انتخابات الإدارة المحلية.. الأمل كبير باختيار مجالس قوية تحظى بثقة المواطن
بدأ المرشحون حراكهم لانتخابات مجالس الإدارة المحلية. وكعادتها لا تخلو الحملات الانتخابية من وعود للتغيير تغري الناخب بمستقبل زاهر وواعد. فهل سيكون لدينا مجالس جديدة مختلفة الرؤية والتفكير؟ أم ستكون نسخة مشابهة للمجالس السابقة؟ والأهم: هل أصبح لدينا الوعي الانتخابي الكافي لاختيار الكوادر الكفوءة والقادرة على تحمّل المسؤولية؟ تساؤلات كثيرة يطرحها الشارع السوري اليوم عن هذه الانتخابات وما ستقدمه من عمل خدمي للبلدات والمدن في المرحلة القادمة.
المهندس أنور الحسنية، رئيس مكتب الثقافة والإعداد والإعلام في فرع الحزب بالسويداء، أكد أن انتخابات مجالس الإدارة المحلية تعدّ من التجارب الديمقراطية المتميزة في سورية، والتي انبثقت في مسار تراكمها وتطورها مؤسّسات ديمقراطية، مارس خلالها المواطن السوري مسؤوليته ودوره في بناء الوطن، وترسّخت مشاركته العملية في بناء القرار المحلي وتوظيف الإمكانات والقدرات بما يخدم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والخدمية. وأشار الحسنية إلى أن الانتخابات المقبلة تشكّل تحدياً حقيقياً للطاقات والكوادر المهنية والعلمية والثقافية ولجميع شرائح المجتمع السوري للانخراط والتفاعل في هذا الاستحقاق المهمّ، والذي لن يكون ناجحاً إلا إذا ارتكز إلى مرشح مؤهل يمتلك الاستعداد والرغبة، وناخب واعٍ قادر على اختيار الأفضل والأكثر قدرة على العمل وتلبية مصالح المواطنين.
وعي المواطن
المسؤولية الوطنية تتطلّب اليوم أن يمارس الجميع حقهم ودورهم بكلّ صدق وأمانة، ووعود الانتخابات التي غالباً ما تكون خلبية يجب ألا تكون هي المعيار في الاختيار، بل البوصلة والموجّه هي المسؤولية الوطنية وممارسة الحق الانتخابي وفق معايير أهمها وعي المواطن. وبرأي الدكتور فايز عز الدين، عضو اتحاد الكتّاب العرب في السويداء، أن انتخابات الإدارة المحلية تكمن أهميتها بأنها صلة الوصل بين المواطن والدولة، مشيراً إلى أنه منذ عام ٢٠١٢ كان هناك نوايا لإصلاح قوانين الإدارة المحلية، لكن ما نراه أن الطرح بخصوص كوادر الإدارة المحلية شيء والوصول إلى هذه الكوادر شيء آخر. ومن وجهة نظره، نحن مازلنا نتمسّك بالديمقراطية، لكن المواطن لم يصل بعد إلى الوعي الديمقراطي اللازم، وهذا يعني أنه سيختار خيارات أقل مما نرغب وأقل مما نريد وأقل مما نطمح.
وبيّن عز الدين أنه من الضروري اليوم الاهتمام بحلّ مشكلات المواطن، وعلينا أن نبحث في كلّ ما يمكن أن نفعله بما فيه خير الوطن.
معايير وأسس
ويبقى السؤال المهمّ اليوم هو مدى إدراك المجتمع للمعايير والأسس التي يجب أن تستند إليها عملية اختيار المرشح وانتخابه، مروراً بتصورات الناخبين حول ما يجب أن يقوم به كي يلبي طموحاتهم ويحقق التفاعل والتواصل معهم ويمثلهم أحسن تمثيل.
