ومتى تتفجّر “أوروبا غيت” السورية؟!
أحمد حسن
كلنا، كشعوب عالم ثالث، وثانٍ، وأوّلٍ أيضاً في بعض الأحيان، نعرف، وبدمائنا، أن شعار “دعم النضال من أجل الديمقراطية وحرية التعبير والانتخابات النزيهة في جميع أنحاء العالم”، الذي يرفعه البرلمان الأوروبي – والغرب بأسره – ليس، على ضرورته وأهميته، إلا لافتة جميلة تُخفي خلفها أهدافاً استعمارية بحتة على مستوى الأنظمة، وشرَهاً لا يحدّه شيء على مستوى الساسة الأفراد سواء للدم أم للذهب -الطبيعي أم الأسود- أو لكليهما معاً.
ذلك ما كان صفة دائمة للقارة العجوز، ولاحقاً لربيبتها السابقة وقائدتها الحالية، واشنطن. وبما أن الاستعمار بشكله المباشر يكاد يندثر ويصبح نهب الشعوب – وإن كان ما زال مستمراً بصيغ أخرى – أكثر صعوبة من ذي قبل، فإن الشرَه المالي للثراء الشخصي في أوروبا تحديداً تجاوز “المعتاد” هذه الأيام، وصولاً إلى تحوّل الشعار السابق إلى مجرّد لافتة لتحصيل “أكياس مليئة بالأوراق المالية”، وذلك ما كشفته فضيحة الرشوة في قلب مؤسسة “حُماة الأخلاق” الأوروبية، التي فُوجئت بأن هناك مَن يشتري الساسة وأعضاء البرلمان الأوروبي، وبينهم إحدى نائبات رئيسة البرلمان، بينما كانت المفارقة الفاقعة في الموضوع أن أحد المتهمين هو رئيس جمعيّة غير حكومية لمكافحة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم ضدّ الإنسانية! والأهم أن من يفعل ذلك ليس “أعداءهم”، بل إحدى “محميّاتهم” السابقة التي ورثت واشنطن، من جملة ما ورثت، حمايتها منهم.
وحتى الآن، اقتصر الردّ على تعليق التصويت، أو تجميد العمل باتفاقات للاتحاد الأوروبي، وتعليق العمل بـ “لجنة الصداقة البرلمانية” مع الدولة المتهمة بالرشوة، وباختراق حصن “الأخلاق الأوروبية السامية”!.
كل هذا جيد ومعتاد، لكن السؤال الكبير الذي يصمّ آذان الجميع ولا يزال يطرح نفسه على ضمائرهم، إن وجدت، هو: أين كانت هذه الغيرة على الأخلاق عندما قامت هذه الدولة ذاتها – وسواها طبعاً – برشوة ساسة وبرلمانيين ورؤساء دول أوروبية وغربية ودفعت – باعتراف كبيرهم الذي علّمهم الرشوة – أكثر من مائة مليار دولار لتشكيل جيش من الإرهابيين ساهم هؤلاء الأوروبيون، ذاتهم، بتدريبه وتسهيل حركته البشرية عبر مطاراتهم، وتمويله النقدي عبر مصارفهم، لتدمير سورية؟!
وأين كانت هذه الحمية الأخلاقية عندما صرّح ترامب، بكل صفاقة وفجور و”بلطجة”، أن نهب “النفط السوري” هو غايته الوحيدة من سورية، وذلك عين ما استبقاه بايدن من إرث ترامب، رغم أنه جاء بحجّة “تنظيف” هذا الإرث بأكمله.
وبالتالي، وهذا هو السؤال الأهم: متى سيُفتح ملف “أوروبا غيت” السوري؟! ومتى سيعترف أحدهم قائلاً: لقد كان ذلك “يوماً أسودَ مظلماً للمؤسسات الأوروبية”، كما قال زعيم مجموعة النوّاب الاشتراكيين في البرلمان الأوروبي، إيراتكس غارسيا بيريز بصدد القضية المثارة حالياً؟!
ذلك هو المحك الحقيقي لحراس الأخلاق المزعومين، بيد أن تاريخ النفاق الأوروبي، واللهاث القاتل خلف “أكياس المال”، لا ينبّئان بخير. وبالتالي، يبدو أن مسار الفضيحة الحالية “سيحظى” بتغطية مناسبة، فما سيأتيهم من مال ورشوة لإغلاق الملف أكبر من أن يتجاهلوه، وسيقتصر العقاب على تقديم بعض “الرؤوس” كأكباش فداء، لكن منظومة السلب والنهب والفساد الأوروبية ذاتها ستبقى بخير، ولكن أيضاً إلى حين، فالعالم يتغيّر، وحجم “أوروبا غيت” السورية لن، ولا يمكن، تجاهله، والأيام حبلى..