مجلة البعث الأسبوعية

مشاركة الجزيرة في الدوري الممتاز تعيد الحديث عن غياب مقومات الإحتراف…أنديتنا أمام اختبار صعب لتفادي المشاكل المالية

البعث الأسبوعية-ناصر النجار

للمرة الأولى تحدث حالة انسحاب في الدوري الكروي وتتم معالجتها وفق القوانين والأنظمة دون محاباة أو مراعاة لأحد، والسبب أنه يجب أن يُنظر إلى القانون على أنه مقدس وأن يتم تطبيقه وذلك صوناً للقانون الذي يجب أن يطبق على الجميع بسواسية وعدالة تامة بعد تعليق فريق الجزيرة مشاركته.

حالات الانسحاب في الدوري الكروي في مختلف الدرجات والفئات كثيرة ومتعددة، وكلنا يذكر كيف كان فريقا الجيش والشرطة ينسحبان من الدوري في سبعينيات القرن الماضي دون أن تطبق بحقهما القوانين، وهذا الأمر متكرر وكثير في مسابقة كأس الجمهورية.

وهناك العديد من الحالات التي ظهرت الموسم الماضي كانسحاب حطين والوحدة من إحدى المباريات، وانسحاب عدد من الفرق بدوري الدرجة الأولى ودوري شباب الممتاز والأولى والدور النهائي لبطولتي الناشئين والأشبال، فالصورة التي ظهرت عليها مسابقات الموسم الماضي كانت قاتمة وتنذر بالسوء وتدل على عدم احترام لقدسية النشاطات الرياضية بسبب عدم التطبيق الجاد للقانون.

نظرة جديدة

الموسم الجديد تغير الحال وعزم اتحاد كرة القدم على ضبط سير المسابقات الرسمية من خلال تكريس القانون وضبط هذه الحالات وغيرها، فقامت لجنة الأخلاق والانضباط في اتحاد كرة القدم بالعمل على تعديل لائحة الإجراءات الانضباطية لتتوافق مع الحالات التي ظهرت في المواسم الأخيرة دون أن يكون لها نص قانوني يصف الحالة ويضبطها ويضع العقوبة المناسبة لها.

ومن المواد الجديدة في اللائحة التي تعالج مشاكل الانسحاب المادة (27) ونصت على التالي:

إذا أعلن النادي الانسحاب قبل أو أثناء البطولة الملزم الاشتراك بها أو تغيب دون عذر مقبول يوافق عليه الاتحاد عن أي مباراة من مباريات بطولات الاتحاد الرسمية أو انسحب الفريق من الملعب ولم يعد لإكمال المباراة وعلى الرغم من انتهاء المدة القانونية المقررة من قبل الحكام، مع مراعاة صلاحية اللجنة إذا اقتضى الأمر اعتبار النادي المنسحب أو المتغيب خاسراً للمباراة بنتيجة /0-3/ قانوناً ما لم تكن النتيجة الفعلية أكبر من ذلك، توقع بحق النادي العقوبات التالية:

27-1إذا كان الانسحاب أو التغيب في بطولة دوري المحترفين (الممتاز) يستبعد النادي من المسابقة، ويشطب كافة نتائجه في البطولة، إذا كانت غير مؤثرة على الترتيب النهائي نكتفي بخسارة مبارياته المتبقية /3-0/ قانوناً ويغرم غرامة مالية (10000000) عشرة مليون ليرة سورية ويهبط إلى الدرجة الأدنى، بالإضافة إلى حجب إيرادات المشاركة المتبقية له عن مشاركته في البطولة التي انسحب منها.

27-2إذا كان الانسحاب أو التغيب في بطولات دوري الدرجة الأولى والثانية وأي درجة إن وجدت وكافة الفئات العمرية بالإضافة إلى البطولات الأنثوية يستبعد النادي من المسابقة وتشطب كافة نتائجه في البطولة، وإذا لم تكن نتائجه مؤثرة على الترتيب النهائي نكتفي بخسارة مبارياته المتبقية /3-0/ قانوناً ويغرم غرامة مالية (5000000) خمسة مليون ليرة سورية ويهبط إلى الدرجة الأدنى بالإضافة إلى حجب إيرادات المشاركة المتبقية له عن مشاركته في البطولة التي انسحب منها.

