التخلي عن الشهادة الجامعية في سبيل لقمة العيش.. وسوق العمل الحر بات مزدحماً
دمشق- البعث
نصادف في المجتمع الكثير من الخريجين الجامعيين الذين يعملون بأعمال بعيدة عن اختصاصاتهم، أو بالأحرى أعمال لا تحتاج لأي مهارة أو شهادة تعليمية، كالعمل في مطعم أو كسائق سيرفيس أو سيارة أجرة، وغيرها من الأعمال الحرة التي تؤجّج التساؤلات المختلفة حول الخريج الجامعي الذي يبحث عن مستقبل وظيفي يؤمّن له أبسط متطلباته الحياتية، وهذا بكل تأكيد لا يشمل الوظيفة العامة التي لم تعد هدفاً لضعف الدخل الشهري، إضافة إلى صعوبة الحصول عليها.
كما لا بدّ من التأكيد أنه رغم الاتفاق على أن المهمّة الرئيسية للجامعات والمعاهد هي التعليم والتربية والتخريج، وأن التوظيف ليس من سلم أولوياتها، إلا أن ذلك لا يلغي أن مهمّة ربط سوق العمل بالجامعات مسؤولية مشتركة، كونها تسهم في الحفاظ على الكوادر البشرية الشابة، فلا أحد منا ينكر الفجوة الضخمة بين التعليم والعمل، وخاصة في القطاعات الخاصة التي لا تبذل أي مجهود لاستقطاب الخريجين وتدريبهم، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن القطاعات العامة تقوم بإجراء المسابقات على الرغم من أن التعيينات ضئيلة جداً مقارنةً بنسبة الخريجين العاطلين عن العمل، ولكنها مقبولة في ظل هذا الواقع المرير.
وفي وقت يختبئ الخريج الجامعي خلف عبارة “الشغل مو عيب”، تتوالى الأرقام التي تدين المجتمع كاملاً بمسؤوليته عن ضياع مستقبل الشباب الذي يصرف لتعليمه مليارات الليرات، ولا شكّ أن هذه الجملة التي ردّدها على مسامعنا أحمد مرعي، وهو أحد خريجي كلية السياحة، بإحباط كبير وغصة مريرة حملها الشاب ذو الـ 23 عاماً، استطاع بإرادته الصلبة وعزيمته مواجهة مصاعب الحياة التي تتلخص بكونه المعيل الوحيد لأسرته، والذي من المفترض أن يحصل على عمل يناسب مؤهلاته العلمية والدراسية ويكسبه مردوداً مادياً يمكنه من مساندة عائلته والاستقرار، لكنه أضحى بعد حصوله على الشهادة الجامعية “شوفير تكسي”، وذلك بعد رحلة طويلة في البحث عن عمل تكللت بالفشل بسبب الحواجز الوهمية التي تتطلبها سوق العمل، وتتمحور غالباً بأن الطالب الذي أمضى 4 سنوات من عمره على الأقل في دراسة الكمّ الهائل من المواد غير مؤهل ولا يملك أي “خبرة عملية”، وهنا تكمن المعادلة المستحيلة التي لم يتمكّن أحد من الطلاب حتى الآن من حلّها، فكيف يمكنهم تحصيل خبرة عملية غائبة في المناهج الجامعية طالما يتمّ رفضهم في كل عمل يتقدمون إليه بحجة قلة الخبرة؟!
ويضيف خالد، أحد خريجي كلية الاقتصاد، بأنه دخل كلية الاقتصاد ودرس تخصّص المصارف عن رغبة مسبقة أولاً، ولتحقيق أحلام والده ثانياً، لكن وبعد تخرجه بدأ الحلم يتبدّد، لأن أول شروط التوظيف هي خبرة من ستة أشهر إلى سنة، وشهادات رديفة ببرامج المحاسبة كالاكسيل والأمين والرشيد، إضافة إلى إتقان اللغة الإنكليزية والتي بدورها هي دورات غير منتهية ومكلفة، ويستحيل على طالب خريج جديد ومن عائلة بسيطة مادياً الحصول عليها جميعاً، لذلك أصبح عمله كمحاسب في أحد محلات الشاورما أمراً ممكناً وضرورياً، يكفي أن يكسبه مالاً يشعره بالاكتفاء المادي.
كما تعاني لونا السعيد – خريجة كلية الإعلام – من عملها بصالون تجميل على الرغم من حملها شهادة جامعية، ذلك أن دخول إحدى المحطات التلفزيونية أو الإذاعات يتطلب منها امتلاك خبرة عملية غائبة في المناهج الجامعية، وقد تكلفها ثروة كبيرة تنفقها على معاهد التدريب الإعلامي المنتشرة في البلد، والتي غالباً ما يكون الهدف الأسمى لها تجارياً بحتاً.
فجوة ضخمة وطاقات مكبوتة
أحمد وخالد ولونا عيّنة صغيرة من مجتمع جامعي شبابي كبير يعجّ بالبطالة وخيبات الأمل، فبدلاً من استثمار هذه الطاقات الشبابية بكافة الفروع، العلمية أو الأدبية، وتنميتها وتوجيهها إلى المنحى الصحيح لتساهم في تطوير البلد والمضي به بعد هذه الأزمة الطاحنة، يتمّ تجاهل قدراتهم ودفعهم بطريقة غير مباشرة للهجرة.
بالمحصلة، لن نسأل الجهات المعنية كونها ستعيد تكرار الإجابات نفسها حول التدريب والتأهيل والمسابقات والواقع الاقتصادي، لذلك اكتفينا بإعادة مشاهد الضياع التي يعيشها الشباب الجامعي لعلها تستطيع إيقاظ الخطط والوعود التي نامت في الأدراج منذ سنوات طويلة!