مجلة البعث الأسبوعية

الدكتاتورية المقنعة… الوحوش الاستبدادية تعصف بحرياتنا

 البعث الأسبوعية- ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة

“تمر بهم  في الشارع، وعلى شاشات التلفزة ويمكن أن تصّوت لأحدهم، معتقداً أنهم أناس مثلك تماماً، لكن في حقيقة الأمر أنت مخطئ تماماً”.

نحن نعيش في عالمين، حيث يوجد عالم نراه، أو تم إعدادنا لرؤيته، وعالم آخر نشعر به، وأحياناً نلقي نظرة  خاطفة عليه، لكنه بعيد كل البعد عن الواقع الخاضع للدعاية التي تصنعها الإدارة الأمريكية والشركات الراعية لها، بما فيها وسائل إعلامها.

في الواقع، ما ينظر إليه معظم الأمريكيين على أنه الحياة في أمريكا – المتميزة والتقدمية والحرة – بعيد كل البعد عن الحقيقة المتمثلة بتفاقم التفاوت الاقتصادي، والأجندات الحقيقية، والقوة الحقيقية المدفونة تحت طبقات من الاٍزدواجية، وتشويش الشركات و”الحرية” التي يتم معالجتها بجرعات قانونية صغيرة من قبل الشرطة العسكرية والعملاء الفيدراليين المسلحين حتى النخاع.  ليس كل شيء على ما يبدو عليه، إذ أن هناك وحوش تحمل وجوه بشرية تسير بيننا، يعمل الكثير منهم لصالح إدارة الولايات المتحدة.

هذه هي مقدمة فيلم الخيال العلمي “إنهم يعيشون”، الذي أخرجة جون كاربنتر عام 1988 ولا يزال ملائماً بشكل مخيف لعصرنا الحديث. اشتهر جون كاربنتر بفيلم الرعب “هالوين”، إذ يفترض أن هناك شكلاً من أشكال الشر المظلمة للغاية بحيث لا يمكن قتلها.

في الحقيقة، تتميز مجموعة أعمال كاربنتر بصبغة قوية مناهضة للاستبداد، و بكونها مقتضبة تتحدث عن مخاوف صانع الفيلم من تفكك المجتمع الأمريكي، لا سيما إدارته.

إذ يصور كاربنتر الإدارة الأمريكية وهي تعمل ضد مواطنيها، حيث تجعلهم بعيدين كل البعد عن الواقع، وتغرقهم بتقنيات تخرج عن السيطرة، ومستقبل أكثر رعباً من أي فيلم رعب آخر. وفي فيلمه “إهرب من نيويورك” يقدم كاربنتر الفاشية على أنها مستقبل أمريكا.،كما يفترض في فيلم ” الشيء”  – النسخة الجديدة من فيلم الخيال العلمي الكلاسيكي لعام 1951 الذي يحمل الاسم ذاته-  مسبقاً أن الأمريكيين جميعهم أصبحوا منزوعي الإنسانية على نحو متزايد.

يلاحظ كاربنتر أن الشر ينمو عندما يفقد الناس “القدرة على معرفة الفرق بين الواقع والخيال”. وفي فيلمه “إنهم يعيشون” يكتشف عاملان مهاجران أن العالم ليس كما يبدو، حيث يتم التحكم في السكان واستغلالهم من قبل غرباء يعملون في شراكة مع النخبة الأوليغارشية. وطوال هذا الوقت، لم يكن السكان مدركين لجدول الأعمال الحقيقي في حياتهم فقد “روضوهم” على قبول الأمر الواقع، حيث يتم تلقينهم على الامتثال، وصرف انتباههم بالعناوين العريضة في وسائل الإعلام، وتنويمهم بالرسائل الضمنية التي تُبث على شاشات التلفاز والأجهزة الإلكترونية المختلفة، واللوحات الإعلانية.

فقط عندما وجد جون ندى المشرد،  نظارة شمسية تم التلاعب فيها – عدسات هوفمان – استطاع جون أن يرى ما يكمن وراء الواقع المصطنع للنخبة، أي السيطرة والعبودية. فعند النظر إليها من منظور الحقيقة، فإن هذه النخبة، تبدو بشرية حتى يتم تجريدها من أقنعتها، حيث تظهر آنذك أنهم وحوش استعبدت المواطنين من أجل افتراسهم.

وبالمثل، تبرز اللوحات الإعلانية رسائل مخفية وموثوقة، رفوف المجلات تصرخ “استهلاك”، ورزمة من سندات الدولار في يد البائع تقول، “هذا هو إلهك”.

عند النظر إليها من خلال عدسات هوفمان الخاصة بـ جون، تتضمن بعض الرسائل المخفية الأخرى التي يتم تسريبها إلى العقل الباطن للناس، وهي الخنوع، والبقاء نائماً، والشراء، ومشاهدة التلفاز، وعدم التخيل، وعدم السماح  بطرح أسئلة تشكك بالسلطة.

