دراساتصحيفة البعث

من أجل حقوق الإنسان أم أداة للهيمنة؟

عناية ناصر

مع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، كان من المأمول أن ينعم العالم، وخاصة الجزء الشرقي من الكرة الأرضية، بسلام، على الأقل على الحدود وداخلها. كان المتنافسون الأقوياء في المنطقة يبحثون عن الازدهار الإقليمي من خلال التنمية والتعددية، إلا أن الوضع الناشئ في أوكرانيا، منذ عام 2014، كان تجهيزاً لفوضى إقليمية أخرى تفاقمت إلى الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث خططت الولايات المتحدة ودفعت بالحرب سراً إلى الحدود الروسية.

ومن أجل ذلك، قدمت الولايات المتحدة، منذ عام 2014، حوالي 22.1 مليار دولار لأوكرانيا كمساعدة أمنية للتدريب والمعدات، وللمساعدة في الحفاظ على “سلامة” أراضيها، وفق زعمها، وتأمين حدودها، وتحسين إمكانية التشغيل البيني مع الناتو. ورداً على الحرب التي جرت بين روسيا وأوكرانيا، انحازت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى جانب أوكرانيا، وقدموا لها كل وسائل الدعم والمساندة. علاوة على ذلك، وبخلاف المساعدة العسكرية، تم استخدام المعلومات المضللة وتوظيفها أيضاً كأحد الأسلحة الرئيسية للتلاعب بالساحة الدولية من خلال فبركة وتلفيق المعلومات الزائفة. ومن أجل التحكم في سلوك الدول، تم استخدام تحديث الأسلحة على نطاق واسع، وهو تكتيك لإشراك العالم في سباق تسلح لضمان السلام والاستقرار السلبيين من خلال الردع. فمن جهة، ومن خلال تحديث الأسلحة، تقع البلدان تحت عبء ديون ثقيلة، ويزدهر اقتصاد المانحين، وتعاني الدول المتلقية في الداخل بسبب الأعباء المتعددة، وتعتبر المساعدة الأمنية بهذا الخصوص فخاً نصبته الولايات المتحدة. ومن جهة ثانية، تلعب الولايات المتحدة نفسها – تحت شعار السلام – دور المروج للحرب من خلال تزويد الدول الأخرى بجميع أنواع الأسلحة والمعدات، إضافة إلى تسليح الدول بهدف زعزعة استقرار العالم بأسره، حيث تنصل جو بايدن من تعهده في الانتخابات، فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة، وزادت الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة في جميع أنحاء العالم، وفقاً لتقرير جديد صادر عن موقع “ريسبونسيبل ستيتكرافت” الذي يديره معهد كوينسي، ومقره في واشنطن.

وحسب دراسة معهد “بيرا ستوكهولم الدولي لبحوث السلام”، استحوذت الولايات المتحدة على 39 في المائة من شحنات الأسلحة الرئيسية لمدة خمس سنوات، من عام 2017 إلى 2021، أي ضعف حصة روسيا، وأكثر من ثمانية أضعاف حصة الصين في السوق العالمية. وقال مدير وكالة التعاون الأمني الدفاعي، جيمس هورش: “لقد ساعدت الحرب الروسية الأوكرانية والصراع المستمر في تحفيز طلب أكبر على الأسلحة الأمريكية، لا سيما من الدول الأوروبية التي تجد نفسها بحاجة إلى تجديد مخزوناتها من الذخيرة أو بدأت في إعادة التفكير في احتياجاتها الدفاعية”.

في بيان له في شباط الماضي، عندما بدأت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين: “في ظل هذا الوقت من عدم اليقين، لدينا طريق واضح للمضي قدماً هو مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، ودعم الشعب الأوكراني”. ومع ذلك، فإن مبيعات الأسلحة الأمريكية ستشكل أيضاً تحدياً لأمنها من خلال الترويج للصراعات، واستفزاز القوى الإقليمية الأخرى، وتشجيع سباقات التسلح، ودفع الولايات المتحدة نفسها إلى حروب مفرطة أو ذات نتائج عكسية.

إن تعريف “الإنسان”، و”حقوق الإنسان”، مختلفان وفق منظور الدول الغربية، فخلال العقود السبعة والنصف الماضية، كانت فلسطين واقعة تحت نير الاحتلال الصهيوني، لكن لم تقم أي دولة غربية بتقديم أية مساعدة عسكرية أو أمنية. والسؤال الذي يوجه للقوى الغربية من سيحاسب “إسرائيل”؟

إن الطبيعة المنافقة والمعايير المزدوجة للاعبين الدوليين الرئيسيين تجعل هذا العالم منطقة حرب، فالقضية الفلسطينية وعدوان “إسرائيل” أخطر بكثير. ومع ذلك، لم يدفع أي من المدافعين عن حقوق الإنسان الدول الغربية إلى اتخاذ بعض الإجراءات الاستباقية، على الأقل لإنهاء هذا الاحتلال.

إن الساحة الدولية مليئة بـ “المعايير المزدوجة والنفاق”، حيث أرادت الولايات المتحدة دائماً أن تكون في الشرق لأسباب عديدة، مثل الموارد الطبيعية وتهديد هيمنتها وظهور كتلة شرقية قوية، ومواجهة صعود الصين وروسيا كقوى عالمية.