الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

حكايات سورية

سلوى عباس 

في عام 2019، أطلقت مؤسسة وثيقة وطن مسابقة “هذي حكايتي” بهدف نشر وتعميق الوعي بالتأريخ الشفوي وإغناء الأرشيف المعرفي بالروايات الشفوية، وتوثيق التاريخ المعاصر لسورية بأيدي السوريين الذين عاشوا التجربة وعانوا من ويلات هذه الحرب، وتشكيل أرشيفا لكل المهتمين والباحثين للإطلاع على حكاياتنا بما تحمله من ألم ووجع عاناه السوريون، وقد كان هناك الكثير من هذه المشاركات في هذه المسابقة التي أصبحت تتطور كل عام وتقدم رؤية جديدة، وقد خصص موضوع المسابقة هذا العام  لطلاب الجامعات والمعاهد لنشر الوعي بين الشباب السوريين، وجعلهم جزءاً من إعادة الإعمار الثقافي والفكري، حيث يخطون بأقلامهم قصصاً واقعية عاشوها، في سعي من قبل القائمين على الجائزة إلى الوصول إلى أفضل قصة واقعية قصيرة شهد الطلاب أحداثها بأنفسهم، قصة تحمل قيماً إنسانية ذات مغزى وتهدف إلى دمج طلبة الجامعات في عملية التوثيق ورسم ملامح الغد، وطلاب سورية قدموا نماذج مشرّفة في الصمود والإرادة من أجل الاستمرار في مسيرة العلم والتحصيل الدراسي، وبالتالي مشاركاتهم في هذه المسابقة ليعبروا عبر قصصهم عن رأيهم واهتماماتهم وهمومهم وتطلعاتهم المستقبلية.

فئات القصص التي تضمنتها المسابقة شملت عدة محاور هي: “الحرب على سورية، مذكرات الطلبة وسرد وقائع الأحداث، التراث الثقافي، وقصص التحدي والنجاح التي تعكس مذكرات الشباب عن الغربة. وهذه القصص تحمل أسمى معاني المحبة والعطاء والتفاني في سبيل الوطن، وفي كل عام تكبر هذه التجربة وتكبر معها قلوب القائمين عليها، كما تكبر الثقة بأنّ هذه البلاد ستستمر بنبض أبنائها، وقد وثّق الطلاب حكاياتهم للأجيال القادمة التي لابد لها أن تقرأ هذه الحكايات وما حملته من أحزان وأفراح ونجاحات كتبت بدماء وتضحيات كل شرفاء الوطن بكل مكوناته وأطيافه.

لاشك فكرة المسابقة مهمة جداً من ناحية توثيق الحرب في سورية، والعمل على تحويل هذا التوثيق إلى مهمة جماعية مجتمعة، فلا توجد مؤسسة واحدة، مهما كانت كبيرة, قادرة على توثيق حرب امتدت على مساحة بلد كامل لسنوات طويلة، وبالتالي على الناس الذين عاشوا تفاصيل الحرب أن يوثقوا الأحداث التي حصلت معهم، لتقوم بعد ذلك مؤسسة احترافية مثل “وثيقة وطن” بأخذ هذا النتاج وتدقيقه وأرشفته.

بالنسبة لي كانت تجربتي مع هذه المؤسسة عبر مشاركتي في تحكيم قصص مسابقة هذا العام تجربة ممتعة ومربكة بذات الوقت نظراً للمسؤولية الكبيرة التي عشناها خلال تحكيم قصص تحمل أحداثاً متشابهة عاشها طلابنا في هذه الحرب، لكن المفاضلة بينها للوصول إلى قصة واقعية تحقق شروط المسابقة هي المشقة التي عانينا منها كلجنة تحكيم، فشباب سورية الذين صدمتهم أحداث الحرب ووجدوا أنفسهم في مواجهة واقع لا يعرفون كيف يتعاملون معه، ولا كيف يرتبون أوراق تاريخه الجديد.. لم يستسلموا للحالة، بل أظهرت هذه المحنة الوجه الحقيقي لهم، حيث تنادوا من كل بقاع سورية ليعبّروا عن ولائهم للوطن، كل حسب اختصاصه وإمكانياته، وليؤكدوا تمسكهم بوحدتهم الوطنية، ويثبتوا دور الشباب ووعيهم في مواجهة هذه الحرب على وطنهم، وأنهم أبناء حضارة ممتدة لآلاف السنين. ومنذ بداية الحرب وحتى الآن أثبت هؤلاء الشباب مصداقية دورهم وتفكيرهم، وأكدوا أن المستقبل لهم، وجسدوا على اختلاف ثقافاتهم وتوجهاتهم، عبر مشاركاتهم في مسابقة “هذي حكايتي”، مثالاً على امتلاكهم ناصية المستقبل، وأن هذا الوطن الجميل لن يكون إلا لهم، هم أبناؤه وبُناته، وبشارة غده.