التشاؤم يغلّف التوقّعات الاقتصادية.. الولايات المتحدة وأوروبا في طور الإفلاس
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي:
بدأت ملامح الأزمة الاقتصادية الغربية تتظهّر على أبواب الشتاء الأوروبي القاسي، نتيجة لارتفاع أسعار الوقود، فضلاً عن عجز الغرب عن تأمين مصادر أخرى بديلة لموارد الطاقة الروسية، فالأزمة الاقتصادية التي رفض القادة الغربيون الاعتراف بها وراحوا يمنّون أنفسهم بهزيمة استراتيجية لروسيا بدلاً منها، صارت حديث المحللين الاقتصاديين والصحف العالمية في الغرب، ولم يعُد بالإمكان التغطية على حجم الآثار الاقتصادية المدمّرة للعقوبات الغربية على روسيا، لأن المؤشرات الاقتصادية الجيدة لبعض القطاعات في الغرب وخاصة قطاع التسليح، لم تتمكّن من التغطية على الفشل في القطاعات الأخرى.
ومن هنا، بدأت الدول الأساسية في أوروبا تعترف تدريجياً بفشل العقوبات الغربية على موسكو في تحقيق أهدافها، بل أقرّت بأن هذه العقوبات ذهبت باتجاه عكسي ربّما يقضي على معظم المنجزات الاقتصادية في أوروبا.
فقد رجّحت مجلة شبيغل الألمانية أن يواجه الألمان زياداتٍ هائلة في أسعار الكهرباء بحلول العام الجديد، مشيرة إلى أن الألمان سيواجهون “ارتفاع أسعار السوق”، وسيبدأ العام الجديد بزيادة هائلة في أسعار الكهرباء، حيث إن أزمة الطاقة في أوروبا، تجبر المزيد من مورّدي الكهرباء على فرض الزيادة في الأسعار للمستهلكين النهائيين.
وفي ألمانيا أيضاً، كشف استطلاع رأي أجرته شركة NielsenIQ، أن أكثر من نصف السكان الألمان أصبحوا أكثر جدية في ادّخار الأموال في ظل ارتفاع الأسعار، وتحوّلوا إلى سياسة التقشف.
وحسب خبير الشركة لوثار ستيبلين، فإن الناس يقارنون الأسعار بعناية أكبر، ويولون المزيد من الاهتمام للعروض الخاصة، فضلاً عن التحوّل إلى منتجات أرخص أو شراء منتجات الخصومات في كثير من الأحيان.
وفي وقت سابق، ذكر موقع Fakt أن سكان بولندا، الذين واجهوا الحاجة إلى توفير المال، بدؤوا في النظر عن كثب إلى البضائع التي انتهت صلاحيتها.
والغريب في الأمر أن الأوروبيين سلّموا فعلاً بأن عليهم أن يتعاملوا مع النتائج، وهذا يدل على حجم الاستهداف الذي كانوا يعوّلون عليه لروسيا، فالأمر لم يكن بالفعل مجرّد ردّ فعل على العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وإنما كان مبيّتاً وجاءت الحرب في أوكرانيا لتقدّم ذريعة لهم لفرض العقوبات على روسيا، ومن هنا رأى خبراء اقتصاديون أن أسعار الغاز في الاتحاد الأوروبي ستعتمد في المستقبل القريب بشكل أساسي على حالة الطقس.
ونقلت وكالة “نوفوستي” عن تصريح لنائب رئيس قسم “اقتصاد فروع مجمع الطاقة والوقود” بمركز البحوث الاستراتيجية الروسية، سيرغي كولوبانوف، قوله: “ستتقلب أسعار الغاز في البورصة الأوروبية في الشهر المقبل تحت تأثير عدد من العوامل، وقبل كل شيء حالة الطقس”.
وأضاف الخبير: إن نموّ الأسعار قد يؤثر فيه أيضاً نوع من الحوادث التي من صنع الإنسان مثل الضرر في البنية التحتية، أو توقّف ضخ الغاز الروسي عبر أوكرانيا.
وللهروب من الاعتراف بأن السياسات الغربية الفاشلة هي المسؤولة منذ البداية عمّا آلت إليه الأمور في أوروبا، ذهب بعض السياسيين إلى الأمام باتهام رئيس النظام الأوكراني بالتسبّب بالعجز الذي أصاب اقتصادات أوروبا، حيث صرّح عضو البرلمان الأوروبي السابق، الفرنسي فلوريان فيليبو، بأن الوقت قد حان للرئيس الأوكراني، لإعادة المساعدات الأوروبية المالية والعسكرية المقدّمة لكييف، داعياً الرئيسين الأمريكي والفرنسي، جو بايدن، وإيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى مطالبة زيلينسكي بإعادة عشرات ملايين الدولارات التي يخبّئها في الملاذات الضريبية.
