ثقافةصحيفة البعث

حفل تأبين للفنان التشكيلي هيسم قحف في ثقافي حمص

حمص- صديق محمد

أقام فرع اتحاد الفنانين التشكيليين بحمص حفل تأبين للفنان الراحل هيسم قحف، بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته، وذلك في قاعة سامي الدروبي في المركز الثقافي بحمص بحضور لفيف من زملائه وأصدقاء مشواره الفني الطويل الذي امتد على مدى أكثر من ستين عاماً. وتخلل الحفل عدة كلمات عن مناقب الراحل وأعماله الفنية ومسيرته الرائدة وإنجازاته ومشاركاته في العديد من المعارض والملتقيات، والحاصل على لقب أسرع نحات في سورية ووضعت بعض منحوتاته في عدة أمكنه بارزة في مدينة حمص.

وتخلل حفل التأبين عرض فيلم قصير عن حياة الفنان الراحل، كتب مادته الصوتية يعرب العيسى، التي ترافقت مع بعض الصور للفنان الراحل وبعضٍ من صور أعماله.

وكتب الزميل العيسى أن الفنان الراحل هيسم قحف أنفق معظم حصته من الزمن محاولاً بث الحياة في الحجارة مستخدماً أداتين فقط: إزميل مصنوع من الفولاذ وقلب من الحب وعشق الحياة والجمال. ومنذ شبابه المبكر وخلال تنقله بين مهن عديدة، ظهر شغفه بالفن والأدب، فكانت لوحة عظيمة من كلاسيكيات الفن التشكيلي توقظ في ذاكرته قصيدة يحفظها، فيقرأ القصيدة على اللوحة ويشرح اللوحة للقصيدة، وبتراكم ثقافته الفنية وتتبّعه لمدارسها وروادها وأعلامها اكتشف في سن الثلاثين أنه قبل كل شيء آخر نحّات.

وفي شهادة له في الفيلم، أوشح التشكيلي أيمن الدقر أن هيسم قحف كان فناناً تعبيرياً، وكانت أعماله وطنية بامتياز.. وطنية شاملة، تعني الوطن بشكل عام وإحساسه بهذا الوطن بشكل خاص.. كان إحساسه بالوطن عاليا، إحساس مرهف، اعتمدت أعماله على إلغاء التفصيلات، إلاّ أنه ترك إرثاً رائعاً وفناً للأجيال القادمة رغم رحيله المبكر.

وألقت إيمان، شقيقة الفنان هيسم، كلمة باسم عائلة الفقيد استحضرت فيها بعض الذكريات معه ومع أفراد العائلة. ثم ألقى عيسى بدران كلمة أصدقاء الفقيد خاطبه فيها قائلاً: ضجيجك الصامت لغز، أعجزُ عن تفسيره، وكلماتك الهامسة الناصحة المختصرة ستبقى نوراً في طريق كل تائهٍ أعيته الحيلة.. وقال إن الفنان هيسم نحت أعمالاً خالدة إضافة لمنحوتاته الإبداعية، وهي الذكريات التي ستظل ماكثة في قلوبنا.

كما ألقى عبد الله النقري كلمة اتحاد الفنانين التشكيليين المركزي والفرعي، نيابة عن الزميل الفنان أميل فرحة بسبب وضعه الصحي، فأشار إلى أن ما أبدعه الراحل من فن مستخدماً الرخام القاسي الذي يعبر عن المواقف التي تعطي الروح للمادة الصمّاء بزرع الحياة والموقف الرجولي.

واختتم حفل التأبين بكلمة لابن الفقيد، رأفت، عبّر فيها عن حيرته بأي الكلمات يرثي والده، إذ يشعر بأن الزمن قد توقف، وقال أيضاً: “ما زالت أشعر بدفء يديك، وحلمي كان أن تراني وأنا أكبر، وقد خسرت برحيلك صديقاً وأخاً وأباً، علمتني الكثير لكنك لم تعلمني كيف أتدبر أمري بعد رحيلك”.

كان الفنان الراحل من المحظوظين القلائل الذين عرفوا في وقت مناسب لماذا جاؤوا إلى هذا العالم، وما عليهم أن يقدموا لأسرتهم وأوطانهم وللإنسانية، وقضى بقية حياته مخلصاً لهذه المعرفة، فتفرغ لتشكيل البازلت والرخام وتحويلهما من حجارة صمّاء مهملة إلى منحوتات تكاد تنطق بمنظوره ورؤيته للعالم المحيط به ،تعمّقت علاقته الحميمة مع الحجر رغم التناقض الشديد بين صلابة الحجر وقسوته وبين رقته وطبعه اللطيف.

تنوعت منحوتاته بين المدرستين الواقعية والتعبيرية، وتنقلت بين جميع الأراضي السورية، حيث كانت مشاركاته في المعارض والملتقيات والمناسبات والفعاليات أكثر من أن تحصى على مدى ثلاثين عاماً، وإن كان أكثر ميلاً وإخلاصاً لمدينته حمص التي ولد فيها وعاش كل حياته بين حاراتها، وأسلمها جسده في النهاية لتحضنه في ترابها وهي المدينة التي أحبها ونقل روح الحياة فيها إلى الحجر.

رحل الفنان هيسم قحف دون إنذار مسبق وترك للحركة التشكيلية إرثاً كبيراً متميزاً لبقية الأيام، وسيبقى شاهداً على قدرة هذا الشعب على التجدّد وخلق الحياة مهما كانت الظروف قاسية، وقد كان امتداداً لإرث الفن السوري الحيّ منذ آلاف السنين.