بداية عصيان أوروبي لأوامر واشنطن
تقرير إخباري:
فيما يمكن أن يكون مؤشراً على بداية تفلّت أوروبي من هيمنة واشنطن، بدأت الأصوات داخل الحكومات الأوروبية تتعالى بضرورة عدم الانصياع خلف مصالح واشنطن في إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، حيث إن هذه الحرب تحوّلت إلى استنزاف لاقتصادات الدول الأوروبية بدل أن تكون وسيلة لإضعاف موسكو واستنزافها اقتصادياً وعسكرياً، ويبدو أن الروسي كان مستعدّاً منذ البداية لسيناريو من هذا النوع، لذلك لم يحاول استعجال المفاوضات مع الجانب الأوكراني رغم قناعته بأنه لابد في النهاية من الجلوس إلى طاولة المفاوضات ولكن وفق شروط المنتصر في الحرب.
ومن هنا من الطبيعي أن تدرك الدول الأوروبية مع تزايد أزماتها الاقتصادية نتيجة العقوبات التي فرضتها على روسيا من جانب واحد، فضلاً عن استنزاف قدراتها العسكرية في تسليح النظام الأوكراني، أنه لابدّ في النهاية من العودة إلى الحوار مع روسيا كمدخل للهروب من هذه الأزمات وخاصة في قطاعي النفط والغاز.
فالحكومة الهنغارية مثلاً، ورغم أنها منذ البداية رفضت برنامج العقوبات المفروض على روسيا، أعلنت صراحة على لسان وزير خارجيتها بيتر سيارتو أنها تتحرّك فيما يخص أمن الطاقة لديها، بما يتوافق مع مصالحها لا مع مصالح الولايات المتحدة.
ونقلت وكالة تاس عن سيارتو قوله ردّاً على انتقادات السفير الأمريكي في بودابست ديفيد بريسمان لزياراته إلى روسيا: ليس للسفير الأمريكي الحق في انتقاد القرارات الهنغارية المتخذة على أساس المصالح القومية للبلاد، مشدّداً على أن المصالح الوطنية لهنغاريا تكمن في ضمان أمن الطاقة في البلاد على المدى الطويل، وأمن الطاقة في البلاد هو مسألة سيادة، وكل دولة تحلّ مثل هذه القضايا بمفردها.
وفيما يتعلق بأمن الطاقة النووية أوضح سيارتو أنه إذا تجرّأ شخص ما على التدخل في مشاريعنا النووية فسنعتبر ذلك تعدّياً على سيادتنا، مبيّناً أنه حتى الآن لم يتم تقديم أي مقترح أمريكي حول كيفية بناء هذا الأمن حقاً.
ولفت إلى أن القرارات المتعلقة بأمن الطاقة لأيّ دولة يجب أن تحترمها الدول الأخرى وألا تخضع بأي حال من الأحوال لضغوط خارجية بما في ذلك العقوبات.
وكان السفير الأمريكي في بودابست انتقد زيارة وزير الخارجية الهنغاري إلى روسيا، حيث يشارك في المنتدى الدولي آتوم إكسبو الذي افتتح اليوم في مدينة سوتشي.
أما على مستوى حلفاء واشنطن المقرّبين في الناتو، فقد دعا وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إلى الكف عن تأجيج الصراع في أوكرانيا.
وأفادت الدائرة الإعلامية لوزارة الخارجية الإيطالية حسبما نقلت عنها وكالة نوفوستي، بأن تاياني أكد خلال مباحثات مع نظيره الصيني وانغ يي “ضرورة حث جميع الأطراف على الكف عن تأجيج الصراع، وتعزيز المبادرات الدبلوماسية لإيجاد حل سلمي للأزمة في أوكرانيا”.
وفي موازاة ذلك، أعلن وزير دفاع ليتوانيا أرفيداس أنوشوسكاس أن بلاده قرّرت عدم تسليم الجانب الأوكراني مدافع هاوتزر الذاتية الدفع الموجودة حالياً بحوزة الجيش الليتواني.
وأضاف الوزير في حديث للصحفيين في ختام جلسة مجلس دفاع الدولة في فيلنيوس: “جرت الجلسة خلف أبواب مغلقة، لذلك لن أتطرّق إلى تفاصيل هذا القرار”، مشيراً إلى أن ليتوانيا مستمرّة رغم ذلك في تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا.
وفي نهاية تشرين الأول الماضي، أعلن قائد القوات الليتوانية الفريق فالديماراس روبشيس أن بلاده لا تستطيع تزويد أوكرانيا بمدافع الهاوتزر وأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز “ناسماس”، لأن الجيش الليتواني نفسه يحتاج إلى هذه الأسلحة ليتمكّن من أداء مهامه.
إذن، هناك توجّه واضح لدى الحكومات الأوروبية، مدفوعةً بضغط شعبي واضح، نحو الكف عن تأجيج الصراع في أوكرانيا، وذلك خشية أن تصبح أوكرانيا ثقباً أسود يستنزف اقتصادات هذه الدول، بينما تقف واشنطن موقف المتفرّج والمستفيد في آن معاً من استمرار هذا الصراع، دون مراعاة الوضع الاقتصادي المتأزم لمن تسمّيهم حلفاءها في أوروبا.
طلال ياسر الزعبي