دراساتصحيفة البعث

معركة المناخ في الميزان

ريا خوري

ما زال العالم يعاني بشكل كبير من التغيّرات المناخية التي صارت ظواهر مزعجة وغير مقبولة في عدد من مناطق العالم، بل إن التغيّرات المناخية التي طرأت على العالم في السنوات الأخيرة جعلت العديد من البلدان تعيش الفصول الأربعة في يوم واحد، بين حرّ قائظ وعواصف عاتية وبرق ورعد وأمطار غزيرة جداً وفيضانات جارفة. وما جرى هذا الصيف في القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الآسيوية، ومنها جمهورية الصين الشعبية والهند، خير دليل على هذه التغيّرات الخطيرة، التي يخلّف كلّ منها ضحايا ومنكوبين وأضراراً جسيمة تلحق بالبنى التحتية والثروة الزراعية والحيوانية.

إنّ قضية الاحتباس الحراري ما زالت قضية مركزية في الجهود الرامية إلى معالجة المشكلة المناخية، فقد كشف تقرير للوكالة الدولية للطاقة أن درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زادت بين عامي 1980 و2022 بمقدار 0.46 درجة مئوية لكلّ عشر سنوات من الزمن، أي أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 0.18 درجة. وإذا استمرت بالارتفاع على هذه الوتيرة، من دون إيجاد حلول عملية، فإنّ العقود الخمسة المقبلة ستشهد ارتفاعاً في معدلات الحرارة أكبر وبدرجة غير مسبوقة، يرافقه تغيّر في أنماط هطول الأمطار وغزارتها المسبّبة للسيول الجارفة المدمّرة.

إن أغلب الدراسات والأبحاث العلمية في هذا الشأن ترسم صورة قاتمة للمستقبل، تشمل تأثيرات عنيفة جداً متوقعة للكوارث المناخية، على الرغم من التقدم الملحوظ لدبلوماسية المناخ والعمل المتعدّد الأطراف من أجل إيجاد حلول عملية ومناسبة لهذه القضية الخطيرة، لكن ذلك لا يبدو كافياً في الوقت الراهن، في ظل الأزمات المتفاقمة التي تفرض نفسها على أجندة العالم وأولوياته، وباتت تؤثر تأثيراً كبيراً وبشكلٍ مباشر في الالتزامات الدولية بخصوص جهود التصدي لأزمة المناخ وتداعياتها الخطيرة على الكرة الأرضية، والمهمة تبدو صعبة أمام الطموح المعلن من قِبَل الدول المشاركة في مؤتمرات المناخ بالوصول إلى صافي انبعاث كربوني صفري بحلول عام 2050.

على الرغم من البطء الشديد في إيجاد حلّ لهذه القضية، يعلم الجميع أنّ لكل أزمة من أزمات العالم يوجد بصيص أمل وضوء في آخر النفق، وكثير من الأمل معلّق اليوم على استضافة الإمارات العربية المتحدة لفعاليات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28) الذي سيعقد في إمارة دبي في تشرين الثاني المقبل. ونظراً لحجم الملفات والمعطيات المطروحة على الطاولة، فإن قمة المناخ المرتقبة شديدة الأهمية، وعليها رهانات كبيرة في تحقيق اختراقات جوهرية وأساسية، فهي ستوفر منصة عالمية تستعرض فيها الإمارات العربية المتحدة مبادراتها وقوانينها البيئية ومبادراتها وخططها ونهجها الإستراتيجي، واتفاقاتها الدولية البيئية التي تُسهم بشكلٍ فعّال في مكافحة التغيّر المناخي والاحتباس الحراري، كما تمنح القمة المقبلة، وفق ما تمّ الإعلان عنه، أنّ جميع الأطراف الدولية، وحكومات ومنظمات وشخصيات عالمية رفيعة المستوى، ستجد فرصة لعرض جهودها ومقارباتها، من أجل المساهمة العملية والفعّالة في معالجة أزمة المناخ والحدّ من الاحترار وإنقاذ الحياة.

لذلك لا يوجد مفرّ من العمل الدؤوب الجاد من أجل البحث عن حلول عملية وسريعة، وكسب المعركة المناخية أصبح أمراً مصيرياً للعالم أجمع يفرض توحيد الجهود وتقليص الفجوات والخلافات في العمل المناخي، حتى تتمكّن البشرية جمعاء من تجنّب العواقب الخطرة كالجفاف الشديد وندرة المياه وذوبان الجليد القطبي، والحرائق الشديدة الخطيرة كما يجري اليوم في العديد من دول العالم والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي والخلل في الإنتاج الزراعي وتربية الماشية.

وفي سياق ذلك تتفاءل الإمارات العربية المتحدة بأن تمثل استضافتها لـ”كوب 28″ دفعة قوية جديدة للجهود العالمية الحالية لمواجهة قضايا التغيّر المناخي الخطيرة، وهذا التفاؤل مشروع للجميع دون استثناء، لأن التحضيرات التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لهذه المناسبة كانت واقعية وعملية وشاملة وهادفة، وتشمل تقديم حلول عملية وعلمية منطقية، وإيجابية تدفع العمل المتعدّد الأطراف إلى الأمام بقوة، بما يسمح بتحقيق الآمال والطموحات المناخية المرجوة، ويجنّب كوكبنا الأزرق مصير الاحتراق التدريجي والتلاشي.