مجلة البعث الأسبوعية

أسبابه واضحة وحلوله ما زالت غائبة!! الفساد الإداري .. مرض مزمن ينخر مفاصل المؤسسات في ظل غياب الرقابة والمحاسبة!

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

بات الفساد الإداري كالمرض ” العضال” الذي يخلخل مفاصل العديد من مؤسساتنا على اختلاف مستوياتها، والغريب أن أسبابه واضحة ومعروفة، لكن الحلول غائبة، ليستمر هذا الفساد في شل منظومة الإصلاح رغم الحاجة الملحة لبتره وتخليص المؤسسات من شره.

ويتفق خبراء الإدارة والاقتصاد بوجهة نظرهم بهذا الخصوص، بتأكيدهم “أن الفساد الإداري يؤثر سلباً على المناخ الاستثماري وبالتالي على النمو الاقتصادي، ويخفض من حوافز الاستثمار، وهو بمثابة ضريبة إضافية بالنسبة للمستثمرين ما يؤدي إلى زيادة تكلفة الاستثمار، كما يؤدي إلى حرمان خزينة الدولة للكثير من الموارد، ويحد من قدرتها على زيادة مواردها المالية ويشجع على التهرب الضريبي”.

أسباب كثيرة

إن ضعف أو غياب الرادع الذاتي (الضمير) هو من أهم أسباب الفساد الإداري برأي الخبير الإستراتيجي الدكتور غالب صالح، يضاف إلى ذلك وجود مناخ ملائم في بعض المؤسسات يساعد بوصول الانتهازيين والمتسلقين على حساب المخلصين وأصحاب الخبرات والكفاءات، مستغلين الثغرات القانونية، وما يزيد الطين بلة هو تستر البعض من كوادر الأجهزة الرقابية على المخالفات أو التقصير في متابعة المهام الموكلة لهم.

ضمن هذا الأجواء المريضة في المؤسسة التي ينخر فيها الفساد، من الطبيعي –برأي الدكتور صالح- أن يؤثر ذلك على مناخ الاستثمار ويكرّس البيروقراطية التي تؤثر سلباً على البيئة الاستثمارية وانجاز المشاريع ووضعها في الاستثمار في الوقت المناسب.

الحلول بإزالة الأسباب

واقترح الدكتور صالح العديد من الأفكار للحد من الفساد الإداري أو على الأقل التخفيف منه، وأهمها: الاعتماد على الكفاءات والخبرات التي تتمتع بأخلاق وانتماء حقيقي للعمل ولديها أفكار خلاقة، والعمل على إبعاد وإعفاء المستغلين والمتسلقين  والفاشلين عن المواقع التي تسيء لسمعة المؤسسات وتساهم في ترهلها ومنع تطويرها.

كما اقترح تفعيل دور المؤسسات الرقابية والقضائية وانتقاء أفضل الكوادر بعد إعادة هيكلتها بما يتلاءم مع مشروع الإصلاح الإداري، وتحفيز ومكافأة المراقب المتميز، وتحسين مستوى دخله، بل مستوى الدخل بشكل عام لجميع العاملين لأن ذلك يعد أحد العوامل الأساسية لتحسين مستوى أداء المؤسسات بالتوازي  مع عملية الإصلاح في زمن تركت فيه الحرب أزمات كبرى اجتماعية واقتصادية ومعيشية وثقافية لا يمكن معالجتها إلا بإصلاح وتطوير مؤسسات القطاع العام ورفع مستوى الأداء والإنتاج وبناء اقتصاد قادر على مواجهة آثار الحرب المدمرة.

ضبابية وغموض!

