقافة ووزارة السياحة في إنجاز مهرجان ثقافي فني على مستوى حضارة حلب وانتصارها وقلعتها كتراث إنساني عالمي؟ وهل يعقل من أجل تنشيط السياحة داخلياً أو خارجياً أن يكون تراثنا المحلي العالمي الإنساني المسجل في اليونسكو في مهب احتفالات يقيمها القطاع الخاص ويحلم الكثيرون بالوقوف على مسرحها؟وهل يعقل أن لا ننظر إلى مصير تراثنا بعد عدة سنوات مما يصيبه من تلوث الاستعمال والاستهلاك إضافة إلى تلويثات الحواس الأخرى؟

سلامة المبنى التأريخي

وهذا ما أكد عليه د.محمود زين العابدين الباحث وعضو هيئة التدريس بكلية العمارة في جامعة يلدز: سيكون هذا الموضوع ضمن توصياتنا، والفكرة التي أنادي بها هي لا داع لإقامة أية حفلات في قلعة حلب، ومن الممكن توظيف هذه الأنشطة أمام القلعة، لسبب بغاية الأهمية وهو ازدحام الزوار أو الأشخاص المتوجهين لحضور الحفلة والذين يصل عددهم في بعض الحفلات إلى 5000 شخص، خاصة في لحظة الدخول والخروج، كونه يؤثر سلباً على سلامة المبنى وخاصة الجسر، وهناك كثير من الأمثلة في دول العالم كقلاع ومبان أثرية تم إلغاء أي نشاط وخاصة مثل الحفلات، وهناك مثال عملي، هو “قلعة الروم” بمدينة استانبول التي بناها السلطان محمد الفاتح، وكان فيها مدرج وتنظم فيها حفلات، ومن ثم اتخذ قرار بإيقاف جميع الحفلات وذلك للحفاظ على سلامة المبنى.

أطالب بإزالته

بينما أجاب الباحث العلاّمة محمد قجة: أنا ضد وجود المسرح الهجين الذي يعتبر إساءة للقلعة العظيمة، وأطالب بإزالته، والقلعة ليست مكانه.

أنشطة متناقضة مع المكان

وبدوره، قال د.فاروق أسليم عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب: لست في حالة عداء مع الفن الهابط، لكن يجب أن تقام في قلعة حلب الأنشطة الثقافية والفنية والجمالية التي تليق بتأريخها، لأن الدخول إلى القلعة يعني الدخول إلى التراث، فلا ينبغي أن يشوه التراث بفنون رخيصة، بل يجب أن تكون الأنشطة امتداداً للثقافة العريقة والأصيلة ومتجاوزة نحو الأفضل، لا أن تكون ارتداداً نحو الأسوأ، نريد أن ترتقي الذائقة الفنية والمعرفية والإنسانية لا أن تنحدر، والمعروف أن أي نشاط يكون متأثراً بالفضاء الذي يقام فيه، فالفضاء التراثي والتأريخي الحامل لمنتج ثقافي عريق لا يجوز أن يشوه بأنشطة في حالة تناقض مع هذا التكوين العمراني وما يحمله من دلالات إنسانية عالمية وتأريخية، قلعة حلب تذكرنا بسيف الدولة والمتنبي وابن خلويه والبطولات والفروسية والمبارزات الشعرية، وفي زمننا هي رمز تأريخي رئيس لعراقة هذه المدينة، والقلعة تعود لآلاف السنين، والمسؤولية تقع على من لا يدقق في المادة الفنية.

وأجاب د.أسليم عن دور اتحاد الكتاب العرب: يجب التنسيق مع كافة الجهات الثقافية والفنية لكل ما يحدث في هذه الأنشطة في حلب ومنها اتحاد الكتاب العرب إضافة لمديرية الثقافة ونقابة الفنانين.

لا يجوز أن يُهان التراث

وتابع: نأمل من الجهات المعنية بمنح التراخيص أن تلحظ جانب الارتقاء بالأنشطة فنياً وجمالياً، ونركّز على نقابة الفنانين التي من المفترض أن تكون منسقة مع مديرية الثقافة، وللقطاع الخاص أن يكون في أماكن أخرى غير تراثية وتأريخية مثل القلعة وغيرها في المدينة القديمة، وأن يهدف النشاط للارتقاء الثقافي والفني الأصيل ولا يجوز أن تهان القلعة وأن يهان التراث الإنساني العالمي في حلب.

وعن الصور التي يجب أن ترفع، قال: المكان النبيل ترفع فيه صور النبلاء الذين دافعوا عن المكان من باب أولى، ولا مانع، بعد ذلك، من رفع صور الشرفاء.

