“حمّى الأسعار”..؟
معن الغادري
في زحمة التصريحات الصادرة عن وزارة حماية المستهلك، وقراراتها الليلية المتسلسلة، والتي باتت تشكل مصدر قلق كبيراً للمواطنين، لم تعد لقمة العيش خطاً أحمر، وضمن سلم أولويات العمل الحكومي عموماً، ووزارة حماية المستهلك خاصة، إذ يتساءل المواطن عن المصير المجهول في ظلّ حمّى ارتفاع الأسعار اللحظي لمجمل المواد والسلع الغذائية وغيرها من احتياجات الأسرة اليومية، في ضوء ثبات وتذبذب دخله اليومي، أو الشهري إن كان موظفاً، والذي لم يعد يغطي فواتير الهاتف والكهرباء وأجور تنقله من منزله إلى عمله وبالعكس.
ما يقلقُ في هذا الملفّ الأكثر تعقيداً من غيره، أن كلّ القرارات الصادرة عن وزارة حماية المستهلك، وما تسطّره مديرياتها في المحافظات من ضبوط يومية، بما فيها ضبوط اللجان الرقابية المشتركة، لم تردع كبار وصغار التّجار، بل نمت واتسعت سلطتهم وتحكمهم بالسوق، و”أكلوا البيضة وقشرتها” على حساب المستهلك الذي ضاقت به كلّ السبل، ولم يعد قادراً على تأمين جزء يسير من احتياجات أسرته، من مأكل وملبس وتعليم ودواء، وغيرها من متطلبات العيش.
لا شكّ أن هذا الواقع غير المنضبط، والتمادي غير المقبول من قبل تجار الجملة والمفرق، بدأت تظهر آثاره السلبية وبوضوح على المشهد الحياتي اليومي وعلى واقع الأسرة المتهالك، والعاجزة تماماً عن إحداث أي توازن بين دخلها المحدود والمتواضع ومتطلباتها واحتياجاتها المتزايدة، وهي معادلة بات من الصعب فكّ رموزها في ضوء تدني معدلات الرواتب والأجور، وتراجع منسوب العمل والإنتاج، والمتزامن مع اختلاق وافتعال الأزمات الاقتصادية والمعيشية وتأثيراتها المباشرة على سعر الصرف والقيمة الشرائية لليرة السورية.
مما تقدّم، وأمام كارثية غلاء الأسعار، وعدم قدرة الجهات الرقابية على ضبط الأسواق ولجم حيتان السوق، لأسباب منها ما هو مبرّر لجهة ارتفاع كلف الإنتاج والنقل، ومنها ما هو غير مفهوم ومبهم ويندرجُ تحت مسميات عدة وغير بريئة، تطولُ قائمة المشكلات والأزمات، وخاصة المفتعل منها، أقل ما يمكن وصفها بأنها وسّعت من البازارات والسمسرة والمنفعة في الأسواق السوداء، وهو ما يحدث يومياً وفي وضح النهار و”على عينك يا تاجر”، في ظلّ قصور الإجراءات الرادعة والتغاضي عما يجري بقصد أو غير قصد!!
هذا المشهد اليومي المتكرر يدفعنا إلى المطالبة بإعادة النظر في هيكلية وطبيعة عمل حماية المستهلك، والتفكير جدياً بإنشاء هيئة رقابية عامة مستقلة، تابعة لرئاسة مجلس الوزراء، وغير خاضعة للسلطات المحلية في المحافظات، على أن تمنح صلاحيات واسعة في كلّ ما يتعلق بالإنتاج والاستهلاك وتوابعهما، وأن يكون لها القول والفصل في كلّ ما يتعلق بالواقع المعيشي بعيداً عن أي تأثيرات وتجاذبات وتفاهمات.