وبحسب الدكتور سامر مصطفى عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق تعاني اليوم أغلب المؤسسات الحكومية من ظاهرة الضبابية والغموض في نشاطها وآليات عملها، وذلك أدى إلى وجود خلل في تنظيم هذه المؤسسات بالشكل الملائم وعدم تحديد  لمهامها وأهدافها بشكل ينسجم مع هياكلها التنظيمية والموارد البشرية مما جعلها فريسة سهلة للفساد الإداري، وبرأي الدكتور مصطفى أن من أهم أسباب الفساد الإداري هو عدم وجود قادة إداريين في الصف الثاني مؤهلين لقيادة أو إدارة المؤسسات بسبب ذهنية الإقصاء أو التهميش، بالإضافة إلى عدم وجود معايير حقيقية ونظم انتقاء وتقييم للمديرين وفق الأداء والعمل، وأشار إلى وجود رقابة مترهلة انتقائية غير فعالة تحمي الفساد بشكل أو بأخر وبالتالي غياب المحاسبة الشديدة الرادعة يجعل الفساد ينمو ويتغلغل في كل الاتجاهات، يضاف إلى ذلك الرواتب الضعيفة التي تشجع على الفساد وتبرره لمن يرغب بمكافحته بتعميم المشكلات دون إيجاد حلول لها فالرشوة ليست سوى وجه واحد من الفساد.

ضياع الاستثمار

وبين عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية أن الفساد الإداري العميق يؤثر على مناخ الاستثمار والنمو الاقتصادي، فهو يعطل وجود سياسات نقدية مستقرة ونقدية تحمي خزينة الدولة، وتوفر القطع بأسعار مستقرة غير متذبذبة في بيئة الأعمال.

وحتى تتخلص مؤسساتنا من شر الفساد، طالب الدكتور مصطفى بوضع استراتيجيات واضحة لمكافحته، وتشديد القيود والقوانين لمحاربته.

للمواطن رأي

لم تعد مظاهر الفساد الإداري الذي يؤدي للفساد المالي بخافٍ على المواطن السوري، بل هو يراها بالعين المجردة ويلمسها لمس اليد ويحس بها في تعاملاته اليومية مع المؤسسات بمختلف تخصصاتها، هنا لم يتردد أبو محمود من سرد معاناته مع إحدى المعاملات الخاصة، فحسب روايته لم ينجح بانجازها بالطرق القانونية، فكلما ذهب لعند موظف يضع له ألف عذر بأن المعاملة تحتاج لوقت وتستلزم أوراق أخرى، ظل على هذا الحالة لمدة أسبوع دون نتيجة حتى همس له أحد الموظفين بتقديم “المعلوم” وبالفعل دفع وانحلت مشكلة معاملته العالقة!.

أسلوب عمل

وللأسف باتت الرشوة أسلوب عمل في بعض الدوائر والمؤسسات، حيث يعمل الموظفون على استغلال مركزهم الوظيفي بتعقيد الإجراءات وعرقلة المعاملات ليحصلوا على ما يريدون من المواطن الذي يجد نفسه مضطراً للدفع حتى ينجز ما يريده، والأمثلة على ذلك كثيرة، حتى أن بعضها يتم علانية دون خوف طالما الأمور “سايبة” دون وجود رادع!.

ولا تتوقف مظاهر الفساد الإداري عند حد الرشوة بل تصل إلى التسرب الوظيفي واختلاس المال العام بأرقام كبيرة!.

بالمختصر..

إن مظاهر الفساد الإداري لم تعد تحتمل وأضحت آثاره واضحة في حدوث ترهل في الأداء وضعف في الإنتاج وغير ذلك من الظاهر السلبية، لذا بات من الضرورة ووفق أهداف مشروع الإصلاح الإداري العمل وبأقصى سرعة على “إجراء الإصلاحات الهيكلية والبنيوية للجهات العامة وتطبيق نظام قياس الأداء الإداري، والاستجابة لتطلعات المواطن من خلال استكمال تشغيل تطبيقات منبر صلة وصل وقياس مؤشر رضا المواطن عن خدمات كل وزارة، ومعالجة الخلل ومكافحة الفساد الإداري لتلبية استحقاقات المصلحة العامة”.

وطالما نسمع من الحكومة أن مكافحة الفساد عملية مستمرة على مختلف المستويات وتشكل هاجساً وهدفاً أساسياً في عملها وفق إجراءات يتم تطبيقها بالتنسيق بين الجهات الرقابية والسلطة التنفيذية بما يحد من الفساد والهدر، نعتقد أنه آن الأوان لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وقطع دابره!