بين السماح بالاستيراد ومنعه.. من يثقل كفة الميزان: التجار أم الوزارة؟
“البعث الأسبوعية” ــ مادلين جليس
على الرغم من الجهود الحثيثة والمتواصلة التي أعلنت الحكومة عنها، وما زالت، في مجال مكافحة التهريب، وعلى الرغم من الضبوط الكثيرة التي تعلن عنها الجمارك ومديرياتها في المحافظات، إلا أن كثرة تلك الضبوط، وارتفاع قيمة الغرامات المحصلة منها، لم يعن إلا شيئاً واحداً، وهو ازدياد التهريب وانتشاره بشكل لا يمكن ضبطه.
ففي عام 2021، أعلنت مديرية جمارك دمشق أن قيمة الغرامات المحصلة عن قضايا التهريب الجمركية المحققة في الأمانات التابعة لها والضابطة الجمركية بدمشق، والتي تمت تسويتها منذ بداية العام وحتى نهايته، بلغت نحو 20 مليار ليرة سورية، علماً أن عدد هذه القضايا بلغ نحو 1600 قضية. ولكن هذه الغرامات ازدادت في العام 2022، فقد أعلنت مديرية الجمارك العامة أن قيمة الغرامات المحصلة من قضايا التهريب الجمركية المحققة بلغت نحو 14 مليار ليرة سورية، وذلك خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، لـ 1774 قضية تنوعت المواد المصادرة فيها ما بين مواد غذائية وكهربائيات وقطع تبديل ومواد تجميل وألبسة.. وغيرها.
حل.. أم مشكلة أكبر؟
وفي لقاءات متكررة بين التجار والجمارك، لطالما انفتحت الأبواب على قضايا التهريب، وانتشار المهربات في الأسواق، والسماح باستيراد المواد المهربة كحل بديل لإيقاف التهريب والحد من انتشار المواد المهربة، كما يظهر واضحاً من كلام التجار، بينما تجدد المديرية العامة للجمارك استعدادها لتنفيذ أي قرار يصدر عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بهذا الخصوص، كونها الجهة المعنية بقرارات السماح أو منع الاستيراد أو التصدير، على حد سواء.
وللحقيقة، فإن المستمع لما يورده التجار من موجبات السماح يجد نفسه مناصراً لمطالباتهم. وبالمقابل، فإن المستمع أيضاً لمسوغات المنع التي توردها وزارة الاقتصاد يؤكد حتماً، وبدون شك، أهمية منع استيراد هذه المواد، فما هو القرار الصحيح: منع الاستيراد أو السماح به؟
امتصاص القطع
فعلت الحرب ما فعلت، ولكن أبرز ما يمكن الإشارة إليه هو أثارها السلبية التي انعكست على الاقتصاد السوري الذي بات بسبب ذلك يعاني من ندرة القطع الأجنبي، بسبب ظروف الحرب. وبالتالي، وكما يرى الخبير الاقتصادي الدكتور أيهم أسد، مدير الأبحاث في المعهد الوطني للإدارة العامة، فإن ما يدخل الاقتصاد من قطع يجب إدارته والتحكم به بطريقة جيدة.
وانطلاقاً من ذلك، يؤكد الدكتور أسد أن عمليتي الاستيراد والتهريب تلعبان دوراً مهماً في امتصاص القطع الأجنبي، الأولى بطريقة مشروعة والثانية بطريقة غير مشروعة، مثلما تلعب كلا العمليتين دوراً مهماً في التأثير على سعر الصرف من خلال زيادة الطلب على الدولار لتمويل العمليتين السابقتين.
أوقفوا التهريب
ينطلق الدكتور أيهم أسد من ذلك للتأكيد على ضرورة إيقاف التهريب بأية طريقة كانت، فوجود سلع مهربة في الاقتصاد السوري يعني – برأيه – من الناحية النقدية الضغط على سعر الصرف لتمويل المهربات، ويعني من الناحية المالية خسارة رسوم جمركية، ويعني من الناحية الاقتصادية إلحاق ضرر بالمنتجين المحليين.