لا يوجد مهرجان واضح المعالم

بينما رأى عبد الحليم حريري نقيب الفنانين – فرع حلب أن الاحتفالات في الأماكن الأثرية غايتها الأساسية وضع تلك الأماكن تحت دائرة الضوء للترويج السياحي والترفيه واستمرارية تواصل الناس مع الآثر، وذلك لايقلل من قيمة الأثر بل يجعله في دائرة الضوء والحياة العامة.

وأكد: وذلك كله مشروط بالحفاظ على المكان وإظهار جماليته، والحفل في قلعة حلب يحتاج إلى تنظيم عالي المستوى وتكاليف باهظة،والأساس أن تكون الأنشطة الفنية مبرمجة من وزارتي الثقافة والسياحة ولها لجانها الاختصاصية التي تنتقي الفرق والمطربين والأنشطة التي تقام في ذلك الأثر، وتقوم تلك الوزارات بتحمل التكاليف والأعباء المالية المترتبة على الحفل سواء بمفردها أو بالتعاون مع جهات ممولة وداعمة، أما إقامة الحفلات التجارية فإنها تخضع لمعايير مختلفة أساسها الربح والخسارة، لذلك فإنها تعتمد على حفلات النجوم الذين يقدمون حفلاً ترفيهياً للجمهور، وبرأيي، لامانع من إقامة مثل تلك الحفلات في الوقت الحالي لعدم وجود مهرجان واضح المعالم يقام على مسرح القلعة مع الإشراف عليها من قبل الجهات المسؤولة لمراقبة السوية الفنية للفرق أو المطربين، وكذلك حسن التنظيم وادارة الحفل بحيث تضمن عدم الإخلال بشروط اقامة الحفل إدارياً، وفي حال إخلال المتعهد بشروط العقد فيلاحق بالعطل والضرر ويمنع التعامل معه لاحقاً، ولا أرى مبرراً لرفع صور لأي كان في حفل ترفيهي جماهيري.

بين الصون والاستثمار والمعايير

وعن رفض بعض المثقفين لمثل هذه الفعاليات، أجاب الحريري: رأي يحترم، ولكن هناك آراء مخالفة، وللمثقفين نظرتهم الأحادية للموضوع الذي له أكثر من زاوية للرؤية، وأضاف: صون التراث مختلف عن استثمار هذا التراث، فما قيمة أي تراث إن لم يتم استثماره سياحياً وثقافياً؟ أمّا طريقة الاستخدام والحفاظ على الأثر فهذا شيء آخر، تتم دراسته وتحديد شروطه ومعاييره، والمخالفة الوحيدة التي أراها هي طريقة تنظيم تلك الحفلات والاحتفالات وعدم وجود شروط ومعايير لكيفية التعامل مع الأثر المقام فيه الاحتفال.

برسم السيدة الوزيرة

وعن هذه الحفلات والقلعة أجابتنا ذكرى حجار عضو المكتب التنفيذي بمجلس المحافظة: هي حفلات قطاع خاص بموافقة من وزيرة الثقافة وبالتعاون مع وزارة السياحة.

لكن، هل ترينها مناسبة لقلعة حلب وحضارة أقدم مدينة مأهولة في العالم وهل ستبني الإنسان في مثل هذا الزمان وما رسالتها وأهدافها؟ أجابت هذه الأسئلة برسم السيدة وزيرة الثقافة.

أمّا لماذا لم ترفع صور شهداء القلعة وشهداء حلب وسورية؟ وكيف دخلت الصور والأعلام غير السورية؟

فقالت: الموضوع خاص بمن رفع الصور وهو الذي يُسأل عنه، بينما الأمن فيسأل عن القسم الأخير من السؤال.

تصريح

وأجاب أحمد الغريب مدير قلعة حلب بأن رده يحتاج إلى موافقة المديرية العامة للآثار بدمشق لأنها هي صاحبة الصلاحية بالأمور الصحافية.

إجحاف بحق المواطن

ورأت مواطنة حلبية – موظفة متقاعدة شغوفة بالقلعة بأن تنشيط السياحة ليس حساب المبادئ والمفاهيم والقيم وحجة استدرار أموال مقابل الانحدار الأخلاقي، والاستراتيجية المتبعة في الجهات المعنية التي سمحت بذلك ووافقت عليه فيها إجحاف بحق المواطن السوري في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والغذائية والعلاجية، ونحن في مرحلة إعادة الإعمار فلا بد أن آتي بدخل للمؤسسة، وهذا واقع مرفوض، وكمواطنة من حلب لا أستطيع أن أذهب، مثلاً، إلى المنشآت السياحية ذات الخمس نجوم مثلاً، لأنه لدينا مشاريع أهم مما يحدث هنا وهناك لا سيما في القلعة.