27-3 في حال التكرار بنفس الموسم يتم تطبيق ما ورد أعلاه مع مضاعفة الغرامة المالية.

27-4 حرمان النادي عامين من المشاركة في كأس الجمهورية في حال الانسحاب من مسابقة كأس الجمهورية يعتبر النادي خاسراً للمباراة بنتيجة /3-0/ قانوناً ما لم تكن النتيجة الفعلية للمباراة أكثر من ذلك لصالح الفريق الآخر.

في حالة نادي الجزيرة تم تطبيق الفقرة الأولى من المادة (27) لأنه من فرق دوري المحترفين (الدرجة الممتازة) نصرة للقانون وتكريساً لمبدأ العدالة وضبط الدوري الكروي الممتاز، هذا في الشأن الرياضي، أما في غيره فقد تكون هناك قرارات رسمية تخالف هذه التوجه لاعتبارات تحددها هذه القرارات وعملياً هي خارج الاختصاص الرياضي، وهذا ما حدث تماما في هذه القضية بالذات عندما ساهم المكتب التنفيذي بحل بعض المشاكل المالية لنادي الجزيرة على أمل العودة إلى الأسرة الكروية من جديد، وهذه حالة استثنائية لكنها لا تحل مشكلة ظهرت بوادرها إلى العلن وسيكون لها تداعيات كثيرة سواء في أساس المشكلة أو في طريقة الحل.

على العموم وبغض النظر عن التطورات الأخيرة فإن الدوري الكروي يشهد للمرة الأولى مثل هذا الضبط، وهي حالة إيجابية بالمطلق لتقويم مسيرة النشاطات الرياضية ووضعها على الطريق الصحيح.

 

الوقاية والعلاج

في مسألة نادي الجزيرة كان بالإمكان عدم الوصول إلى نقطة اللاعودة بمثل هذا القرار الذي شكل خيبة أمل لعشاق الفريق وهم يمنون النفس برؤية فريقهم بين كبار الدوري الممتاز، ولكن إرادة ناديهم وإدارته حالت دون تحقيق ذلك.

فالوقاية أحد أهم الأسباب التي تمنع حدوث المشكلة أو الأزمة أو الوقوع بمطبات يصعب حلها، والجميع يعلم أن فريق الجزيرة حسم مسألة التأهل إلى الدوري الممتاز قبل أكثر من خمسة أشهر من خلال التصفيات النهائية، وعليه كان من المفترض أن تعد إدارة النادي العدة منذ ذلك الوقت للدخول بدوري الكبار، لكن إدارة النادي نامت على حرير التأهل فوصلت إلى ما وصلت إليه.

وقد تكون المشكلة بعدم استقرار الإدارات وتغييرها الدائم والمتواصل ما جعل المسؤولية مبعثرة على أطراف عدة، لذلك فإن الاستقرار الإداري دائماً يصب في مصلحة العمل الصحيح.

مشكلة نادي الجزيرة أنه اختبأ خلف إصبعه وترك قضيته للزمن لعلها تجد الحلول السماوية، ثم جاءت الشروط التي لا يمكن أن يوافق عليها أحد لضمان مشاركة الفريق بالدوري، ولم يدر من وضع الشروط أن الفائدة من المشاركة هي لفريق الجزيرة وأن الدوري لا يتوقف عند تخلف فريق أو أكثر.

من الناحية المالية ندرك أن وضع الجزيرة المالي صعب وأن إيرادات النادي لا تكفي لتهيئة فريق قادر على الوجود في الدوري الممتاز، والجميع يعلم تمام العلم أن النادي غير قادر على تجهيز الفريق وعلى تهيئته فنياً وبدنياً ولوجستياً لذلك جاء القرار بالانسحاب منسجماً مع الأوضاع الصعبة التي يعاني منها النادي وكان المفترض بنادي الجزيرة أن يعتذر مسبقاً، حتى لا يحرم غيره من المقعد الذي أصبح شاغراً اليوم في الدوري الممتاز.

