“نحات نور”.. قبل التوقيع
أمينة عباس
خلافاً لما هو متعارف عليه في معظم المراكز الثقافية، ارتأى الشاعر محمد سعيد العتيق عقدَ ندوة نقدية مؤخراً في المركز الثقافي في أبو رمانة حول ديوانه الجديد “نحات نور” قبل طباعته، وهو ما اعتاد أن يقوم به دائماً رغبة منه في الاستفادة من الملاحظات التي يقدمها المشاركون: الناقد د. أحمد علي محمد والكاتب محمد الحفري، وكذلك ملاحظات الحضور.
خليفة عمورة، مدير الندوة، أشار بدايةً إلى العتيق وأساليبه الشعرية وكيف أن الشعر لديه غاية يرتجي منها قول الحق والعودة إلى عهد الطفولة والبراءة، وإلى مورك مسقط الرأس. وكشأن المجتمعات المأزومة والتي تعيب على الجمال جماله بين عمورة ما عانى منه الشاعر من محاولات التقليل من شأنه، لكنه وبخفة الطائر كان يقفز عن تلك الترهات ليعري الواقع المر، وهو المعروف أنه لا يخشى في الحق لومة لائم، لذلك تنزه عن كيل المدائح ونصب نفسه شرطياً على الجمال، يعطي لكل ذي حق حقه وفي المقدمة الوطن الذي دفع ضريبة الانتماء إليه حين أخلوا سبيله إليه عندما رفع علمه في جامعة الربع الخالي.
مرابع الطفولة
وأشار الحفري إلى أنه من المتتبعين لحركة الشاعر الإبداعية، وقد قرأ في السابق بعضاً من نتاجه مثل “على ضفاف الروح” و”وجد وعشاق الشام” و”طرائد النور”، واتضح له صدق الشاعر ومحبته واعتماده على التراث أحياناً، وعلى مخزون هائل من الثقافة في أحيان أخرى، متوقفاً عند ديوانه الجديد “نحات نور”، وبالتحديد عند البيت الأخير من إحدى قصائده، والذي يقول فيه: “أطلقتُ أحلامي تسافرُ في المدى … كيما يعود الطفلُ يلعب في التراب”، ميبنا ارتباط الشاعر الوثيق مع الطفولة العالقة في باله ووجدانه، وتوقه لسماع صوت جارتهم القديمة، وطعم المجدرة مذاق الشام وخبز التنور والجلوس على قطعةٍ من حصيرٍ، والجد والجدة وهما يلعبان النرد، مشيراً إلى أننا نجد هذه الطفولة في مطارح أخرى كما هذه القصيدة: في العيدِ أذكر كم أنا طفل، وما زالتْ يدي تهز جذع الليل كي يفنى، لينفتح الصباح على الحقول، ووجبة الطين الشهي، وحلاوة العيد والنهر والمواشي السارحة في البراري، وصوت النايات الصادحة واكتشاف الأسرار، والعبث في فك لغزها وتفسيرها، لتكون هذه الحياة البسيطة هي التي يحنّ إليها الشاعر الآن، والمرتبطة بالطفولة التي تحيل القارئ فوراً إلى البراءة وجوهر الصفاء الذي ينحدر منه الإنسان، وبين الحفري أيضاً أهمية المكان في حياة الشاعر العتيق من خلال الانتماء العميق والصادق إلى تراب بلادنا التي تعانق السماء أصالةً وحضارةً، فترتبط كتابته بتلك الجبال والأودية والسهول التي تمتدّ بساطاً أخضر لا نهاية له في محافظة حماة بيئته الأولى المقيمة في داخله ووجدانه وقلبه وروحه، وهي التي جعلت منه عاشقاً ومتيماً.
سباعيات العتيق
وتوقف الناقد د. أحمد علي محمد عند ما يعرف في الشعر بالسباعيات، ذاكراً أن في سباعية العتيق سبعة أسرار تساؤل وحيرة واندماج مع الطبيعة وتخمير للإبداع، وهو مُجزّأ ومضمر في الخيال، واللغة المدى والامتلاك لأبعاد المكان وتوتر ينتهي إليه هذا الجزء، وهو بذلك أسس كوناً شعرياً هروباً من طوق زخم ثقافي مترام في حقول شاسعة دينية وحضارية لا حدود لها ليدخل بطوق السباعيات التي تمتد إلى الأدب العربي الذي أنتجه غير العرب من أمثال عمر الخيام وعيسى الألبي مما شكّل محوراً تنبثق عنه الذات في حوار مع الآخر الأجنبي على نطاق المضاهاة الثقافية دون أن يقصد العتيق – برأي محمد – الدخول في أتون المباراة الثقافية في مجال السباعية لأن شعره يتمحور حول الذات في قلقها وحيرتها كما أنه لم يلتزم بمحدودية العدد.
ابن تجربته
بعد أن قرأ العتيق مقاطع من قصائد الديوان، بين أن هذه السباعيات لم تكتب عن سابق اصرار وإنما جاءت عفو الخاطر في الديوان الذي ضم أيضاً رباعيات وخماسيات، مبيناً أن الشاعر هو ابن تجربته، وهو يكتب نصه دون أن يقرر إن كانت أبياته خماسية أو سباعية أو رباعية، مؤكداً أنه بعد أن يتم توقيع الشاعر الجسدي على ذاته الشاعرة بنص قد يصبح قريباً أو بعيداً عن القارئ، يبدأ الشاعر بالنظر إلى روح النصوص التي كتبها مع تأكيده على أن الذاكرة الجمعية داخل الإنسان هي التي تجعله يتدفق شعراً ونثراً ومعنى.