علينا الحجر وعليكم البشر

وأجاب محمد إسماعيل أحمد مهندس معماري: ساهمت في ترميم العديد من الأماكن الأثرية بحلب منها ساحة باب الفرج، وبشكل عام، لا أريد أن تكون حلب القديمة مجرد إعادة إعمار للبناء لأنها تكون حية بسكانها الذين صمدوا في حرب شعواء، ووجود مثل هذا المدرج الحجري في القلعة كان يجب أن يكون مدرجاً خشبياً متحركاً لأننا لو بحثنا تحت هذا المدرج لتغيّر وجه تأريخ حلب، لأن حلب وقلعتها مكان مقدس ومزار ومحج عبر العصور، فهل يجوز إقامة الحفلات في القلعة؟ ربما في حالة واحدة، عندما تكون مهرجانات تركّز على تراثنا وفلكلورنا وقدودنا.

وتابع: تراجعنا ألف خطوة للوراء في مجال الأمية، فلا يعقل أن يكون محيط القلعة مفتوحاً على من يتسلى بالأكل والبزورات والمقاهي ويرمي الأوساخ، لذلك، أقول علينا الحجر وعليكم البشر.

التنظيف ضرورة

وأكدت على هذا البعد مواطنة حلبية باحثة في علم الآثار، قائلة: قبل الحرب تم التعاقد مع مستثمر من أجل تنظيف نهر قويق ومنطقته المحيطة به، وبالنسبة للقلعة، لماذا لا نستثمر لتنظيف محيطها؟ أو نسن قوانين وتشريعات معاقبة بالغرامات على أقل تقدير، ولقد عملت بحثاً عام 2006 عندما نالت حلب دورها كعاصمة للثقافة الإسلامية، وأرى أن تقام هكذا حفلات في أماكن أخرى غير أثرية حفاظاً على التراث.

لكي لا تضيع الحضارة

جهاد غنيمة مدير المركز الثقافي بالعزيزية قال: إذا لم أنشء ابني بطريقة صحيحة سيضيع، وإذا كنت رب أسرة ضائع، فإن الضياع يصبح مضاعفاً، ولكي لا تضيع الحضارة، يجب أن تكون المهرجانات ذات طابع توجيهي تعليمي لإبراز المعالم الحضارية والتراثية لهذا البلد، وخاصة إن كانت تقام في أماكن أثرية عملاقة كقلعة حلب، لذا، يجب أن ترتقي المهرجانات والحفلات والفعاليات إلى مستوى قلعة حلب، ويجب أن يكون لقلعة حلب مهرجان تأريخي ثقافي فني على مستوى محلي وعربي وعالمي مثلما كان يقدم سابقاً من خلال مهرجان القلعة وبصرى الشام، وأن يكون موجهاً لعامة الشعب لا لشرائح معينة، وعلى الجهات المسؤولة أن تختار معايير فنية مناسبة لقلعة حلب وشهداء الانتصار وحضارة سورية، ولا بد من موافقة نقابة الفنانين على الأقل والجهات الثقافية حتى على إقامة حفلات الأعراس.

أرجوكم حافظوا على القلعة

ورأى أحد المهتمين بالشأن الثقافي ضرورة تضافر الجهود والتنسيق فيما بين الجهات المعنية والتشاور والتحاور وإبداء الآراء للوصول إلى المقصود من هذه المهرجانات والرسائل التي تبثها لأهالي حلب وسورية والعالم، أرجوكم حافظوا على قلعة حلب وحضارتها وبناء إنسانها، وأرجوكم حافظوا على الذائقة العامة إذا كنتم لا تريدون تطويرها فلا تساهموا في تراجعها.

هل منهم من غنى في قرطاج وجرش وشم النسيم؟

عمار قمري موسيقي قال: التربية والتربية العسكرية ضرورة فلا يعقل أن يكون أستاذ الطالب يقود سيارة أجرة والطالب أحد الركاب الذي يضيفه سيجارة مثلاً، وهذا الجيل الذي لم تمر عليه مادة التربية العسكرية هو نفسه الذي يحضر هذه الحفلات في القلعة، وأتساءل: هل من الذين يغنون في القلعة أحد غنى في مهرجان قرطاج وجرش وشم النسيم مثلاً؟ وبماذا تتميز هذه المهرجانات عن حلب؟ كيف سنبني الإنسان السوري؟ ومن هي الجهة المقررة لهذه الحفلات التي من المفترض أن تأخذ بعين الاعتبار البعد الثقافي والسياحي والتأريخي والبنائي التربوي والثقافي والفني؟ للأسف الشديد، لقد حُرم أهالي حلب، بشكل عام، وأهالي منطقة القلعة، بشكل خاص، من قلعتهم ومحيطها بسبب هذه المشاريع السياحية التي (….).