لذلك كانت رسالتنا موجهة بشكل مسبق إلى كل الأندية التي تجتهد للوصول إلى الدرجة الممتاز أن تبحث أولاً عن المقومات والإمكانيات قبل التفكير بذلك، فليس الإنجاز أن يتأهل الفريق إلى الممتاز إنما الانجاز أن يكون على قدر المكان الذي وصل إليه.

الإفلاس والبدائل

حالة نادي الجزيرة ليست الأولى على صعيد كرة القدم، فهناك الكثير من الأندية العربية والعالمية تعرضت للمشاكل المالية والإفلاس وتقررهبوطها إلى الدرجات الدنيا لأوضاعها الصعبة، وفي الدوريات الأولى في كرة القدم لا يمكن قبول أي فريق لا يملك الرصيد المالي الذي يمكّنه من خوض منافسات الدوري براحة ودون أي ضغط أو عُسر، ودوماً فإن الاحتراف له شروط عديدة، منها أن يكون للنادي شركة راعية وأن يكون له موارد ثابتة واستثمارات وإعلانات وما شابه ذلك، أما مداخيل المباريات وما ينجم عنها من دخل مباشرة أو غير مباشر عبر اللوتو أو اليانصيب، فهو أمر غير موضوع بالحسبان لأنه يأتي بعد المباشرة بالمسابقات.

في حالة الدوري عندنا لا ينطبق على فرقنا هذا الكلام، لذلك دائماً نقول: إن احترافنا أعوج وغير كامل لأن أغلب فرقنا تتصرف فوق مستوى إمكانياتها، ولأنها تعتمد على هبات ودعم المحبين ورجال الأعمال وهذه موارد غير ثابتة وغير مضمونة، ولأن هذه الموارد غير موثقة ومن الممكن أن يسحب الداعم هذا الدعم في أي وقت سواء قبل الموسم أو أثناءه، وهذا الأمر حدث كثيراً ووضع هذه الأندية بورطة كبيرة أمام التزاماتها وعقودها.

الموسم الجديد دخل ولم نسمع عن أي شيء جديد على صعيد موارد الأندية، فأغلب الأندية ما زالت تبحث عن المال في المكان الخطأ، ومازال الاحتراف يستنزف كل الإمكانيات والطاقات، وبالفعل صارت نفقات الاحتراف أكبر من موارد الأندية بكثير فما الحلول؟.

الحلول تكمن بالمشاريع الصغيرة التي تدر على النادي أموالاً وفيرة من مصادر شتى، والمهم أن نرى تحركاً إيجابياً من إدارات الأندية لتفعيل هذه المشاريع والاعتماد على الذات، وهذه المشاريع تدر أموالاً كثيرة على الأندية الجماهيرية، ومتوسطة على بقية الأندية، وهي مضمونة إلى حد بعيد.

من هذه المشاريع استثمار شعار النادي في المنتجات الخدمية الاستهلاكية كالقمصان والمحارم وغيرها كثير، ومنها عقد اتفاق مع شركات الاتصالات لتفعيل ميزة أخبار النادي عبر الرسائل النصية وغيرها وهذه مواردها كبيرة ولا بد من حث الجمهور على التفاعل معها.

تفعيل عضوية النادي من خلال توزيع العضوية على شرائح تناسب كل طبقات المجتمع، فهناك العضوية الماسية والذهبية والفضية والبرونزية وكل هذه الأشكال لها مزايا إيجابية من خلال دعم النادي والتواصل معه والتعاون بقضايا كثيرة ومهمة، وهناك الكثير من المشاريع الأخرى الحيوية، لكن الملاحظ أن إدارات الأندية ماهرة بالصرف والإنفاق ومتميزة بإقامة الحفلات والمهرجانات لكنها كسولة في البحث عن الموارد وتحب أن تأتيها هذه الموارد من أسهل الطرق وأيسرها دون سعي أو تعب.

المشكلة ظاهرة في نادي الجزيرة، لكنها خفية في كل الأندية، وهذا يتطلب البحث عن حلول جذرية حتى لا تبقى أنديتنا تحت عجز الإفلاس وطمع بعض المستثمرين وأصحاب المال.