دراساتصحيفة البعث

هل تلحق تراس الضرر بالعلاقات مع الصين باسم الأيديولوجيا؟

هناء شروف

تعرف ليز تراس زعيمة حزب المحافظين الجديدة، ورئيسة وزراء المملكة المتحدة بنظرتها الأيديولوجية للعالم، وسياستها الخارجية المتشددة، ومع ذلك فهي بدأت ولايتها كرئيس للوزراء بداية مضطربة، فالأمور ليست على ما يرام في المملكة المتحدة. ومع ذلك، يبدو أن تراس ستسير في النهج المعادي للصين، فقد انتهزت كل فرصة حين كانت وزيرة للخارجية لتنتقد بكين، كما انضمت إلى عربة كل المبادرات الأمريكية ضد الصين. وإذا سارت فعلاً في هذا الطريق، فهذا يعني أنها ستغير النهج المتوازن الذي كان يسير عليه سلفها بوريس جونسون الذي كان يدعم انخراط المملكة المتحدة الاقتصادي مع الصين. خلال فترة عملها كوزيرة للخارجية كانت تراس تسعى باستمرار وبشكل علني إلى المواجهة مع بكين بخطابات أقرب ما تكون مزيجاً من شوفينية المملكة المتحدة والحملات الأيديولوجية.

لقد دفعت بمفاهيم مثل “شبكة الحرية”، وتحدثت عن “جلب البلدان إلى فلك ديمقراطيات السوق الديمقراطية والحرة”، وجادلت بأن الأيديولوجية يجب أن تأتي أولاً في نهاية المطاف عندما يتعلق الأمر بالتجارة. حتى قبل فوزها، تحولت المنافسة على القيادة مع ريشي سوناك إلى “سباق نحو القاع” فيما يتعلق بتقريع الصين. ونتيجة لذلك فإن معظم المعلقين متشائمون من أن العلاقات بين المملكة المتحدة والصين سوف تتحسن في ظل فترة ولايتها، لأنه نظراً للواقع الاقتصادي للمملكة المتحدة، سيكون قراراً غير منطقي وغير حكيم أن تتبع طريق البرودة أو المواجهة مع الصين.

وكثيراً ما تحدثت ليز تراس عن “بريطانيا العالمية”، و”جعل بريطانيا أكثر قدرة على المنافسة” في مجال الاستثمار والأعمال في جميع أنحاء العالم، أي مواجهة الصين وهو ما سيكون ضارا بعلاقات المملكة مع الصين. ولكن من المفيد لـ تراس أن تتذكر أن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وواحدة من أهم شركاء المملكة المتحدة في التجارة والاستثمار. ووفقاً لمكتب الإحصاء الوطني في المملكة المتحدة، كانت الصين أكبر شريك استيراد للمملكة المتحدة، وسادس أكبر شريك تصدير للسلع في عام 2021، حيث استوردت المملكة المتحدة 63.6 مليار جنيه إسترليني من البضائع الصينية في ذلك العام، بينما صدرت 18.8 مليار جنيه إسترليني، بل زادت التجارة بين البلدين كنتيجة مباشرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أضر بعلاقات المملكة المتحدة مع الأسواق الأوروبية.

بالإضافة إلى ذلك، يدرس 28930 طالباً صينياً في الجامعات البريطانية في العام الدراسي 2021-2022 بزيادة قدرها 12 بالمائة عن العام السابق. ووفقاً للمجلس البريطاني، فإن هذا يساوي 2.55 مليار جنيه إسترليني سنوياً للاقتصاد البريطاني، لذلك لا يمكن إنكار أن العلاقات الاقتصادية المفتوحة والمستقرة بين البلدين مربحة للغاية. لذلك يطرح هذا السؤال: هل من الحكمة أن تلحق تلحق المزيد من الضرر بالعلاقات مع الصين باسم الأيديولوجيا؟

بناءً على أهداف السياسة الخارجية المتمركزة حول الولايات المتحدة قد تتحدث تراس كثيراً عن الديمقراطية، لكن هذا الخطاب لن يعالج الأداء الاقتصادي الضعيف للمملكة المتحدة، ويخلق فرص عمل، أو يسيطر على التضخم وكلها ضرورية لتخفيف السخط العارم.

إذا أرادت تراس أن تكون رئيسة وزراء ناجحة في الداخل وعلى الصعيد العالمي، فعليها أن تكون أكثر دبلوماسية وحكمة وعقلانية بشأن علاقات المملكة المتحدة مع الصين، لأنه من المؤكد أنه لا يمكن أن تكون هناك “بريطانيا عالمية” دون النظر إلى ديناميكية الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وأكبر سوق استهلاكي في العالم. من جهة أخرى، فإن السياسة الخارجية للمواجهة الإيديولوجية ستكون كارثية على المملكة المتحدة، وستجعل الوضع السيئ أسوأ.