ثقافةصحيفة البعث

حكايات لونية بمناسبة الحركة التصحيحية

حلب – غالية خوجة

ترى، ما الذي تخبرنا به أعمال 31 فناناً تشكيلياً في هذا المعرض المشترك المحتفي بالذكرى 52 للحركة التصحيحية التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد ويواصلها القائد بشار حافظ الأسد، والذي أقامته جمعية أصدقاء فتحي محمد للفنون التشكيلية بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين بحلب في صالة الأسد للفنون الجميلة؟

اتسمت الأعمال بمعاناة الإنسان وطبيعته وبيئته وأفكاره وأحلامه وآماله، خصوصاً، وأنه إنسان عربي سوري عانى ووطنه من حرب عشرية ظلامية، وانتصر عليها، وبدأ يشرق مجدداً بحكاياته التي تعود من الذاكرة بأثر رجعي، وتعود من المستقبل بتفاؤل وأمل وعمل، مما يجعل المشاهد الحكائية اللونية التي ترويها هذه اللوحات الفنية متحركة بإيقاعات ديالوغية ومونولوغية تصلنا من خلال 32 عملاً، وهي تخبرنا بألوانها وخطوطها وإيقاعاتها عن الأبعاد المتداخلة بين المبنى والمعنى من النص الذي تعكسه السرديات البصرية لكل لوحة، ومنها لوحة للفنان محمد صفوت بعنوان “طبيعة من بلادي”، وتبدو فيها الطبيعة غائرة وواضحة في آنٍ معاً، وكأنها توشوش “سيزان” وأشجاره، وتخطف من “فان غوغ” لمسة العشب بين اليباس وتدرجات الأخضر، متفائلة بفرحها وهدوئها وظلال الصمت.

وبدورها، ترحل بنا إلى لحظة من الطمأنينة لوحة الفنان خلدون الأحمد بعالمها الفراغي الأزرق وتشكيلات حروفيتها المنحنية على دواخل ألوانها وتدرجاتها بين الأخضر والأحمر والأزرق والبنفسجي.

وبالمقابل، تتخذ خطوط الفنان أحمد قاسم حركتها من إيحاءات الليل والنهار وما تضمره من حالات صمتها وكلامها، بينما تبدو عناصر متنوعة في الأعمال المشاركة الأخرى، منها شخصية المرأة المكافحة، الصابرة، الطموحة، الثكلى، كما تظهر طفولة بلادنا بواقعها الحياتي، وتتهادى الفصول مع العوالم الطبيعية بين الريف والبراري والحدائق، ولا تبتعد الأمكنة التراثية عن الحضور في هذا الفضاء المتشبث بأرضه وشهدائه ومستقبله وحكاياته الملحمية.

واعتبر التشكيلي إبراهيم داود، أمين سر اتحاد الفنانين التشكيليين بحلب، المعرض احتفالاً سنوياً بذكرى أعياد تشرين، واليوم يقام للمرة العاشرة، ويشارك فيه إضافة لأعضاء الجمعية فنانون تشكيليون من اتحاد التشكيليين فرع حلب، وأعضاء جدد، وتتنوع الأعمال بين التجريد والرومانسية والواقعية والحروفية والرمزية والطبيعية السحرية.

وبدوره، أكد الفنان فيصل تركماني رئيس جمعية أصدقاء فتحي محمد على دورية المعرض احتفاء بذكرى الحركة التصحيحية، وأضاف: التناغم الإنساني محور الأعمال التي تظهر فيها الشخوص والبيئة والأماكن، وما تعكسه من طبيعة ودلالات وقصص ومدارس فنية مختلفة.

وحدثتنا الفنانة نجلاء دالاتي عن لوحتها البانورامية الواقعية الخاصة بمعالم حمص من مسجد وكنيسة وناعورة حديدية وساعتين: أحببت أن أظهر التراث العمراني وحجارته، ورسمت ساعة حمص القديمة بتوقيت يختلف عن ساعتها الجديدة، وأحببت أن أشير إلى الصباح مع الساعة السابعة والبدايات الجديدة المصاحبة لبطلة اللوحة “ياسمين”، وهي حاضرة في جميع أعمالي، مثل الحمامة الوحيدة المنتظرة دائماً، وحرف النون الذي أرمز به إلى سفينة نوح والأمل بالنجاة بعد الطوفان.

أمّا الفنانة لينا مفتي، فعرفتنا عن نفسها: حلبية بين تركيا والسعودية، بدأت بكلية الطب بجامعة حلب وانتهيت بإدارة الأعمال، ورسمت أكثر من 70 لوحة، وأشارك للمرة الأولى في هذا المعرض بلوحة “رحيل الأحزان”، عبّرت من خلالها عن حالة أصابتني حال وصولي إلى حلب، وبعد زيارتي لحي الميدان والحارات القديمة، وكان الضباب والشتاء يزوران حلب معي، لذلك حضر الأبيض الضبابي في وسط اللوحة منتشراً بين الأبنية والشوارع والناس.

وعن مشاركته، قال الفنان النحات منافيخي: أشارك بمنحوتتين : “الحسيب” أحد أسماء الله الحسنى التي نحتّها جميعاً، و”محمد”، وهما من خشب الزيتون وأحفر وأنحت يدوياً بأدوات بسيطة، وأعمل على جماليات الخط العربي بتشكيلات نحتية بلغ عددها حتى الآن 150 منحوتة.

أمّا سوزان حسين، فقالت بحسرة: رسمت لوحتي “يا ليت، ولو” لتحكي بطلتها قصتها عن صبرها وحبها وفقدها، حالة اجتماعية تخبرنا أنها احتملت كثيراً، وفضّلت الرحيل بلا عودة.

وعن “بورتريه الشهيد”، أخبرتنا الفنانة ضياء طاووس: لكل هدية في الروح جمالها إلاّ الشهادة فلها الروح كلها، ولوحتي تمثّل شخصية ابن أخي، حفيدنا الوحيد الذي تطوع واستشهد، واخترت من الآيات الكريمة ما يدعونا للصبر والتفاؤل:”ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ألاّ خوف عليهم ولا هم يحزنون”، التي تضيء اللوحة داخلياً بمعانيها وألوانها لتكون الأمل.