أخبارصحيفة البعث

الهيمنة الأمريكية بين خلق الأعداء والأتباع

تقرير إخباري:

برعت الولايات المتحدة الأمريكية في خلق الأعداء وصنع الخصوم لمجابهتهم كسياسة ثابتة لتقوية هيمنتها، فأمريكا وحلف الناتو لا يعيشان دون أعداء، إذ يتابع الناتو مشروع توسّعه من المحيط الهادئ إلى الأطلسي بهدف إدخال المزيد من الأتباع الجدد، سواء في دول أوروبا الشرقية أم آسيا، وتحميلهم تبعات وتكاليف هذا المشروع المدمّر للعالم واقتصاده، هذا في وقتٍ سئمت فيه دول أوروبا الغربية من اعتبارها تابعاً لا شريكاً لأمريكا، وتعمل الآن على التنصّل من مشاريع هذا الحلف رغم الكثير من المحاولات السابقة، كمعارضة فرنسا لغزو العراق، أو محاولات ألمانيا وفرنسا الخروج من محاولات إدخال أوروبا في مواجهة خاسرة مع روسيا قد تؤدّي إلى سحق اقتصاد الاتحاد الأوروبي وتدمير سياسته الداخلية أو الخارجية، ومع ذلك تصرّ أمريكا على منع أوروبا من الاعتماد على الغاز الروسي مهما كانت النتائج، بل تحاول أيضاً الضغط على الهند في سبيل منعها من شراء النفط الروسي.

وكردّ فعل أمريكي على محاولات الاستقلال بالقرار الأوروبي ومظاهره الآخذة بالتعاظم، وآخرها معاودة الانفتاح على الصين، وبناء الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية معها، تحاول أمريكا نقل مركز الثقل في القرار الأوروبي من فرنسا وألمانيا نحو أوروبا الشرقية، وبشكل خاص إلى الدول الفقيرة كأوكرانيا وبولندا، عبر مدّهما بالأموال والتقنيات المتطوّرة، على غرار ما فعلته سابقاً مع اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا الغربية، لجعلهم أتباعاً دون رأي لا حلفاء، كما تجتهد واشنطن في إنهاء سيطرة باريس وبرلين على قرار الاتحاد الأوروبي، مع إصرار وجهة النظر الأوروبية والشعب الأوروبي في الشوارع والساحات على رفض استمرار الخسائر الحاصلة في اقتصادهم ووضعهم المعيشي وحتى السياسي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، وتحميل بلادهم معظم فاتورتها دون طائل.

إن أمريكا لم تتخلَّ عن اعتبار الصين عدوّها الأول حتى وإن عدّلت استراتيجيتها الدفاعية لهذا العام بإدراج روسيا كخطر أول، وبالتالي تريد من الأتباع الإيمان بتلك النظرية وتطبيقها، تحت طائلة العبث بالحدائق الخلفية لدولهم، حيث باشرت واشنطن بالاعتماد على الفوارق الطبقية والمعيشية والتقنية بين دول غربي وشرقي أوروبا كعامل خلاف وانقسام لتعزيزه لمصلحتها، وحتى لو فشلت في نقل مركز الثقل نحو الدول الشرقية لوجود عوائق كثيرة أمام تلك الدول، فهي ستعمل على أدنى تقدير على إضعاف الدول الغربية، إن لم يفضِ ذلك إلى مواجهات عسكرية.

وتنمو حالياً، وبشكل متزايد، إعادة التموضع الأوروبية على الرغم من المعاندة الأمريكية، ويشجّع الأوروبيون في ذلك قوّتهم المالية التي ستمكّنهم من الإفلات من أي ضغوط أمريكية محتملة لفترةٍ زمنية كبيرة، مع استحالة مواصلتهم السير خلف جنون الإدارة الأمريكية وصراعاتها، بل يتوقّع بعض المحللين أنّ تنامي محاولات الاستقلال الغربية ضدّ أمريكا قد يدفع الأخيرة نحو إعادة النظر في سياساتها الخارجية وعنجهيتها غير المدروسة، ويعزّز ذلك الرأي ظهور مناورات أمريكية جديدة كزيادة وتيرة الرغبة في التفاوض والتهادن مع الصين وروسيا، ومحاولة إيجاد مخرج لإنهاء الحرب في أوكرانيا، عكس المؤشرات السابقة بميلها نحو التصعيد عبر التحشيد في أوروبا على تخوم روسيا، وفي استراليا على تخوم الصين.

بالمحصلة، إن سياسات أمريكا الأخيرة توقع العالم في حرب باردة، عبر تسييس كل شيء وتعزيز ذلك بحروب لا نهاية لها سواء في موضوع حوامل الطاقة أم في مجال الرقائق الإلكترونية أم الغذاء، فهل سيدفع ذلك أوروبا للانضمام إلى الأقطاب الجديدة الرافضة لهذه الحرب؟

بشار محي الدين المحمد