في ذكرى سلخ لواء اسكندرون .. التاريخ الأسود لتركيا
قسم الدراسات
تحل الذكرى الثالثة والثمانون لجريمة سلخ لواء اسكندرون عن الوطن الأم سورية لتعيد إلى الأذهان التاريخ الأسود لتركيا التي ضمت اللواء إليها بشكل تعسفي، وأخذته كنوع من الرشوة بموجب اتفاق ثلاثي مع الاحتلالين الفرنسي و البريطاني آنذاك، مقابل وقوفها إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، و هو ما تحاول اليوم تكراره من خلال دعمها للتنظيمات الإرهابية، وتقديم خدمات إضافية للغرب والولايات المتحدة تسهل له سيطرته على المنطقة العربية.
إن جرائم واعتداءات نظام رجب طيب أردوغان بحق السوريين خلال السنوات الأخيرة لاتعد و لا تحصى، و كذلك جرائم أجداده الذين سرقوا حقوق السوريين في لواء اسكندرون، لكن الحق السوري في اللواء باق، حيث لا تزال ذكراه خالدة في عقول السوريين ووجدانهم كأرض عربية سورية محتلة لا بد أن تعود إلى أصحابها مهما طال الزمن.
لقد وقع اللواء بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى ضحية اتفاقية “سايكس – بيكو” التي تمت بشكل سري بين فرنسا و بريطانيا عام 1916، وكان من نصيب الاحتلال الفرنسي، فاعترفت الدولة العثمانية بالهزيمة وأقرت بعروبة اللواء في معاهدة “سيفر” في 10 آب عام 1920 التي وقعت مع قوات الحلفاء، ولكن مؤامرة دولية فرنسية – تركية أدت لسلخه عن الوطن الأم سورية، في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1939، وضمه إلى تركيا العثمانية بقوة احتلال غاشمة أدت لتشتيت أهله وسكانه في كل الأصقاع.
كانت منطقة إسكندرون تابعة لولاية حلب أثناء الاحتلال العثماني لسورية، مشكلة مرفأ لها على البحر المتوسط. ويطل اللواء على خليجي اسكندرون والسويدية في الزاوية الشمالية الشرقية للبحر المتوسط، ويتوسط شريطه الساحلي رأس الخنزير الذي يفصل بين الخليجين المذكورين. وأهم مدنه انطاكية، عاصمة الاقليم، اسكندرونة التي تعد من أهم الموانئ البحرية التي تعتمدها تركيا لتصدير النفط، وأوردو، الريحانية، السويدية، وأرسوز. ويتميز اللواء بطبيعة جبلية ذات مناظر خلابة، وأكبر جباله جيل الأمانوس، وجبل الأقرع، وجبل موسى، وجبل النفاخ، وبين هذه الجبال يقع سهل العمق الشهير. أما أنهاره الرئيسية فهي نهر العاصي الذي يصب في خليج السويدية، ونهري عفرين والأسود اللذين يصبان في بحيرة العمق. وتتجاوز مساحته نصف مساحة لبنان، ويعتبر من أجمل وأغنى مناطق سورية بثرواته الطبيعية والباطنية وحقوله الزراعية ومناطقه السياحية ومواقعه الأثرية.
ولقد أكدت سوريّة اللواء معاهدة “سيفر” التي اعترفت فيها الدولة العثمانية بعروبة منطقتي الاسكندرون، وكيليكيا وارتباطهما بالبلاد العربية (المادة 27)، وكانت غالبية سكان اللواء من عرب سورية، ففي عام 1921 كان الأتراك يشكلون أقل من 20 في المئة من سكان الإقليم، إلا أن السياسة الفرنسية المنحازة للأتراك، والتخطيط القديم لسلخ اللواء إرضاء لأتاتورك، أرسى سياسة تتريك مقنعة خلال فترة الانتداب الفرنسي في العشرينيات للإقليم.
وقبل أن تكون الأمم المتحدة، كانت مجموعة من الدول تدعى “عصبة الأمم”، وفي ظلها صدر القرار الأممي المشؤوم بفصل اللواء عن سورية الأم، وتعيين حاكم فرنسي عليه في 29 أيار 1937. وعلى مدى عام كامل عمل الحاكم الفرنسي في اللواء على تهيئة الوضع للمخطط السري بين تركيا و فرنسا. في 15 تموز / 1938 قامت قوات عسكرية تركية باقتحام مدن لواء اسكندرون واحتلالها وزراعة بؤر استيطانية فيها في مؤامرة فرنسية تركية انسحب بموجبها الجيش الفرنسي إلى انطاكية، وأصبح لواء اسكندرون محتلاً رسمياً منذ ذلك التاريخ. بعد عامين على تلك الواقعة أرادت فرنسا و تركيا إنهاء قضية لواء اسكندرون بشكل كامل فقامت الادارة الفرنسية كممثلة لعصبة الأمم عام 1939 بالإشراف على استفتاء وهمي تزويري حول انضمام اللواء الى تركيا. بعد أن قامت ادارتا الدولتين الاستعماريتين بنقل عشرات ألاف من الأتراك وتوطينهم في اللواء تمهيداً للاستفتاء، فخرجت النتيجة لصالح تركيا. رغم الاحتجاجات والتشكيك بهذه النتائج المزورة.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت عمليات تهجير العرب السوريين من اللواء، و سرقة أراضيهم و ممتلكاتهم،حيث نزحت إلى دمشق، وحلب، وحمص، واللاذقية، أعداد كبيرة من عرب اللواء وأرمنه، وقامت سلطات الاحتلال وبكل عنجهية بتغيير كل الأسماء العربية الى أسماء تركية مانعة تداول اللغة العربية في اللواء تحت تهديد السلاح و القمع و الاعتقال و التهجير.استمر هذا الأمر طوال عقود مع اضطرابات في العلاقات السياسية بين الدولتين السورية والتركية.
سيبقى اللواء سورياً، وستبقى أسماء الجبال و السهول والمدن في اللواء تحمل روح المنطقة، وتاريخها، وتنطق بهوية الأرض فأنطاكية واسكندرون وأرسوز و الريحانية و السويدية أسماء تفوح منها عروبة المدن و الأمانوس و الأقرع وجبل موسى والنفاخ أسماء لا تخفي هوية الجبال السورية.
واليوم كما كل يوم، ورغم كل ما قامت وتقوم به السلطات التركية لفرض سياسات التمييز الثقافي واللغوي والعرقي ضد السكان السوريين من أبناء اللواء واضطهادهم والتضييق عليهم، يصر السوريون أبناء اللواء السليب على ارتباطهم بوطنهم الأم سورية، وانتمائهم له ويؤكدون في كل مناسبة أن لواء اسكندرون سيبقى سورياً حتى الخلود، وسيبقى لواء اسكندرون حياً في ضمائرنا، وسنبقى نطالب بعودته إلى الوطن الأم سورية، وسيعود مهما طال الزمن ولن يموت حق وراءه مطالب.