سواء تواترت أم تعثرت الإمدادات لا خطط قريبة ولا حتى بعيدة لحل أزمة المحروقات!!
البعث الأسبوعية ـ علي عبود
اكتشفنا مع الكثيرين منذ سنوات أن أزمة المحروقات لن تشهد أي حلول جذرية في الأمد البعيد، وكانت الحكومات المتعاقبة منذ ما قبل عام 2011 وتحديدا منذ عام 2008 تضغط باتجاه ترشيد استهلاكها، ثم تقنينها، وصولا إلى مرحلة التقتير، غير مكترثة بما يسببه نقص المحروقات وشحها من آثار كارثية على الاقتصاد الوطني، تجسّد في الأعوام الأخيرة بالتزامن مع رفع أسعار الأعلاف والأسمدة وحوامل الطاقة، بانخفاض الإنتاجين الزراعي والصناعي، وبخسارة مساحات واسعة من الغابات والحراج بفعل استخدام أشجارها للتدفئة..الخ!
ومع أن الأزمة كانت ولا تزال تتفاعل باتجاه الأسوأ، فإن الجهات الحكومية على مختلف مسمياتها ومتدرجاتها اكتفت بإطلاق الوعود الخلبية بانفراجات قريبة تارة، وبتقليص الكميات المخصصة سواء للأسر والأفراد أو للقطاعين العام والخاص تارة أخرى، مع غياب تام لأي خطط أو آليات لحل الأزمة ولو كان في الأمد القريب أو البعيد نسبيا، وبدا واضحا أن اللجنة الاقتصادية المسؤولة عن إدارة أزمة المحروقات تركز على الحلول الإسعافية، وإرغام المواطنين وصغار المنتجين على استخدام المحروقات إلى مادون حاجتهم الفعلية، ودفعت بالآلاف منهم لإغلاق منشأتهم أو هجرة العمل الزراعي..الخ.
وكانت مافيات المحروقات المستفيد الوحيد من الأزمة، ولعل رؤوسها الكبيرة ساهمت بتفاقمها أكثر فأكثر وحالت دون أي حلول جذرية لها بفعل تواجد أذرع لها في مفاصل صناعة القرار!!
من يسرق المحروقات؟
وأمام هذا الواقع غير السار واللامفاجئ ما من إجابة لدى أي مسؤول عن السؤال: متى ستحل أزمة المحروقات جذريا؟
وما من مواطن إلا ويعرف أن المحروقات التي تباع في السوق السوداء إما مسروقة من مستودعات شركة محروقات أو من محطات الوقود، وما يأتي تهريبا عبر الحدود ليس بالحجم الكبير ويقتصر على البنزين تقريبا!
والسؤال: هل احتاج وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم إلى انقطاع توريدات المحروقات عن سورية مدة 57 يوما كي يتحفنا باكتشافه بأن (مواد المحروقات المطروح في الأسواق بسعر مرتفع هي مواد مسروقة)!!
حسنا، لنجاري الوزير باكتشافه أو باعترافه وبالتالي ما من مواطن إلّا وسيسأله: من يسرق المحروقات؟
هل هو المواطن أم شبكة الفساد الضيقة في شركة محروقات بالتواطؤ مع سائقي الصهاريج وأصحاب محطات الوقود؟
وقبل أن تحثّ وزارة التجارة الصناعيين وكل المنتجين على عدم شراء المازوت المسروق من وزارة النفط لماذا لاتحثّ أجهزتها الرقابية بالتنسيق مع أجهزة وزارة النفط لضبط حركة نقل وبيع المحروقات، أو للاستنفار على مدار الساعة للقبض على كبار سارقي المحروقات؟
إن حل قضية التهريب تبدأ من النبع (المستودعات) قبل المصب (السوق السوداء!)
نعم.. الأزمة ليست مستجدة! .. نعم، لقد فاجأنا وزير النفط والثروة المعدنية المهندس بسام طعمة مؤخرا بتصريح صادم: (إن أزمة المحروقات لم تكن وليدة ليلة وضحاها، بل هي مستمرة منذ أكثر من 50 يوماً).
لقد صدمنا هذا التصريح لأنه يوحي للمراقب غير المتابع، بأن المحروقات كانت متوفرة بكميات كبيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وبأن الأسرة السورية تحصل على احتياجاتها الفعلية من مازوت التدفئة بالسعر المدعوم أو الحر، وبأن المزارعين والصناعيين لا يعانون إطلاقا من إمدادهم بالمحروقات وفق احتياجاتهم، ولا يلجؤون أبدا إلى شرائها من السوق السوداء!!
