مجلة البعث الأسبوعية

كرة القدم في أنديتنا تسير بخطوات عشوائية … أليس من المنطق أن تبحث كرتنا عن احتراف يشبهنا ويتوافق مع الإمكانيات والمقومات؟

البعث الأسبوعية- ناصر النجار

من المؤكد أن الدوري الكروي الممتاز لم يبلغ حد النضوج حتى الآن، لذلك من حيث المبدأ فإن الفرق التي دفعت ملاليم لا تتأخر كثيراً عن الفرق التي دفعت الملايين من حيث المستوى الفني أو الأداء أو حسم المباريات.

ودوماً النتائج متقاربة وقريبة وعلى الأغلب فإن الحسم قد يكون بشيء من التوفيق أو من خلال المخزون البدني الأفضل عند بعض الفرق.

حتى دكة الاحتياط فإننا لم نشاهد لها ذلك التأثير رغم أن العديد من الفرق تملك هوامش جيدة من الخيارات أو التبديلات.

علينا أن نعترف أن كرتنا ما زالت هاوية بلاعبيها ومدربيها وإدارات أنديتها والاحتراف الذي يتحدثون عنه ليس إلا ثوباً فضفاضاً أكبر بكثير مما نشاهده في المباريات التي وصفوها بالممتاز ولم تنل علامة الوسط حتى الآن.

تدهور كرتنا يعود بالدرجة الأولى إلى أن إدارات الأندية ليست صاحبة خلفية كروية وليس لها أي ماض في كرتنا، فيحمل البعض كيس النقود ويوكل أمر القرار الفني لمن لا يستحق، والكارثة تقع إن تولى هذا الأمر بنفسه، لذلك نجد أن المال المدفوع مهما كان مصدره يهدر دون طائل لأنه لا ينفق في المكان الصحيح.

حالياً انقضى نصف الذهاب واتضحت العديد من صور الفرق على كل المستويات وبانت المواقع على حقيقتها وتوزعت الفرق ما بين منافس على لقب الدوري وغير منافس، فاليوم تحدد الصراع على القمة بين خمسة فرق ومن الصعب أن تزداد مساحة المنافسة هذه لأن الفرق الأخرى لا تملك المؤهلات لتدخل خانة الكبار ويمكننا الرهان على أن الفرق هذه قد لا تصمد كلها ومع مرور الجولات فقد يخرج فريق أو أكثر من دائرة المنافسة.

الصورة التي نراها اليوم هي صورة مؤقتة وإن رسمت بوضوح الواقع الشامل للأندية من ناحية الفكر الكروي أو كيفية استثمار الإمكانيات المالية والفنية في دعم مسيرة الفريق في الدوري.

الفرق التي تحتل المواقع الخمسة الأولى ستبقى قريبة من بعضها البعض لمراحل قادمة طويلة، وربما أذنت المفاجآت الغائبة حتى اليوم عن الدوري عن إقصاء فريق أو أكثر من المنافسة ليدخل دائرة الوسط، وهذا مرهون بالتطورات القادمة وبمدى قدرة الفرق على التعامل مع الدوري (بنفس طويل).

آليات العمل

كرتنا تختلف اختلافاً عن الكرة الممارسة في الخارج من ناحية الفكر والثقافة وآليات العمل، في هذا المفهوم فإننا لا نمارس كرة القدم، بل نمارس شيئاً يشبه كرة القدم، وللأسف حسب المتعارف عليه فإن كرتنا دخلت الاحتراف منذ أكثر من عقدين من الزمان ولكنها بعيدة كل البعد عن الهواية، فهي ليست محترفة وليست هاوية، فالهواية أن تلعب كرة القدم لذات الكرة لأنك تعشقها فتصل معها إلى الشغف وتخلص لها، وتخلص لفريقك من خلال الولاء والانتماء لقميص النادي وشعاره، وهذه الميزات خسرناها وراحت للأبد وصار اللاعبون ومن في حكمهم وكذلك كوادر اللعبة عبيد مال الاحتراف، لذلك نحن بعيدون كل البعد عن الهواية.

ومن يزعم أننا دخلنا الاحتراف فهو واهم ومخطئ، فنحن لا نعرف أي شيء عن الاحتراف ولا ندري ما آلياته وشروطه وكيفية العمل به، ومن ظن أن كيس النقود هو الاحتراف فهو جاهل لأن المال وإن كان عصب كل شيء في الحياة ومنها الرياضة إلا أنه لا يخلق رياضة احترافية ولا يصنع كرة ولا ينمّي مهارة أو يصقل موهبة.

