دراساتصحيفة البعث

مكارثية واشنطن تضرّ بالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

كرّر جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قبل أيام، نهج الاتحاد الأوروبي متعدّد الأوجه تجاه الصين كشريك تعاون ومنافس اقتصادي ومنهجي، لكنه شدّد أيضاً على أن المنافسة بين الجانبين تزداد حدةً.

ودون تسمية الصين، قال بوريل: “إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتجنّب تحويل الاعتماد على أي اقتصاد إلى الضعف مثلما سمح الاتحاد الأوروبي باعتماده على روسيا للغاز، وأن النقاش حول الصين سيستمر، وأن مجلس الاتحاد الأوروبي أخذ في الاعتبار الرسالة التي بعث بها الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني”.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن الرسالة التي تلقاها مسؤولو الاتحاد الأوروبي من خطاب بينغ تحتوي الكثير من العناصر المشجّعة لتعزيز السلام والتنمية في العالم، وأن الصين ستواصل تعميق الإصلاح، وتوسيع الانفتاح رفيع المستوى، وأنها ملتزمة بتعزيز نوع جديد من العلاقات الدولية وتعميق وتوسيع الشراكات العالمية القائمة على المساواة، والانفتاح والتعاون، إضافة إلى أنها ستواصل اتباع سياسة خارجية مستقلة قائمة على السلام وتحترم سيادة ووحدة أراضي جميع الدول.

وفي هذا المنعطف التاريخي الحرج، يمكن للصين والاتحاد الأوروبي لعب دور حيوي في حماية السلام والتنمية العالميين، ودعم التعدّدية، ومعارضة عقلية الحرب الباردة التي تسعى إلى تقسيم العالم إلى كتل أيديولوجية متنافسة.

إن التطور السريع للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي على مدى السنوات الـ47 الماضية من العلاقات الدبلوماسية يُظهر أنه على الرغم من الاختلافات بينها، فإن الاقتصادات العالمية الرئيسية لديها الكثير من القواسم المشتركة، ويمكنها التعاون في مجموعة واسعة من القضايا، وفي العديد من المجالات ليس لمصلحتها فقط، ولكن أيضاً لمصلحة بقية العالم.

وهذا واضح في العلاقات التجارية، فقد كانت الصين أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي في مجال السلع، حيث بلغ حجم تجارتها 696 مليار يورو (680 مليار دولار) في عام 2021 كما أن إمكانات العلاقات التجارية والاستثمارية ذات المنفعة المتبادلة كبيرة، لأن الصين والاتحاد الأوروبي من بين أكبر الأسواق في العالم، ويكمل كلّ منهما الآخر بطرق عدة. وقد عزّزت الصين والاتحاد الأوروبي التعاون في مجالات مثل التخفيف من آثار تغيّر المناخ، وعدم الانتشار النووي على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس، والاتفاق النووي الإيراني بمجرد أن أصبح دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في عام 2017.

إن قائمة التعاون والتبادلات المثمرة بين الصين والاتحاد الأوروبي طويلة بالفعل، من التعليم والفنون والثقافة إلى العلوم والتكنولوجيا والرياضة والسياحة. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار التطور الصحي للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي أمراً مفروغاً منه، نظراً للتأثير الهائل الذي تمارسه الولايات المتحدة على الكتلة الأوروبية، فقد أضرّت مكارثية واشنطن وعقلية الحرب الباردة والخطاب المناهض للصين بالفعل بالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، كما يتجلّى في إجبار الولايات المتحدة للاتحاد الأوروبي على حظر “هواوي” من شبكات الجيل الخامس في السنوات الماضية، وفي وقت لاحق أظهرت التحقيقات التي أجراها خبراء حكوميون، مثل التحقيق في المملكة المتحدة، أن المزاعم الأمريكية ضد “هواوي” لم تكن سوى إثارة مخاوف!.

من المؤكد أن الصين والاتحاد الأوروبي سيتنافسان مع بعضهما البعض، تماماً مثل الشركات الصينية والأوروبية التي تتنافس وتتعاون في السوق العالمية، وهذه المنافسة صحية وضرورية، على عكس التخريب الصريح الذي ترتكبه الولايات المتحدة من خلال إجبار الدول الأخرى على الانحياز إلى جانب، والتحدث بفظاظة عن الصين، وشنّ حروب تجارية وتقنية ضد الصين، بما في ذلك القيود التي فرضتها مؤخراً على بيع رقائق أشباه الموصلات، ومعدات تكنولوجيا المعلومات الأخرى إلى الصين في محاولة للتحقق من صعود البلاد.

إن الصين والاتحاد الأوروبي يعتمدان على بعضهما البعض في العديد من المجالات بفضل تعاونهما العميق، ويجب على أوروبا، التي عانت أكثر من غيرها خلال الحرب الباردة، أن تتغلّب على ضغط الولايات المتحدة، وأن تقاوم إغراء السير نحو حرب باردة أخرى، وعليها أن تدرك أن توسيع التعاون مع الصين هو السبيل الأفضل والوحيد لتجنّب حرب باردة أخرى.