سلايد الجريدةصحيفة البعثمحافظات

على خلفية انهيار المبنى هل سينتهي الأمر عند توقيف تاجري البناء؟ … أم أنه سيكشف المستور ؟!

حلب – معن الغادري

بين ما آلت إليه نتائج لجنة التحقيق المشكلة من المحافظة، ورواية مجلس المدينة حول ملابسات انهيار المبنى السكني في حي الفردوس فوق رؤوس قاطنيه، واستشهاد 13 شخصاً بينهم نساء وأطفال ورجل مسن، ثمة الكثير من الأسئلة المشروعة التي مازال يتداولها الشارع الحلبي وبكثير من الأسى والحيرة، بانتظار الإجابة عليها بكل شفافية بعيداً عن أي تعتيم أو محاولة لطمس الحقائق أو تبرئة البعض ممن هم في موقع المسؤولية المباشرة.
ولعل السؤال الأبرز في هذه القضية، والذي يشغل الجميع هو : ماذا بعد توقيف تاجري البناء، وإحالة تقرير لجنة المحافظة إلى الأمن الجنائي للتوسع بالتحقيقات، وكشف ملابسات وخيوط هذه – الجريمة – وفق التوصيف الدقيق لهذه الحادثة المؤلمة والمفجعة.
هروب من المسؤولية …

يرى الكثيرون أن تقرير اللجنة المشكلة من قبل المحافظة حول ملابسات الحادثة، لم يكن متكاملاً ووافياً، وكان الأحرى باللجنة، بما تملكه من خبرة وصلاحيات أن تحدد المسؤوليات، وكان عليها قبل أن تحيل الملف إلى فرع الأمن الجنائي، أن تقترح إقالة وإعفاء، أو تجميد عمل كل من له علاقة بهذه الحادثة، لحين الانتهاء من التحقيقات، خاصة أن ما حدث لا يحتاج الى اجتهادات، وهو واضح وضوح الشمس، ومرتبط حكماً بحالات فساد كبيرة حلقاتها متسلسلة ومترابطة، بدءاً من اللحظة الأولى لتجاوز كل القوانين ووضع أول حجرة – لمبنى الموت -.
من فمه أدينه …
رواية مجلس مدينة حلب على لسان رئيس المجلس الدكتور المهندس معد مدلجي لم تكن مقنعة، بل أثارت الكثير من اللغط والجدل – فأن يلام الأهالي ويترك الجاني – فهنا المصيبة أكبر.
وللعلم البناء مشاد حديثاً وتحديداً،في النصف الثاني من عام 2020 حسب الصور الجوية للموقع، وأشيد المبنى من دون ترخيص وإشراف ودراسة، كما يقع ضمن منطقة مخالفات جماعية وأن العناصر الحاملة للبناء مكونة من البلوك المفرغ ، وهو مخالف لاشتراطات الكود العربي السوري للبناء، كل ذلك ألم يكن يستدعي من مجلس المدينة أن يزيل المبنى فوراً ويجنب الأهالي والسكان وقوع هذه الفاجعة؟.
أما السؤال الأكثر غرابة،كيف أشيد هذا البناء ؟ ومن خمسة طوابق وعلى مرأى من مجلسي المحافظة والمدينة والمديرية الخدمية الذي يتبع لها الحي؟ ، ومن سهل لتاجري البناء اكمال كل هذه الطوابق ؟، ومن دفع ومن قبض لقاء غض النظر عن هذه المخالفة والتي بنيت تحت ضوء الشمس وفي عز الظهر كما يقولون.؟.

هذه الأسئلة لا بد أن يجيب عليها تحقيق فرع الأمن الجنائي لاحقاً، وبالتالي كشف خيوط هذه القضية ومحاسبة كل من تسبب بهذا الألم للمجتمع الحلبي عموماً ولأسر الضحايا الأبرياء خاصة.
مشكلة مزمنة