الزميل الصحفي والكاتب معين العماطوري يرى أن انتخابات مجالس الإدارة المحلية لا بد أن تنتقل من صيغ التمثيل التقليدي إلى الصيغ الحضارية، كالتنوع في الكفاءات والاختصاصات الفنية والقانونية وعنصر الشباب والمرأة الجديرة والمواطن الصالح، وأشار العماطوري إلى أن مجالس الإدارة المحلية السابقة لم ترتقِ إلى مستوى الأزمة التي يمرّ بها الوطن لأسباب عديدة، منها غياب المعايير والأسس لاختيار أعضاء المجالس، وغياب علاقة التعامل المنتظم مع مؤسّسات الدولة وخاصة مجلس المحافظة، وضعف دور المجالس المحلية في نشر الوعي المجتمعي، وتأهيل المجتمع المحلي، وبناء منظومة قيم ومفاهيم حضارية.
ورأى العماطوري ضرورة ربط العملية الديمقراطية بمجموعة من المعايير والأسس أبرزها: المؤهل العلمي والاختصاص الذي يتناسب مع طبيعة المهمة، دراسة المرشحين وإجراء التقييم من خلال المهام السابقة التي كلفوا بها، التعريف بالمرشحين وإجراء التقييم على مستوى المجتمع بحيث تبيّن كفاءاتهم، وممن لديهم الجرأة الكافية لطرح الإشكاليات الخدمية ومكافحة الفساد الإداري والمالي والاجتماعي الذي بات يشكّل أهم صعوبات التنمية والإصلاح.
الشباب والمرأة
ثمّة انتقادات واسعة اليوم حول تمثيل الشباب والمرأة في مجالس الإدارة المحلية، وجدوى “فرضهم” إذا لم يكن هذا الشاب أو تلك المرأة ذات قاعدة شعبية قادرة على خطف مقعدها من بين جموع المنتخبين والناخبين، وإن كانت هناك آراء تقول بأنه في ظل ما يُسمّى التكتلات التي تظهر في كلّ عملية انتخابية يكون (الشباب والمرأة) ضحية لتوافقات تفرضها تلك التكتلات، ولذلك لابد من إخراجهم من دوامة التكتل واستثمار ما يملكون من أفكار وإمكانيات، خاصة وأن لدى الشباب العديد من الأفكار – كما يقول الشاب عمران الجباعي – لإيجاد الحلول وتخفيف الهموم عن الناس في القضايا الخدمية اليومية، لكن في ظلّ عدم وجود استثمارات تتيح للمعنيين العمل بما يتناسب مع الطموح سيكون العبء أكبر على من ينوي دخول ميدان عمل المجالس.
نقاط مضيئة
وراهن الجباعي على نقاط مضيئة كانت في السابق، وأفكار أبصرت النور في بعض المجالات، وخاصة في الجانب الذي يتمّ فيه تضافر جهود الدولة والمجتمع معاً، مؤكداً على أهمية التشاركية في العمل. وبيّن أنه يجب أن تكون خياراتنا مبنية على ثقتنا بكفاءة الفرد أو المجموعة لمواجهة هموم المجتمع بصدر رحب وبمسؤولية كبيرة، ومن المهمّ – وفق الجباعي – وجود مجالس تحمل آفاقاً مستقبلية لإقامة مشاريع وبناء قواعد الثقة مع المستثمرين قادرة على الانفتاح وتقديم التسهيلات لمن يريد العمل ويقدم الاستثمار الذي سيساهم في تطوير منظومة الاقتصاد بشكل عام وانعكاسها على الحياة المعيشية للمواطن.
مقياس الوعي
في الختام، الكلّ بانتظار موعد الانتخابات وما ستحمله الصناديق من نتائج، أهمها اختيار كوادر قادرة على قيادة المرحلة المقبلة والعمل بعقلية الشراكة مع المجتمع لإدارة قضايانا، والشعور الكبير بالمسؤولية تجاه كلّ الجوانب التي تلامس حياتنا، والأهم ستكون هذه الانتخابات مقياسا حقيقيا لدرجة الوعي التي وصل إليها مجتمعنا في قدرته على الاختيار الصحيح والوصول إلى مجالس محلية قوية قادرة على القيام بمهامها في خدمة المناطق والبلدات والمدن والمحافظات.
رفعت الديك