دراساتصحيفة البعث

اليابان تخاطر بتكرار أخطائها القديمة

عائدة أسعد

في أعقاب الزيارة الاستفزازية التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، حذا بعض المشرّعين اليابانيين حذوها. وفي حين أن الزيارة لم تكن سوى مهزلة سياسية، إلا أنها ذكّرت الناس بالعقلية الراسخة بعمق في اليابان تجاه تايوان.

بعد عقود من احتلالها غير الشرعي لتايوان، لا تنوي اليابان تفويت أي فرصة لممارسة نفوذها على الجزيرة واحتواء الصين -الجار الصاعد- لكن محاولاتها المستمرة لتجاوز الخط الأحمر للصين تُظهر أنها فشلت في التعلم من التاريخ، وما زالت تخاطر بتكرار أخطائها الماضية.

بعد الحرب اليابانية عام 1894 ضد الصين، اضطرت حكومة تشينغ للتنازل عن تايوان في عام 1895، ومنذ ذلك الحين بدأت الإمبراطورية اليابانية استعمارها الوحشي للجزيرة. ومن أجل قمع المقاومة المحلية، نفّذ المستعمرون اليابانيون موجة من المذابح بحق السكان الأصليين هناك، وتشير التقديرات إلى أنه خلال 50 عاماً من الحكم الاستعماري الياباني في تايوان، قُتل أكثر من 600000 شخص على يد المعتدين اليابانيين. كما أن اليابان بذلت قصارى جهدها لنهب الجزيرة واحتكار تجارتها الخارجية، ونهب مواردها الطبيعية. وبحلول عام 1945، كانت اليابان تسيطر على ما يقرب من 60٪ من الودائع المصرفية في تايوان، و96٪ من صناعة الطاقة بالجزيرة، و94٪ من صناعة السكر.

وبالإضافة إلى النهب الاقتصادي، قام المستعمرون اليابانيون أيضاً بتدريس اللغة اليابانية في المدارس كجزء من برنامج الاستيعاب، وأُجبر السكان الأصليون على تغيير أسمائهم من الصينية إلى اليابانية، كما تمّ تجنيد أكثر من 200 ألف شخص من تايوان في الجيش الإمبراطوري الياباني، وتحريضهم على الموت في خدمة إمبراطور اليابان.

وبعد هزيمة اليابانيين في عام 1945، اضطرت الحكومة اليابانية إلى إعادة تايوان إلى الصين على النحو المنصوص عليه في إعلان “بوتسدام”، ولكن في عام 1960، أدرجت اليابان تايوان في نطاقها الدفاعي في معاهدة التعاون والأمن المتبادلين مع الولايات المتحدة، وما زال السياسيون اليابانيون حتى اليوم يواصلون تضخيم ما يُسمّى بـ”التهديد الصيني” ويزعمون بأن “حالة الطوارئ في تايوان هي حالة طوارئ لليابان”.

لقد طبق السياسيون اليابانيون نهج العصا والجزرة في تايوان، وفي زيارتهم الأخيرة، ادّعى المشرّعون اليابانيون دعم تايوان في الانضمام إلى الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ “سي بي تي بي بي”، ولكن من ناحية أخرى، لم يدخروا الفرصة لحث تايوان على رفع القيود المتبقية على واردات المنتجات الغذائية اليابانية من المناطق المتضررة من كارثة فوكوشيما النووية عام 2011، فقد غرد كونو تارو، وزير الرقمية الياباني ووزير الدفاع والخارجية السابق: “ما لم ترفع تايوان جميع قيود الاستيراد غير العلمية، فلن يتمّ قبولها في “سي بي تي بي بي”.

وهناك جانب أكثر شراسة لتلاعب اليابان ببطاقة تايوان، حيث يبقى ما يُسمّى بالتهديد الأمني من الصين، والطوارئ المحتملة لتايوان أعذاراً سهلة للسياسيين اليابانيين اليمينيين المتطرفين للمضي قدماً في أجندتهم الخطيرة.

وما يجدرُ ذكره أن السياسيين اليابانيين اليمينيين المتطرفين نجحوا تحت ذريعة الدفاع عن تايوان في إقناع الحكومة بزيادة ميزانيتها الدفاعية لمدة 10 سنوات متتالية منذ عام 2012، وطلبت وزارة الدفاع اليابانية في 31 آب 2022 وسط التوترات المتصاعدة عبر المضيق أن تصل الميزانية إلى 5.59 تريليون ين (40.4 مليار دولار أمريكي) للسنة المالية 2023، لتكون بذلك أكبر طلب للميزانية على الإطلاق لتمويل الإنتاج الضخم لصواريخ كروز المطلقة من الأرض برؤوس حربية ذات مدى موسع، ورؤوس حربية تفوق سرعة الصوت، كما رأى بعض المحللين في خطة المشتريات خروجاً واضحاً عن عقود طويلة المدى فرضت على قوات الدفاع الذاتي اليابانية المقيدة دستورياً.

إن استفزاز الصين من خلال إثارة التوترات عبر المضيق ونشر نظرية “التهديد الصيني”، وإقناع الحكومة بزيادة ميزانيتها الدفاعية ليس إلا استراتيجية للسياسيين اليابانيين اليمينيين المتطرفين بهدف تعديل الدستور، وإلغاء القيود السلمية، ولكن مثل هذه التحركات المتهورة ستعرّض المنطقة بأكملها للخطر من خلال زيادة مخاطر المواجهة العسكرية، فاليابان التي تدّعي الالتزام بالسلام في المنطقة قد تدفع تايوان إلى حالة طوارئ حقيقية من خلال أعمالها الاستفزازية وتوسّعها المغامر في قدرتها العسكرية.