المال ضروري للرياضة وهو أحد آليات التطوير الفاعلة في البناء الرياضي وفي صناعة نهضة شاملة قادرة على إدارة رياضة مواكبة أو منافسة على الصعيد العربي أو الإقليمي أو الدولي.

ولأننا نتحدث عن كرة القدم وفرق الدوري الممتاز وكلها محترفة منذ أكثر من عقدين من الزمان نسأل: ماذا فعل المال في كرة القدم وفي الأندية؟

المال ليكون فاعلاً في الاحتراف الكروي يجب أن يترافق مع فهم كروي صحيح وآليات تضع هذا المال في المكان الصحيح.

في أول الشروط الواجب تحقيقها البحث عن الاستقرار الإداري والفني، مع وجود منهج عمل صحيح وأهداف معلنة واستراتيجية طويلة الأمد، وكوادر مؤهلة قادرة على تنفيذ هذه الآليات ووضعها في الإطار الصحيح.

كيس المال

الخطأ الأول الممارس في الرياضة عموماً وبكرة القدم على وجه الخصوص، أن المكلفين بقيادة إدارات الأندية صاروا من أصحاب المال وليسوا من  الرياضيين، وهذا الإجراء غير صحي، لأنه سلّم مفاتيح القرار لمن يملك المال على حساب الخبرة الرياضية، فرجال المال والأعمال قد يكونون مهرة في تجاراتهم واختصاصاتهم وليس من الضروري أن ينجحوا في قيادة العمل الرياضي لأن الرياضة كقطاع له خصوصية تختلف اختلافاً جذرياً عن بقية القطاعات كالتجارة والصناعة والزراعة والسياحة، هي لا تشبههم وإن كانت تلتقي بهم، لذلك فإن أنديتنا التي وقعت تحت قيادة رجال المال والأعمال غرقت ولم تستطع تحقيق التطور المطلوب، وقد يكون ذلك بسبب ضعف الخبرة في هذا المجال، ومن الأفضل لو أنه تم العمل على تفعيل شراكة بين رجال الرياضة ورجال المال والأعمال ليعمل كل حسب اختصاصه لنصل إلى نتيجة مرضية وتحقق هذه الشراكة نجاحاً منقطع النظير وفاعلية كبيرة تصب في المصلحة العامة.

وفي استعراضنا للواقع نجد أن أسوأ قرار تتخذه هذه الإدارات ما يتعلق منها بالشأن الفني الذي يحتاج إلى خبراء وأكاديميين.

وأسوأ قرار هو اختيار الكوادر الفنية للفرق، وهذا الاختيار يأتي عن عبث والدليل أنه لا مدرب ثابت في أي نادٍ!

التنظير والنظريات

التنظير سهل والنظريات أسهل، لكن تنفيذ كل ما نفكر به في الشأن الرياضي عموماً والكروي خصوصاً أمر يحتاج إلى الشجاعة وإلى اتخاذ الخطوة الأولى.

اتخاذ قرار الخطوة الأولى صعب لأننا لا نملك الإرادة ولنقل نخشى من أي خطوة لأن حساباتنا آنية وليست مستقبلية، ولو افترضنا أن ناد ما أراد بناء كرة القدم من الصفر لوجدنا أنه سيحسب ألف حساب للجمهور (مثلاً) لأن جماهير الأندية لا تقبل إلا الفوز ببطولة الدوري، وغير ذلك مرفوض تماماً، لذلك لا نجد الشجاعة في اتخاذ القرار الصحيح وتنفيذ الخطوة الأولى فيه.

لذلك تتجه الأندية إلى العمل وفق منظومة الاحتراف الأعوج الذي يرى أن طريق البطولة عبارة عن مجموعة لاعبين مميزين ومدرب وبعض المال ، وفي كل موسم تثبت الوقائع أن هذه الخطوات لا توصل إلى البطولة ومع ذلك تستمر أنديتنا في الغرق بمستنقع الاحتراف الخاطئ.

نعلم تماماً أن الواقع والإمكانيات التي نحن فيها ونعيش عليها ليست بيئة خصبة لتطبيق الاحتراف المتعارف عليه عالمياً، لكن التطور ضمن هذه المقومات مسموح به، وكما نرى العديد من الشركات والمؤسسات قد دخلت عالم التطور ،ورياضتنا قادرة على تحقيق ذلك إن امتلكنا الإرادة والأدوات التي هي متوافرة بين أيدينا.