لكن، بالمقابل، فإن إمكانية الحد من المستوردات واردة، وهو ما يراه الدكتور أسد، بالاستناد على عامل أساسي ومهم وهو إعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي تدعم القطاع الإنتاجي أولاً وأخيراً، فهو يرى أن دعم المنتجين سيساهم إلى حد ما في التقليل من الواردات والتركيز على الإنتاج الوطني مع عدم إهمال استمرار الرقابة الحكومة على آليات تسعير وتوزيع الإنتاج الوطني خلال الوضع الاقتصادي الراهن؛ ولذلك فهو يعود للتأكيد على ضرورة السير على المبدأين معاً: ضبط منافذ التهريب ودعم الإنتاج المحلي، فالمبدأ الأول عبارة عن إجراء سريع يمكن تنفيذه بسهوله إن توفرت الإرادة الحكومية لذلك، أما المبدأ الثاني فهو عبارة عن سياسة متوسطة وطويلة الأمد لا بد من البدء بها، الأمر الذي سينتج عنه على المدى الطويل ضبط السوق بشكل أفضل.
أولويات حكومية
وعلى الرغم من النداءات الكثيرة التي وجهها التجار لمدير عام الجمارك الدكتور ماجد عمران، خلال لقائهم به في غرفة تجارة دمشق، منذ حوالي الشهر، إلا أن تلك النداءات لم تترجم بمطالبات مباشرة لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، لكن تم التحدث بها للجهات الحكومية أكثر من مرة، بحسب ما أكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، الذي أكد أن للحكومة أولويات خاصة فيما يتعلق بالقطع الأجنبي.
الحلاق أشار في تصريح خاص لـ “البعث” إلى أن المطالبات كانت للمواد التي منع استيرادها، سواء كانت أساسية أو كمالية، والتي يتوافر منها مهربات في الأسواق، والسماح باستيراد هذه المواد – كما يؤكد – ينعكس إيجاباً في عدة أمور، منها توفير إيرادات أكبر للخزينة ومراقبة جودة هذه المهربات، فكل مادة تدخل إلى السوق بشكل غير نظامي لا تراقب صحياً ولا تراقب من ناحية الجودة ولكن حين يتم استيرادها قانوناً تخضع للمراقبة والتأكد من سلامة استخدامها، ويطرح الحلاق مثالاً على ذلك مواد التجميل والمواد الغذائية.
احتكار الإنتاج
يستند التجار في مطالباتهم إلى عامل التنافسية الذي يحققه قرار فتح الاستيراد، ويشير الحلاق إلى أن الاستيراد ينعكس على وفرة المواد، حيث يرى أن هناك منتجات استيرادها ممنوع لكن تصنيعها ما زال محصوراً لعدة أسباب، أولها – بحسب عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق – ارتفاع قيمة الاستثمار الذي يجعل إنتاجها قليلاً أو محدوداً ومحصوراً بجهة واحدة، ولذلك يؤكد أن المطالبة تتيح وفرة هذه المواد، وتحقق التنافسية إضافة إلى أنها تمنع احتكار هذه المواد من قبل مصنع أو منتج واحد.
“المنتج الذي لا يحمي نفسه من الأفضل أن يتم استيراده”، يستند الحلاق إلى هذه المقولة في مطالبته بفتح الاستيراد، مؤكداً أن قرار منع الاستيراد، أو حتى السماح به، يمكن اتخاذه بشكل صحيح وحقيقي عند الدخول في تفاصيل البضاعة أو المنتج. وعند دراسة الملف بشكل معمق يتم التوصل إلى قرار واضح وصحيح في استيراد هذا المنتج أو عدم استيراده، مع وضع هدف استراتيجي – يتحقق بعد خمس سنوات – وهو الوصول إلى منتج جيد وتشغيل يد عاملة كفاية في المنتج.
تحريك الاقتصاد لا يتم بمنع الاستيراد
وكأن التشريعات الكثيرة والضبوط والملاحقات الجمركية التي تتم لا تقف حائلاً أمام منع التهريب أو إيقافه، فهو أساسي في تلبية حاجات المستهلكين، كما يرى أبو الهدى اللحام، رئيس غرفة تجارة دمشق، والذي يؤكد أنه وعلى الرغم من أن التهريب ممنوع في العالم كله، لكن بمجرد دخول البضائع إلى بلد ما فهي تأخذ منشأ هذا البلد.