لا شك أن المشكلة قديمة و مزمنة والمسؤولية جماعية وهي تحتاج إلى حلول جذرية تعيد تصويب هذا الملف لتجنيب المدينة المزيد من الانهيارات المفاجئة ووقف زهق أرواح المواطنين بالمجان ، وقد يكون الحل الأمثل لهذه المعضلة، هو إزالة هذه العشوائيات نهائياً والانتقال إلى النظام المعماري الحديث والآمن ، وفق دراسات هندسية وإنشائية تراعي جغرافية المكان وحقوق قاطني هذه المناطق وتضمن السلامة العامة كأولوية، وهو الذي لم يتحقق حتى اللحظة، على الرغم من إقرار المخطط التنظيمي الجديد للمدينة خلال انعقاد جلسة مجلس الوزراء بكامل أعضائها في حلب بداية 2017، ورصد مبلغ 5 مليارات ليرة للبدء بتنفيذ المرحلة الأولى من المخطط التنظيمي،ووعد حينها رئيس مجلس الوزراء في مضاعفة المبلغ في حال تم تنفيذ المرحلة الأولى، إلا أن الأمنيات بقيت أمنيات وأحلام وبقيت الدراسات والأضابير مركونة في الأدراج وعلى الرفوف وصرف الجزء الأكبر هذه الميزانية، على مشاريع منها كمالية كتحسين مدخل حلب الجنوبي، وعلى مشاريع أقل أهمية كمشروع تحسين وسط المدينة ” سوق الهال القديم ”
أرقام مخيفة …
وفي حديث الأرقام نجد أن هناك / 23 / منطقة مخالفات وعشوائيات تشغل ‎%‎40 من مساحة مدينة حلب تضم أكثر من عشرة آلاف مبنى مسجل على لائحة لجنة السلامة العامة بصفة – الأكثر خطورة – ويقطن في هذه المناطق مئات الألاف من العائلات ، والكل يعلم أن هذه الأبنية الخطرة والتي تزيد عن خمسة طوابق مشيدة بشكل عشوائي وفوضوي وأساساتها هشة وضعيفة ولا تستند إلى الحد الأدنى من شروط السلامة العامة، وأغلب هذه الأبنية تم ترخيصها وشرعنتها بقرارات ما يسمى ( حكم المحكمة ) عن طريق المحاكم و تخضع هذه لمعاملات الأسهم والبيع و الشراء و غيرها ، ما ثبت دعائم هذه المخالفات بشكل أكبر ووسع من رقعتها.
تقييم شركة الدراسات …
الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، وفي آخر تقييم لها لملف العشوائيات والأبنية المتضررة، حذرت من عدم معالجة هذا الملف وبالسرعة المطلوبة، تجنباً للوقوع في المحظور.
وجاء في تقييمها للقطاعات التخطيطية «2-4-6» والتي تضم 36 حياً، أن عدد الأبنية غير المتضررة «33633» بناء طابقياً ومجموع الضرر المعماري الخفيف «10176» بناء طابقياً ومجموع الضرر الإنشائي الخفيف «8031» بناء طابقياً ومجموع الضرر المتوسط «4460» بناء طابقياً ومجموع الضرر الشديد «5452» بناء طابقياً، وأوصى تقييم شركة الدراسات، والذي صادق عليه مجلس المدينة حينها، بضرورة معالجة هذه الحالات عن طريق الإخلاء الفوري لمعظمها وفق الإجراءات القانونية أو مقتضيات السلامة العامة، والعمل على إيواء مؤقت لمثل هذه الحالات ضمن الإمكانات المتاحة في محافظة حلب، وخلص التقييم إلى أن عدد الحالات التي تشكل خطورة عالية «9912» بناء طابقياً مؤلفة من أربعة طوابق لكل مبنى ويضم الطابق الواحد شقتين سكنيتين أي مايعادل 80 ألف شقة سكنية مهددة بالانهيار.

برسم الحكومة…

مما تقدم وأمام ما حدث من فاجعة مؤلمة في حي الفردوس، وما سبقها من حوادث مشابهة منذ خمس سنوات وحتى الآن وراح ضحيتها عشرات الأبرياء، وأمام هذا الرقم المخيف والمرعب والذي ينذر بكوارث إنسانية ، نجد لزاماً على الحكومة أن تضع يدها على الملف وتوجد الحل الأسرع والأنجع، وأن تبادر إلى تشكيل لجنة عالية المستوى تضم خبرات وقانونيين، لمعالجة هذا الملف المستعصي والمتأزم، وقبل كل ذلك عليها أن تعيد الثقة للمجتمع الحلبي بمؤسساتها ومديرياتها، وتضرب أوكار الفساد، وأن تولي الأمر لمن هو أهل للثقة وحمْل المسؤولية الوطنية بأمانة، فيكفي ما أصاب حلب وما قد يصيبها ان بقيت الأمور على غاربها.