وفي وقت سابق، أفادت صحيفة The New York Times الأمريكية، نقلاً عن المتحدث باسم حلف الناتو، بأن 20 دولة عضواً في الحلف من أصل 30 استنفدت إمكانيات توريد الأسلحة إلى أوكرانيا.
أما مذيع قناة فوكس نيوز الأمريكية، تاكر كارلسون، فقد انتقد الرئيس الأوكراني لأنه يطلب باستمرار المال من الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الاقتصاد الأمريكي “يذهب إلى القاع” بسبب المساعدات الأمريكية لأوكرانيا.
بدوره، نشر موقع FNA مقالة لفاليريا كونكينا جاء فيها أن صعود المجمع الصناعي العسكري بسبب الصراع في أوكرانيا وحده لا يكفي لانتشال الاقتصاد، في ظل انهيار القطاعات الأخرى لدى دول الغرب.
ورأت الكاتبة أن واشنطن ما زالت تأمل باستقرار الأوضاع بطريقة ما نتيجة لهجرة رؤوس الأموال من الاتحاد الأوروبي، الذي يعاني من زيادة ضغوط أزمة الطاقة على العمالقة الصناعيين، ولكن مخططات الاقتصاديين الأمريكيين أفسدها العامل الصيني، إذ فضّل الكثير من الصناعيين الألمان والفرنسيين نقل صناعاتهم إلى الصين، بدلاً من الولايات المتحدة ذات التكلفة الأعلى لمن يريدون ممارسة الأعمال التجارية الكبيرة.
وأكدت الكاتبة أن انتعاش المجمع الصناعي العسكري لن ينقذ الأمريكيين من الركود، لأن جميع المساعدات العسكرية تقدّم لأوكرانيا بالإقراض، وهذا لن يحقق ربحاً حقيقياً، لأن أوكرانيا لن يبقى فيها أحد لسداد الديون، ولن تتمكّن الصناعة الاستخراجية من رفع أو تعديل كفّة الاقتصاد، في ظل تداعي بقية القطاعات.
ونتيجة لذلك، الحرب في أوكرانيا ستؤدّي إلى تفاقم المشهد العام، ما سيجعل موجة الإفلاس أقرب، سواء في الولايات المتحدة أم في الاتحاد الأوروبي. لكن في أوروبا، سيحدث انهيار الاقتصاد بشكل أسرع، لأسباب واضحة.
مدير معهد المجتمع الجديد، الاقتصادي فاسيلي كولتاشيف، توقّع انهياراً مالياً واسع النطاق في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن العديد من الدول تنفق بالفعل أكثر بكثير ممّا تكسبه من الضرائب، ومشيراً إلى أن المجمع الصناعي العسكري ليس كافياً وحده لإشباع الميزانية.
ورأى كولتاشيف أن مؤشرات الأزمة ظهرت قبل فترة طويلة من بداية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ولكن الصراع الدائر في أوكرانيا، بدلاً من إنقاذ الغرب الجماعي، لن يؤدّي إلا إلى تسريع إفلاس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبما أن الاقتصاديين الغربيين ارتكبوا خطأ فادحاً من خلال توسيع قطاع الخدمات أكثر من اللازم، فإن قيام الأوروبيين والأمريكيين بالادّخار أكثر فأكثر سيؤدّي إلى سقوطه، وبالتالي إلى إفلاس العمالقة الصناعيين، وصولاً إلى إفلاس الدول نفسها.
إذن، الجميع في الغرب، وخاصة المحللين الاقتصاديين، يدرك أن الأمور ذاهبة إلى نهاياتها، وأن الاقتصادات الغربية بالمجمل تتدحرج نحو الانهيار، ولكن الحديث الآن لا يدور حول منع الانهيار لأن ذلك بات مستحيلاً، وإنما يدور على وجه الحقيقة حول إبطاء سرعة هذا الانهيار، وهذا بالفعل ما يسوّغ التخبّط الغربي في التعاطي مع كل من روسيا والصين، حيث يدرك الغرب الجماعي أن الحضارة في طور الانتقال إلى هناك.