زراعة الأسطح وتربية الدواجن.. تجارب فردية ضمن الحدود الدنيا
“البعث الأسبوعية” – بشير فرزان
مع اشتداد الخناق الاقتصادي وقلة مصادر الرزق وارتفاع معدلات العجز المعيشي، لجأت العديد من الأسر إلى أعمال منزلية متنوعة لتأمين موارد مالية جديدة أو تحقيق نوع من الاكتفاء بحدوده الدنيا. وقد برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة قد تبدو إيجابية بشكل مطلق، وهي تربية الدواجن والحيوانات المختلفة المنزلية، وزراعة الخضار في حدائق المنازل، وعلى أسطح المنازل، في خطوة قد تحمل العديد من التفسيرات، ابتداء بتعبئة أوقات الفراغ، وصولاً إلى غايات اقتصادية وصحية وعملية توفير قد تكون بسيطة، وقد تتجاوزها إلى الاستثمارات المربحة في بعض الأحيان؛ فتجربة يحيى المنار في تربية الدجاج على سطحه بعد حصوله على موافقة جيرانه كانت ناجحة، حيث وصف مشروعه البسيط بالمربح جداً، فالدجاج البلدي – كما يقول – غذاءه بسيط، ويأكل بقايا الطعام المنزلي، ولا يحتاج إلى الكثير من الاهتمام، أضف إلى ذلك أن مقاومته عالية للأمراض وعوامل الطقس والجو، ومن خلاله يؤمن احتياج أسرته من مادة البيض. وهناك تجارب عمل أخرى، كالعمل بالزراعة على شرفات المنازل أو على الأسطح، عبر مساكب مزروعة بالبقدونس والبصل الأخضر، وغيرها من الخضروات التي تؤمن جزءاً من احتياجات الأسرة.
المهندس الزراعي ميمون الرفاعي أكد أن زراعة بعض النباتات المنزلية، سواء في الحدائق أو على الأسطح، باتت أكثر انتشاراً وحضوراً في حياة الناس، وخاصة في هذه الظروف الصعبة وضغوط الحياة، والاستفادة من هذه النباتات في الاستهلاك الغذائي، وفي المقابل هناك من يهتم ويعتني بنباتات المنزلية التي يمكن ان تكون مصدرأ للرزق.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن أن يكون المواطن العادي طرفاً فاعلاً في معادلة تغيير واقعه، بحيث يساهم في مواجهة الفقر وتضخم الأسعار، وفي الوقت نفسه يساهم في خفض معدلات التلوث وتقليل درجات الحرارة المرتفعة؟ وهل مشروع “زراعة أسطح المنازل” حل واقعي لهذه المشكلات فعلاً، أم أن هناك مبالغات فيه؟
لقد نجحت بعض الدول فعلا باستخدام تقنيات زراعة الأسطح والزراعة المنزلية فحلت من خلالها مشكلات اقتصادية واجتماعية للأسر الفقيرة، كما حدث في العديد من دول أميركا اللاتينية. وانتشرت هذه الحدائق في اليابان قبل الحرب العالمية الأولى، وسميت بحدائق اليابان المعلقة، ثم انتشرت بعد ذلك في جميع أنحاء العالم خاصّةً الدول التي عانت من أزمات بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت ركناً أساسياً من النوادي والمقاهي والشركات الكبرى، ونوعاً من الالتزام لديها في أوروبا وأمريكا. وفي كوبا، التي كانت تواجه في بداية التسعينيات عقب انهيار الاتحاد السوفيتي مشاكل في استيراد غذائها، بسبب اعتمادها السابق بشكل كبير علي الاتحاد السوفيتي، ما دفعها إلى التفكير في زراعة الأماكن الفارغة بالمدن والأسطح وغيرها؛ وخلال 3 سنوات، نجحت في تأمين ما يقرب من 40% من احتياجاتها من الخضروات الطازجة، وحالياً تخطت النسبة 70%. واليوم هناك ما أطلق عليه الحملة القومية لزراعة مليون سطح أخضر في مصر، أنشأت صفحة لها على موقع فيسبوك، في شباط 2016، في دعوة لزراعة الأسطح المصرية بأبسط الأدوات وبأقل التكاليف، وكسبت نحو 22 ألف متابعاً خلال فترة وجيزة، ويتم من خلالها الإجابة على تساؤلات المهتمين عن هذه الزراعة، ومن المتوقع أن تساعد على تحويل مساحات تقدّر بنحو 8000 هكتار من الأسطح إلى مساحات خضراء.