وكل الحلول التي أعلنتها الجهات الحكومية لمواجهة النقص الشديد في المحروقات لا يعني أن الحكومة فوجئت بالأزمة، فما من مواطن وما من منتج إلا ويعاني الأمرّين من أزمة المحروقات المستعصية على الحل منذ أعوام وليس خلال الأسابيع الأخيرة فقط، فالأزمة ليست مستجدة، بل قائمة ومستمرة وتتجه إلى تأزم أكثر فأكثر بفعل انعدام الرؤية والتخطيط لتأمين احتياجات العملية الإنتاجية على الأقل من المحروقات مهما كانت الصعاب والتحديات.
أين الاستعداد للسيناريو الأسوأ؟
وإذا كانت التوريدات النفطية توقفت لمدة شهرين لأسباب مختلفة، ألا يفترض في هذه الحالة سؤال الجهات المسؤولة وتحديدا وزارة النفط: أين استعداداتكم للسيناريو الأسوأ؟
الأزمة الحالية توحي للسوريين إن مارمن استعدادات، أي ليس هناك سيناريوهات بديلة سوى سيناريو استنزاف الاحتياطي، وهو اضطراري لتجنب توقف المرافق الأساسية، وهذا الواقع يعكس انعدام الرؤية والتخطيط في قطاع حيوي كالمحروقات يلحق الضرر بالعباد وباقتصاد البلاد!
وبما أننا مع ملايين السوريين لا نصدق بأن أهم صديقان لسورية هما روسيا وإيران غير قادرتان على إمدادها بتوريدات آمنة وكافية، فهذا يعني احتمال واحد فقط، وهو إن المتوفر من القطع الأجنبي غير كاف لاستيراد كميات كبيرة من المحروقات، والدليل تقزيم مازوت التدفئة بل وعدم توزيع حتى الـ 50 ليترا الهزيلة لجميع الأسر السورية، واضطرار الصناعيين والمنتجين إلى شراء المادة من السوق السوداء!!
ما من مخزون استراتيجي
ولفتنا أن وزير النفط بدّد الاعتقاد السائد بان لدى سورية احتياطي استراتيجي من المحروقات، مؤكدا (أنه لم يكن أبداً في سورية خلال المرحلة السابقة كفاية إلى حد يسمح لها بتكوين مخزون إستراتيجي حيث تلبي فيه الانقطاعات لفترة طويلة، إذ كان ما يوّرد من المشتقات هو حسب الحاجة فقط)!!
ولا ندري ماذا قصد الوزير بقوله (كان ما يوّرد من المشتقات هو حسب الحاجة فقط) ، لأن كل السوريين وتحديدا المنتجين في القطاعيين الزراعي والصناعي لا يحصلون على الحد الأدنى من احتياجاتهم، وهل كمية 50 ليتر من مازوت التدفئة هي الاحتياجات الكافية للأسرة السورية سواء كانت ساكنة في المدن أو الأرياف ، ومع ذلك لم تصل إلى 60% من المخصصين بها؟
ولكن الملفت إن هذا الأمر لم يكن مقلقا للحكومة لأنه كما قال الوزير(لم يكن متوقعاً تأخر التوريدات لذا كان هناك اضطرار لاتخاذ إجراءات أشد قسوة!).
تصوروا أن بلدا يتعرض للعقوبات والحصار لا يتوقع تأخر توريدات النفط، ماذا يعني هذا الكلام؟، أما أن إيران وروسيا تضمنان فعلا وصول الإمدادات إلى سورية، وبالتالي لا داعٍ للقلق من تأخيرها، والدليل أن الإمدادات من إيران لم تتوقف إلا بعد تجميد سورية لخط الائتمان الإيراني، أو إن المشكلة بعدم تمويل الإمدادات بالقطع الأجنبي، وهو الاحتمال الفعلي، وهذا يعيدنا إلى خيار السماح للقطاع الخاص باستيراد النفط للصناعيين والمنتجين ، وبالتالي بناء مخزون استراتيجي من المحروقات مثل مخزون القمح.
الخلاصة: حسب المعطيات فإن ما من خطط قريبة ولا حتى بعيدة لحل أزمة المحروقات، واللجنة الاقتصادية تتعاطى معها كحالة مستقلة، دون مناقشة الآثار الكارثية لتقنينها إلى حد التقتير على اقتصاد البلاد، فالقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يتراجع، بل يتدهور باتجاه الأسوأ، والقطاع الصناعي يعمل بالحد الأدنى، وأزمة المواصلات تخنق المواطنين، والغابات والحراج باتت وقودا مجانية للتدفئة..الخ!!!