لذلك لا بد من العمل على تفعيل نظام احترافي يشبهنا ويتوافق مع إمكانياتنا والمقومات التي بين أيدينا.

في العالم كله فإن الهدف الأعلى في كرة القدم هو الوصول إلى كأس العالم، هذه خطوة، الخطوة الثانية الوصول إلى الدور الثاني وهكذا إلى أن يكون الهدف هو الفوز ببطولة كأس العالم.

الدول التي خططت للوصول إلى كأس العالم وصلت أكثر من مرة كإيران والمغرب والجزائر وغيرها من الدول التي هي على المستوى نفسه، والدول العريقة بكرة القدم حازت على بطولتها، وهذا الأمر بمختصره المفيد يقودنا إلى أن تحقيق الحلم يلزمه فكر وتخطيط واستراتيجية ومقومات وتنفيذ صحيح.

غياب احترافي

في كرتنا المشهد ضبابي وخصوصاً بغياب قانون الاحتراف الصحيح الذي يفتقد إلى مناهج العمل وشروطه ومحدداته، لذلك على أنديتنا البدء بمشروع احترافي يتناسب معها كل حسب مقاسه وحجمه وإمكانياته.

كرة القدم في أنديتنا (أي كلام) لأنها عشوائية، لذلك أليس من المنطق أن تبحث أنديتنا عن احتراف منطقي يتوافق مع الإمكانيات والمقومات؟.

كل ناد يجب أن يبحث عن القرار الذي يناسبه تجاه الاحتراف بما يتناسب مع المقومات والثوابت المالية والإنشائية والفنية التي يملكها، ووفقها عليه اتخاذ القرار والإعلان عن الهدف الرئيس.

وهنا لا بد من أن نسأل أنديتنا، ما هدفكم من كرة القدم، وماذا تريدون منها؟

إذا كان الهدف بطولة الدوري فهو هدف نبيل لكنه لا يأتي إلا بعد تحقيق أهداف استراتيجية، فالبطولة لا تأتي صدفة ومن فراغ!

فمن الطبيعي أن يكون الهدف الأسمى لكرتنا صناعة كرة القدم وبنائها وفق منظور علمي، قد تكون هذه الاستراتيجية طويلة لكنها في المحصلة العامة ستمنحنا كرة متطورة كما تريد كرة القدم الاحترافية.

ولنشرح الفكرة لابد من مثال واضح، ففريق حطين لم يفز في بطولة الدوري حتى الآن وصرف على الاحتراف مال كثيراً وهو اليوم بين المهددين وسبق أن نجا من الهبوط في الموسم الماضي بقدرة قادر، ولو أنه اعتنى بمواهبه وما أكثرها لما خسر ماله ولما وصل إلى ما وصل إليه الآن من موقف لا يحسد عليه.

الوحدة اليوم في وضع محرج والظروف خانته فوجد نفسه مضطراً لزج الشباب من لاعبيه وعدم الانجرار وراء عقود الاحتراف لضيق ذات اليد، الظروف هي التي وضعت الوحدة في هذا الموضع وعلى مبدأ رب ضارة نافعة فعلى إدارة النادي استثمار هذا الموقف في بناء فريق شاب وتكريس جهدها وجلّ مالها لبناء قواعدها بطريقة علمية صحيحة، وحتى تخرج من ضغوط جمهورها عليها إعلان أهدافها واستراتيجيتها للجميع.

والمثال الأخير من نادي الفتوة، اليوم كيس المال مفتوح والفريق الذي يمثل النادي من مشارب مختلفة والهدف بطولة الدوري وهذا الكلام لا غبار عليه، ولكن إذا جف نبع المال في الموسم القادم، فكم لاعب سيبقى في الفريق؟ وكم لاعب من أبناء الفتوة مع الفريق اليوم؟ ما يتم صرفه من مال على القوالب الجاهزة لا يفيد أنديتنا لأنه يساهم بخرابها بأسرع من سرعة الضوء.

بعد كل هذا من المفترض أن نقف أمام أهدافنا بصدق وأن ننطلق نحو الحقيقة بكل شفافية ومنطق ونعلن عن الأهداف الحالية والمستقبلية، فهذا أفضل من احتراف هدام لم نجن منه إلا الخراب وسوء المستوى والتراجع.