ولاشك أن هناك العديد من الأشكال والنماذج التي يمكن زراعة الأسطح من خلالها، وتتدرج من الأساليب البسيطة، بالأصص وعبوات الفلين وغيرها، إلى الأساليب الحديثة كالزراعة المائية بدون تربة وطرق الري والتسميد الحديثة. ولكي تبدأ زراعتك المنزلية فأنت بحاجة إلى معلومات عن هذه الزراعة وأنواعها وتكلفتها، وما هي المنتجات المناسبة التي يمكن إنتاجها وغيرها.
وهنا يجب أن تلعب وزارة الزراعة الدور الأساسي في التدريب والتأهيل المهني اللازم والدعم الفني وتوفير الشتول والبذور وتخصيص أرقام أو لقاءات للاستفسارات وتفعيل دور الإرشاد في ذلك. كما يجب أن يلعب المصرف الزراعي دوراً في قضايا التمويل الجماعي أو الفردي بضمان المشروع. كما يجب توجيه المؤسسات والمنظمات التي تقوم بمساعدة اﻷسر على بدء زراعاتها المنزلية، عبر تقديم قروض ميسرة لمزارع الأسطح ضمن نشاطاتها الإغاثية في مجال تعزيز سبل العيش والأمن الغذائي.
ويتحدث الرفاعي عن فوائد صحية عديدة يمكن أن تحققها الحديقة المنزلية إذ يمكن لزراعة الأسطح أن تستهلك كميات كبيرة من المخلفات العضوية الناتجة من المنازل مثل مخلفات المطابخ، وذلك عبر تحويلها إلى سماد عضوي يُستخدم في الزراعة، وبالتالي يمكن أن تحد من انتشار تلك المخلفات بالبيئة، وما ينتج عنها من آثار ضارة علي البيئة وصحة الناس، وتخفض تكاليف نقلها والتخلص منها بالنسبة للبلديات. ويمكن، أيضاً، عبر تقنيات بسيطة للغاية تدوير مياه المطابخ – المياه الرمادية – وإعادة استخدامها في ري زراعات الأسطح، حيث كشفت دراسات لمنظمة الصحة العالمية أن هذه المياه سليمة من الناحية الصحية ويمكن أن تُستخدم لري الخضروات بأمان. كما يمكن لهذه الزراعة توفير 90% من احتياجات الري عند استخدام الطرق الحديثة في الزراعة.
وتعمل الأسطح المزروعة بالنباتات كحاجز طبيعي لأشعة الشمس التي تسقط على المنازل ما يخفض درجات الحرارة داخل المنازل، وبالتالي تقل الحاجة إلى استعمال الطاقة للتدفئة والتبريد إضافة إلى عمل الأجهزة بشكل أكثر كفاءة. وفي حال انتشار زراعات اﻷسطح ستقل درجة حرارة المدن بشكل عام خلال فترة زمنية قصيرة مما يعطي مؤشرات عن الفوائد البيئية الكبيرة إضافةً إلى الجوانب الجمالية لأسطع المنازل وشرفاتها.