حملة التعبئة الإيديولوجية هذه التي صممتها النخبة في “إنهم يعيشون” مألوفة بشكل مرير لأي شخص درس تدهور الثقافة الأمريكية، فالمواطنون الذين لا يفكرون في أنفسهم، ويطيعون دون سؤال، والخاضعين، الذين لا يفكرون خارج الصندوق، والقانعين بالجلوس والاستمتاع، هم مواطنون يمكن التحكم بهم بسهولة.

وبهذه الطريقة، تقدم الرسالة المبطنة لـ “إنهم يعيشون” تشبيهاً مناسباً للرؤية المشوهة للحياة في الدولة البوليسية الأمريكية، وهذا بالضبط ما يشير إليه الفيلسوف سلافوي جيجيك بالديكتاتورية في الديمقراطية، “النظام غير المرئي الذي يحافظ على حريتك الظاهرة”.

يقول نائب وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق جون وايتهيد،  يتم تزويدنا بسلسلة من التخيلات المصطنعة بعناية والتي لا تشبه الواقع، فقط تخلص من محاولات الإدارة لتشتيت وصرف انتباهك، وإرباكك وضبط ما يحدث بالفعل في هذا البلد، وسوف تندفع إلى حقيقة لا لبس فيها وغير مستساغة، وهي إننا نتعامل اليوم مع وحش استبدادي تجاوز حجمه سلاسله ولا يمكن قمعه.

من خلال عمليات الاستيلاء على السلطة، والوحشية، والفسق، والجشع، والفساد، والاستبداد أصبحت الإدارة  مرادفة للشر الذي تدعي محاربته، سواء كان ذلك الشر على شكل إرهاب، أوتعذيب، أومرض، أو اتجار بالمخدرات، أو القتل، أو العنف، أو السرقة، أو المواد الإباحية، أو التجارب العلمية، أو بعض الوسائل الشيطانية الأخرى لإلحاق الألم والمعاناة والعبودية بالإنسانية.

لقد تركنا أعمال الإدارة الشريرة وانتهاكاتها تستمر لفترة طويل، فعلى الرغم من أننا أكثر عرضة للوفاة بأمراض القلب بمقدار 17600 مرة عن الهجمات الإرهابية، 11000 مرة للوفاة بحادث طائرة من مؤامرة إرهابية باستخدام طائرة، كما أن احتمالية الوفاة  بسبب حادث سيارة أكثر بـ 1048 مرة من هجوم إرهابي، وإننا معرضون للقتل على يد ضابط شرطة، أكثر بـ  8 مرات من قتلنا بواسطة إرهابي. لقد سلمنا أمور حياتنا إلى المسؤولين الحكوميين الذين يعاملوننا كوسيلة لتحقيق غايتهم.

كما حذر الرجل الملتحي في “إنهم يعيشون”،  “إنهم يفككون الطبقة الوسطى النائمة ليصبح المزيد والمزيد من الناس فقراء، إننا نخضع لهم كالمواشي، حيث يتم تربيتنا من أجل العبودية. لقد اقتنعنا بالوهم ورفضنا فهم الحقيقة.، ومنذ اللحظة التي نولد فيها حتى نموت، يتم تلقيننا فكرة أن أولئك الذين يحكموننا يفعلون ذلك من أجل مصلحتنا، لكن الحقيقة مختلفة تماماً.

القوى التي تريدنا أن نشعر أننا عرضة للتهديد من قبل قوى خارجة عن سيطرتنا -إرهابيون، وأوبئة، وإطلاق نار جماعي، إلخ- يريدوننا أن نخاف ونعتمد على الإدارة الأمريكية وجيوشها العسكرية من أجل سلامتنا ورفاهيتنا، بل إنهم يريدوننا غير واثقين ببعضنا البعض.

الأهم من ذلك كله، يريدون منا أن نواصل السير بخطى ثابتة وفقاً لإملاءاتهم مثل “الزومبي”، خائفين ومسيطر علينا ومسالمين.

هذا يعيدني إلى “إنهم يعيشون” حيث لا يكون “الزومبي” الحقيقي هم الغرباء الذين يصدرون الأوامر، بل الجماهير التي تكتفي بالبقاء تحت السيطرة.

عندما يتم قول وفعل كل شيء، فإن عالم “إنهم يعيشون” لا يختلف كثيراً عن عالمنا، كما أشارت إحدى الشخصيات، ” الفقراء والطبقة الدنيا تتزايد، في الوقت الذي تتلاشى فيه العدالة العرقية وحقوق الإنسان. لقد أوجدوا مجتمعاً قمعياً ونحن متواطئون معهم عن غير قصد. وجودهم ​​في الحكم يكون من خلال إبادة الوعي، لقد جعلونا غير مبالين بأنفسنا وبالآخرين، نحن نركز فقط على مكاسبنا الخاصة”.