ويعقب اللحام على كثرة التهريب بصعوبة ضبطه وإيقافه، مستنداً في ذلك على صعوبة ضبط الحدود السورية المفتوحة على دول الجوار، فلدينا 700 كم مع تركيا، و150 كم مع لبنان، والاقتصاد اللبناني كله يتغير ويتبدل حسب تشريعاتنا الاقتصادية السورية، بحسب اللحام.
أما من ناحية القطع والمحافظة على قيمة الليرة السورية، فيؤكد رئيس غرفة تجارة دمشق أنه، وعند التهريب، يتم الدفع بالليرة السورية، ويحول السوري إلى دولار فعلياً، كما أنه لا يوجد تمويل ولا قدرة على التمويل بالقطع الأجنبي، وكل شخص يحتاج سلعة، سواء أكانت دواء أو مادة أولية لمعمل، سيضطر إلى إدخال ما يحتاجه تهريباً.
ويضيف: نحن مع الدولة بكل تشريعاتها وبكل الأنظمة، لكن إيجاد حل مهم جداً لعملية تحريك الاقتصاد، وتحريك الاقتصاد لا يتم بمنع الاستيراد.
الاستيراد.. تصدير
ولكن الاستيراد، برأيه، ليس فقط استهلاك للقطع الأجنبي، بل هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصناعات المحلية، وبالتالي بالتصدير. ولذلك، يشير اللحام إلى أن كل عملية استيراد هي تصدير، ويطرح مثالاً على ذلك المنتج النسيجي الذي يحتاج لكثير من المواد الأولية، ومن ضمنها الآلات.. كل تلك المواد التي يصنع المنتج النسيجي من خلالها هي مستوردة، وبرأيه: في حال إيقاف استيراد المواد الأولية سيتوقف الإنتاج، وفي حال توقف الإنتاج سيتوقف التصدير حتماً المعتمد على هذه البضائع.
السماح “غير وارد”
أما الرد الحكومي على هذه المطالبات، والأسباب الموردة فيها، فقد جاء على لسان بسام حيدر معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، الذي حسم الأمر ونفى إمكانية السماح باستيراد أي مادة يوجد منها إنتاج محلي.
حيدر أكد في تصريح لـ “البعث الأسبوعية” أن هذا الأمر غير وارد، مؤكداً أن وزارة الاقتصاد تصدر قرارات تمنع بموجبها استيراد سلعة أو مادة بعد أخذ عدة اعتبارات، أهمها وجود إنتاج محلي من هذه السلعة أو المادة، وكفاية هذا الإنتاج المحلي للسوق المحلية، إضافة إلى تشجيع الصناعة الوطنية وعدم الإضرار بها من خلال استيراد مواد منافسة لها.
ويضيف حيدر إلى الأسباب المذكورة سابقاً سبباً وجيهاً في عدم وجود منتجات أجنبية في الأسواق السورية، فهذه البضائع والمنتجات “الأجنبية” تستطيع منافسة الصناعة المحلية السورية التي تأثرت وتتأثر بالعقوبات المفروضة على سورية، وبصعوبة تأمين المواد الأولية اللازمة. ولذك يؤكد حيدر أنه في حال تم السماح باستيراد مماثلة لما يتم تصنيعه محلياً فهذا سيضر بالصناعة المحلية، إضافة إلى أنه قد يتسبب بتوقف إنتاج جزء منها للأسباب التي ذكرناها.
مطالبات غير محقة
“إن مطالبات التجار في ذلك غير محقة، وفيها إضرار بالصناعة الوطنية”، يقول معاون وزير الاقتصاد ذلك مشيراً إلى أن التهريب ظاهرة تضر بالاقتصاد الوطني، وأن ما يذكره التجار بالاستمرار بالتهريب في حال الاستمرار بمنع استيراد المواد المهربة غير صحيح ولا يمكن الأخذ به، فالجهات المعنية تقوم بمكافحة التهريب.
ويضيف: أية مادة أو منتج أو سلعة لا يوجد منها إنتاج محلي، ويتم التأكد من الحاجة إليها في الصناعات ككل، يتم السماح باستيرادها، وهذا ما حدث مع السماح باستيراد بعض المواد اللازمة للعمليات الجراحية بعد أن كان استيرادها ممنوعاً.