من الناحية الاقتصادية، يمكن من خلال زراعة الأسطح تعزيز مستوى الأمن الغذائي للأسرة، ويمكن لكثير من الأسر تأمين جزء كبير من احتياجاتها من الخضروات الطازجة وبعض الأعشاب الطبية والعطرية، وحتى الفاكهة، من خلال زراعة بعض الأمتار على اﻷسطح أو الشرفات، فالزراعة المنزلية بإمكانها أن توفر فرص عمل ومصدراً للدخل وتعزز سبل العيش وخاصة للأسر الفقيرة، إذ يمكن إنشاء مزارع تعتمد على تقنيات الزراعة بدون تربة، ويمكن إنشاء بيوت بلاستيكية صغيرة فوق الأسطح تزرع بالخضروات مثل البندورة والخيار والفليفلة والفراولة وغيرها وفق هذه الطريقة، فاﻷسرة التي تقوم بالزراعة المنزلية يمكنها أن تحقق اكتفاءً نسبياً كبيراً من الخضروات والفاكهة واﻷعشاب اﻷساسية. وكلما زاد عدد اﻷسر التي تمارس هذا النوع من الزراعة، فإن الجدوى اﻻقتصادية ستكون أكبر، وسيكون بإمكان الأسر مواجهة ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة في اﻷسواق بل والمنافسة في حال وجود فائض في الإنتاج، كما أن الجدوى اﻻقتصادية من هذه الزراعة تتجاوز المفهوم المباشر والتقليدي في تقليل النفقات وتحقيق اﻻكتفاء الذاتي وعدم الخضوع ﻻستغلال التجار، إذ أن هناك جانبا اقتصاديا آخر غير مباشر يتمثل في توفير طعام تمت زراعته منزلياً دون استخدام كيماويات. واستغلال المخلفات العضوية الموجودة في المنزل كأسمدة، هو توفير لنفقات التخلص منها، واستخدام المياه المستعملة هو إعادة تدوير لها ويقلل من استهلاك المياه المستخدمة في الزراعة، وتقليل نسبة التلوث في الهواء بسبب انتشار المساحات الخضراء في المدن هو تقليل لخطر التلوث واﻹصابة باﻷمراض وبالتالي توفير لنفقات أخرى على الجوانب الصحية والنظافة العامة.
أما عن جدوى اتخاذ الزراعة المنزلية كمشروع تجاري يهدف إلى الربح فيمكن أن توفر دخلاً إضافياً ثانوياً للأسر وليس دخلاً أساسياً، ﻷن المساحات المزروعة تكون صغيرة جداً، إلا إذا تم تطوير المشاريع إلى مستويات أكبر.
في المقابل، يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن مشروع الحديقة المنزلية من المشاريع المهمة اقتصاديا، والتي ينبغي تكريس ثقافتها، وهو مشروع يمكن تبنيه من قبل المواطنين على مراحل فمن الضروري بداية الاقتناع بالفكرة وأهميتها والشعور بضرورية تنفيذها من قبل السكان، ليصار إلى تطبيقها في مراحل أخرى بغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي للأسرة. وفي المرحلة الأخيرة، يمكن التفكير بالفائض أو الوفرة التي يمكن من خلالها تحقيق بعض الأرباح للعائلة. ونلاحظ اليوم أن معظم الأسر السورية طبقت أفكار وتجارب في الحديقة المنزلية، لكن للأسف فإن الكثيرمن هذه التجارب فشلت ولم تنجح النجاح المنتظر، وربما يكون التفسير مرتبطا بقلة الخبرة المحلية، وضعف التشجيع والتوعية. في المقابل، هناك أفكار وتجارب أخرى نجحت ويمكن أن نسميها أعمالا زراعية رائدة، ولكنها للأسف تجارب فردية لا ترتقي إلى مستوى الاقتصاد الوطني أو التأثير فيه، ودون المستوى المطلوب أو المأمول تحقيقه بالنسبة لمثل تلك المشاريع، ويمكن أن ندرجها تحت إطار ما يمسى التدبير المنزلي.