زيلينسكي ينقلب على نفسه
هناء شروف
انقلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على نفسه قبل أيام في تغيير لموقفه السابق تحت الضغط الأمريكي، وبناءً على نصيحة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الذي زار كييف مؤخراً.
ربما نصح سوليفان زيلينسكي بإجراء محادثات مع روسيا على أمل أن يجعل المجتمع الدولي يعتقد أن أوكرانيا وليست روسيا هي التي تريد حلّ النزاع. بمعنى ما، هي محاولة من واشنطن لصرف الانتقادات المتزايدة بسبب افتقارها إلى الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع، وهو الصراع الذي لم يعاقب أوكرانيا وروسيا فحسب، بل بقية العالم والدول النامية على وجه الخصوص من خلال التسبّب في ارتفاع أسعار الطاقة، وزيادة التضخم العالمي، والتسبّب في نقص الغذاء، وإضعاف المعركة العالمية ضد تغيّر المناخ.
كما أنها محاولة من قبل الولايات المتحدة لمواجهة الواقع الجديد في الداخل بالنظر إلى تراجع الدعم الشعبي لتورّط واشنطن في الصراع. ففي رسالة حديثة، دعا الأعضاء التقدميون في الحزب الديمقراطي الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى استخدام الدبلوماسية لمنع حرب طويلة الأمد، وتراجعوا لاحقاً عن الرسالة خوفاً من أنها ستساعد الجمهوريين على الفوز بمقاعد أكثر في انتخابات التجديد النصفي.
أظهر استطلاع أجراه مركز “بيو”، في أيلول الماضي، أن الأمريكيين أقل قلقاً مما كانوا عليه في الربيع بشأن خسارة أوكرانيا للصراع، حيث قال 38 في المائة فقط إنهم قلقون للغاية بشأن أوكرانيا، مقارنة بـ55 في المائة في أيار الماضي.
ووفقاً لاستطلاع نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” أيضاً، في 3 تشرين الثاني الجاري، فإن نحو 48 بالمائة من الجمهوريين يقولون إن الولايات المتحدة تفعل “الكثير” لدعم أوكرانيا، في ارتفاع كبير عن 6 بالمائة فقط في آذار الماضي.
وقال كيفين مكارثي، وهو عضو بارز في مجلس النواب، الشهر الماضي، إنه لن يكون هناك “شيك على بياض” لأوكرانيا إذا فاز الجمهوريون في انتخابات التجديد النصفي، ما أثار مخاوف من أن تراجع الدعم الأمريكي قد يؤثر سلباً على حلفاء الناتو.
لا يمكن حلّ النزاع الروسي الأوكراني إلا من خلال المفاوضات والوسائل الدبلوماسية، لكن يجب ألا تكون المحادثات بين روسيا وأوكرانيا فحسب، بل يجب أن تكون أيضاً بين روسيا وحلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي شارك بعمق في الصراع، ولعب دوراً رئيسياً في إشعاله.
في ردّهما على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كانون الثاني الماضي، رفضت الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي معالجة المخاوف الأمنية الأساسية لروسيا، بسبب توسّع الناتو المتهور باتجاه الشرق في العقود الماضية واحتمال ضمّ أوكرانيا إلى الكتلة العسكرية.
في الآونة الأخيرة، حثّ قادة أوروبيون، مثل المستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، الصين على استخدام نفوذها للمساعدة في إنهاء الصراع، لكن ظلت الصين ثابتة على موقفها، داعيةً إلى ضبط النفس والهدوء لتجنّب تصعيد الصراع، كما كرّرت التأكيد على أنه لا يمكن إنهاء الصراع إلا من خلال تسوية تفاوضية، وهو الأمر الذي تتجاهله للأسف جميع الأطراف الأخرى.
كما دعت دول مثل جنوب إفريقيا والهند إلى حلّ سياسي للنزاع، وعرضت المساعدة في إجراء محادثات سلام، لكن أوكرانيا، والولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو لم يأخذوا الأمر على محمل الجد.
إذاً تتطلّب التسوية التفاوضية للنزاع الروسي الأوكراني جهوداً حقيقية من الجانبين، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، وهذه التسوية التفاوضية ربما تعني حلاً عادلاً يساعد جميع الأطراف على استعادة السلام الدائم.