ثلاثة أعوام على نزوح أهالي رأس العين
صالح طعمه
ثلاثة أعوام على احتلال مدينة “رأس العين” من قبل المحتل التركي وعصاباته، والذي قام بتهجير آلاف الأسر إلى مدينة الحسكة وريفها. ثلاثة أعوام تحت النزوح وما زال الأهالي يتطلعون للعودة لمنازلهم وأراضيهم التي تعرضت للسلب والنهب والاستيلاء عليها من قبل النظام التركي .
ثلاث سنوات تضاف للجرائم التي ترتكب بحق أبناء الشعب السوري ضمن الحرب الكونية على بلادهم، ويبقى تهجير أبناء رأس العين وعلى مرأى الجميع واقعاً مؤلماً، حيث تحكي كل خيمة ومركز ايواء قصة مؤلمة.
تجلس “أم جنى” هي وصغارها بجانب خيمة النزوح تستذكر طفولتها وشبابها، وكيف آل بها المطاف هي وأولادها للنزوح في خيمة لا تقيهم برد الشتاء، ولا حر الصيف، تجترع مرارة الألم والغربة، وتستذكر كيف تم تشريدهم هي وجيرانها، وكيف سلب منزلها، لتجلس الآن هي وأولادها تتذوق طعم الفقر والحاجة.
من مراكز الايواء لمخيمات النزوح
يقطن الآلاف من مهجري رأس العين في مراكز للإيواء، وتم نقل عدد كبير منهم من مراكز الإيواء في المدارس إلى مخيمات اللجوء كمخيمي “الطلائع”، و”التوينة” الذي انشأتهم ميليشيات “قسد”، حيث يقع مخيم “التوينة” المسمى محلياً “مخيم رأس العيني” في بلدة التوينة، شرقي مدينة الحسكة، ويبعد حوالي 3 كيلو متر عن مركز المدينة، وحسب مصادر أهلية تقطن حوالي 2300 عائلة من نازحي رأس العين في 82 مدرسة كمركز إيواء تم نقل غالبيتهم للمخيم والذي يستوعب 2660 خيمة .
ممارسات المحتل التركي وعصاباته
بالطبع لم يكن التاسع من تشرين الأول لعام 2019، يوماً عادياً لأبناء رأس العين، حيث شهدت المدينة غزواً بربرياً تحت مُسمى عملية “نبع السلام”، التي أدت إلى احتلال المدينة وأريافها وتهجير السكان، والاستيلاء على ممتلكات المدنيين، بالتزامن مع عملية تغيير ديمغرافي مُمنهجة شهدتها المدينة عبر جلب إرهابيين وعملاء وتوطينهم في المدينة التي هُجّر أهلها.
رأس العين التي وصفت بكونها مدينة التسامح والتآخي والعيش المشترك، والتي كانت تضم قبل احتلالها جميع مكونات الشعب السوري -مسلمين ومسيحيين وأيزيديين، من عرب وكرد وسريان وأرمن وآشوريين وشيشان وشركس- والتي لطالما كانت مثالاً للسلم الأهلي والتعايش المشترك، قضى الاحتلال ومرتزقته خلال احتلالها على تنوعها وتعدديتها، مرتكباً جريمة تهجير قسري لآلاف المواطنين.
لقد مارس مرتزقة أردوغان في منطقة رأس العين أبشع صور الاعتداء على الأهالي، وصودرت أملاكهم وأرزاقهم ومقدراتهم، وأحرقت محاصيلهم الزراعية، وفرضت أتاوات على الأهالي، ورسوم على التجار والعبور وغيرها، إضافة لفرض بطاقات شخصية خاصة بهم، ومنع التحرك والمغادرة لمن لا يحمل بطاقة من قبلهم، وفرض مناهج عثمانية، وإجبار من تواجد هناك تدريس أطفالهم في مدارسهم. بمعنى آخر، كل أنواع الهمجية والتعسفية والاعتداءات تمارس من قبل قوات الاحتلال التركي على أبناء المنطقة، ضمن خطة ممنهجة من خلال توطين المرتزقة في منازل أبناء المنطقة من كافة الجنسيات.
اليوم يعيش العديد من الأهالي المتبقين في المدينة الذعر والخوف والرعب، نتيجة لتصرفات الفصائل المدعومة من تركيا، ويتخوف كثيرون ممن هجروا من العودة في ظل وجود تلك المجموعات التي تمارس أبشع أنواع التنكيل.
حرب المياه
بعد احتلاله لرأس العين، قام المحتل التركي ومرتزقته الإرهابيون بممارسات لا إنسانية، حيث قاموا بقطع مياه الشرب عن مدينة الحسكة، والتجمعات السكانية من محطة علوك عدة مرات، وكان آخرها حالياً حيث يواصل قطعه للمياه منذ ما يقارب شهرين، الأمر الذي فاقم من معاناة نحو مليون مدني نتيجة نقص المياه. ورغم الجهود الحكومية المبذولة للتخفيف من معاناة الأهالي لتأمين مياه الشرب للأهالي، وتشغيل محطات التحلية في مركز المدينة والبالغ عددها 16 محطة، والإشراف على خزانات المياه التي تتمّ تعبئتها عن طريق فرع الهلال الأحمر، واعتماد الأهالي في الأحياء على الصهاريج، ومصادر مياه غير آمنة، وتخوف منها خاصةً مع ظهور عدة إصابات بمرض الكوليرا في محافظة الحسكة وفق إحصائيات وزارة الصحة، إلا أن المحتل التركي لايأبه لكل هذه المعاناة الانسانية، ويضرب المواثيق الدولية بعرض الحائط.
نازحو رأس العين بين الألم والأمل
مع تهجيرهم توزع أبناء رأس العين بين مدن الحسكة والقامشلي هم وعوائلهم يسمعون أخبار بلدتهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو من يستطيع الخروج من هناك يبنون أحلامهم على واقع مرير بين خيم ومراكز اللجوء، حيث تمضي بهم الأيام وهم يتطلعون للعودة لمنازلهم وأراضيهم، وعودة بلدتهم إلى كنف الوطن.